الأصل الخامس في العقيدة
الإيمان باليوم الآخر
ويتضمن:
أولا: الإيمان بأشراط الساعة
ثانيا: الإيمان بمقدمات اليوم الآخر الموت وما
يدور في القبر
ثالثا: البعث والنشور
رابعاً: الإيمان بما يكون يوم القيامة
وسمي باليوم الآخر لتأخره عن الدنيا.
وقد دل عليه العقل والفطرة، كما صرحت به جميع الكتب
السماوية، ونادى به الأنبياء والمرسلون.
وقد أخبر الله عنه في كتابه العزيز، وأقام الدليل
عليه، ورد على المنكرين له في غالب سور القرآن.
والإقرار بالرب عام في بني آدم، وهو فطري، كلهم يقر
بالرب؛ إلا من عاند- كفرعون-؛ بخلاف الإيمان باليوم الآخر؛ فإن منكريه
كثيرون.
ومحمد صلى الله عليه وسلم لما كان خاتم الأنبياء، وكان
قد بعث هو والساعة كهاتين؛ بين تفصيل الآخرة بيانا لا يوجد في شيء من
كتب الأنبياء.
وقد تنوعت أدلة البعث في القرآن الكريم:
فتارة يخبر عمن أماتهم ثم أحياهم في الدنيا كما أخبر
عن قوم موسى الذين قالوا: {أَرِنَا
اللَّهَ جَهْرَةً} ؛ قال: {فَأَخَذَتْكُمُ
الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ
مَوْتِكُمْ} ، وعن {الَّذِينَ
خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ
لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} ، وعن إبراهيم إذ
قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي
الْمَوْتَى} ... القصة، وكما أخبر عن المسيح أنه كان
يحيي الموتى بإذن الله، وعن أصحاب الكهف أنهم بعثوا بعد ثلاث مائة سنة
وتسع سنين.
وتارة يستدل على ذلك بالنشأة الأولى؛ فإن الإعادة أهون
من الابتداء؛ كما في قوله: {إِنْ
كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ
تُرَابٍ} الآية، وقوله: {قُلْ
يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} ، وقوله:
{فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ
الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} {وَهُوَ
الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ
عَلَيْهِ}
وتارة يستدل على ذلك بخلق السماوات والأرض؛ فإن خلقهما
أعظم من إعادة الإنسان؛ كما في قوله: {أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ
الْمَوْتَى}
وتارة يستدل عليه بتنزيه الله عن العبث؛ كما قال
تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا
خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}
، {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ
يُتْرَكَ سُدًى} ... إلى قوله سبحانه: {أَلَيْسَ
ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} .
فالناس في هذه الدنيا منهم المحسن ومنهم المسيء، وقد
يموتون ولا ينال أحدهم جزاء عمله؛ فلا بد من دار أخرى يقام فيها العدل
بين الناس وينال كل منهم جزاء عمله.
والإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان؛ كما يدل على
ذلك القرآن في كثير من الآيات:
حيث يذكر الإيمان به تارة مع الإيمان بالأركان الستة
التي هي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؛ كما في
حديث عمر رضي الله عنه في سؤالات جبريل عليه السلام للنبي صلى الله
عليه وسلم.
وتارة يذكر الإيمان به مع الإيمان بالله؛ كما قال
تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} ، وقال
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي
يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} .
وقد سمى الله هذا اليوم بعدة أسماء؛ تنويها بشأنه
وتنبيها للعباد ليخافوا منه؛ فسماه اليوم الآخر؛ لأنه بعد الدنيا وليس
بعده يوم غيره. وسماه يوم القيامة؛ لقيام الناس فيه لربهم. وسماه
الواقعة والحاقة والقارعة والراجفة والصاخة والآزفة والفزع الأكبر ويوم
الحساب ويوم الدين والوعد الحق... وكلها أسماء تدل على عظم شأنه
وشدة هوله وما يلقاه الناس فيه من الشدائد والأهوال؛ فهو يوم تشخص فيه
الأبصار، وتطير القلوب عن أماكنها حتى تبلغ الحناجر.
{يَوْمَ يَفِرُّ
الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} .
{يَوْمَ تَكُونُ
السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ وَلَا
يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ
يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ
وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ
يُنْجِيهِ}
والإيمان بهذا اليوم يحمل الإنسان على العمل
والاستعداد له:
كما قال تعالى: {فَمَنْ
كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا
يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} .
وقال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا
بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى
الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ
وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} .
وقال تعالى: {يُوفُونَ
بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا
وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ
مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا
عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ
وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} .
كما أن الإيمان بهذا اليوم يحمل على الثبات عند لقاء
الأعداء والصبر على الشدائد؛ كما قال تعالى في قصة طالوت وجنوده حينما
لقوا عدوهم الذي يفوقهم في الكثرة بعدما جاوزوا نهر الامتحان ولم ينجح
منهم إلا القليل؛ قال تعالى: {فَلَمَّا
جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا
الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ
أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ
فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}
.
كما أن عدم الإيمان بهذا اليوم يحمل الإنسان على الكفر
والمعاصي وعلى الظلم والعدوان والبغي والفساد:
قال تعالى: {إِنَّ
الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ
أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
.
وقال تعالى: {إِنَّ
الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ
بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} .
وقال تعالى: {أَرَأَيْتَ
الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ
وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} .
وقد أمر الله باتقاء ذلك اليوم بالاستعداد له بالأعمال
الصالحة التي تنجي من أهواله:
قال تعالى: {وَاتَّقُوا
يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ
مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} .
وقال سبحانه: {وَاتَّقُوا
يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ
مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}
.
وقال تعالى: {وَاخْشَوْا
يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ
عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا
تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ
الْغَرُورُ} .
والإيمان باليوم الآخر معناه أن تصدق بكل ما بعد الموت
من عذاب القبر ونعيمه وبالبعث بعد ذلك والحساب والميزان والثواب
والعقاب والجنة والنار وبكل ما وصف الله به يوم القيامة.
وسمي باليوم الآخر لتأخره عن الدنيا، وله أسماء كثيرة
في القرآن منها:
1- يوم البعث: لأن فيه البعث والحياة بعد الموت.
2- يوم الخروج: لأن فيه خروج الناس من قبورهم إلى
الحياة الأخرى.
3- يوم القيامة: لأن فيه قيام الناس للحساب.
4- يوم الدين: لأن فيه إدانة الخلائق ومجازاتهم على
أعمالهم.
5- يوم الفصل: لأن فيه الفصل بين الناس بالعدل.
6- يوم الحشر: لأن فيه جمع الخلائق وحشرهم في موقف
الحساب.
7- يوم الجمع: لأن الله يجمع فيه الناس للجزاء.
8- يوم الحساب: لأن فيه محاسبة الناس على أعمالهم
التي عملوها في الدنيا.
9- يوم الوعيد: لأن فيه تحقيق وعيد الله للكافرين.
10- يوم الحسرة: لأن فيه حسرة الكافرين.
11- يوم الخلود: لأن الحياة في هذا اليوم حياة خالدة
أبدية.
12- الدار الآخرة: لأنها بعد دار الدنيا، وهي دار
باقية، ليس بعدها انتقال إلى دار أخرى.
13- دار القرار: لأنها الاستقرار الدائم بلا فناء
ولا انتقال.
14- دار الخلد: لأن الإقامة فيها إقامة أبدية.
15- الواقعة: لتحقيق وقوعها.
16- الحاقة: لأنها تحق كل مجادل ومخاصم بالباطل
بمعنى تغلبه.
17- القارعة: لأنها تقرع الأسماع والقلوب
بأهوالها.
18- الغاشية: لما يجري فيها من غشيان عام للثقلين.
19- الطامة: لأنها تغلب وتفوق ما سواها من
الدواهي.
20- الآزفة: أي: القريبة، سميت بذلك إشعارا بقربها
بالنسبة إلى عمر الدنيا.
21- يوم التغابن: لأن أهل الجنة يغبنون أهل النار.
22- يوم التناد: لأنه يدعى فيه كل أناس بإمامهم، وينادي بعضهم بعضا، وينادي أهل الجنة أهل النار، وأهل النار أهل الجنة، وينادي أصحاب الأعراف