أنواع الوقت
الفراغ منه ما هو نعمة ومنه ما هو نقمة
فراغ النعمة
هو الذي لا يحتاج صاحبه أن يستغله في طلب المعايش فيشغله بالعمل الصالح لخير الدنيا والآخرة وهو الممدوح شرعاً
فراغ مذموم
وهو الذي لا يستغل في العمل الصالح ولا في رضا الله وهو المعروف عرفاً بأنه مشكلة وهو الذي نقصد علاجه وهذه أنواعه
فراغ القلب
القلوب عندما تفرغ من الخير والصلاح يعمرها الهوى وتفسدها الشهوة والتقليد لأهل الجهل والضلال
وقد يوصل لعمى القلب عن الحق، حتى لا يشاهده كما لا يشاهد الأعمى المرئيات يقول تعالى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}
العقول إذا اكتملت اكتمل اغتنام الزمان، وتمّ إدراك شرفه، وإن من عرف قيمة الزمان لا يكون إلا صاحب قصدٍ واعتدال في أموره كلها، وصاحب العقل الغير كامل لا يدري أن التوسع في المطاعم سبب النوم، وأن الشّبَع يعمي القلبَ ويُهزل البدن ويضعفه، فتراه لا يتناول منها حاجته التي تقيم صلبه بل يفرط ويفرط، ويكونَ ذلك أكبر مسعاه وغاية مناه ومنتهى أمله.
{إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ}
فراغ النفس
النفس إن لم تُشغل من صاحبها بالحق والخير شغلته بالباطل والشر, ففراغها من الصلاح وما فيه رضا الله يكون وبال عظيم ينشأ عنه المفاسد والشرور الدينية والدنيوية، ويتسبب في تسلّط الشيطان بالوساوس الفاسدة التي ينشأ عنها كثير من الانحرافات والمعاصي
والفراغ النفسي ليس قاصراً على أصحاب الحياة السهلة التي يَكْتَنِفُها القُعُودُ والهُمُودُ والتواني والجُمُودُ بل هو مشكلة فئات أخرى كثيرة يجمعها هَجَر العلم والمَحَابِر، وطوي الأقلام والدفاتر، والانطلاق في العَبَث والبَطَالة واللهو والعَطَالَة، وجعل الليل سَهَرًا، والنهارَ نومًا، وتُمَزّيق الزمانَ النفيسَ باللهو والعصيان، والجلوس أمام شبكات المعلومات، والقضاء على شريف الدقائق بالتفَنُّن في الملاهي والبوائق لملئً فراغهم القاتل
الفراغ تلك النعمة التي أنعم الله بها على عباده، وهو خلو الوقت من الشواغل وما يَتَنَغّصُ به العيش، وتتكدّر به الحياة، فإذا امتنّ الله على عبده بذلك فلم يقطع وقته وسُوَيْعات عمره مؤدّيًا شكر هذه النعمة بإنفاقها فيما يَصْلُح به شأنه، ويعلو به قدره، ويكثر به خيره، ويسعد به مجتمعه، وتقوى به أمته، بل كان ممن يصرف وقته، ويقطع زمانه لهوًا ولعبًا وعبثًا ومجونًا وإسفافًا وتعلّقًا بالأدنى ورضًا بالخَسِيس، وركونًا إلى القبيح من القول والعمل، فأضاع الوقت الثمين والزمان الشريف سُدَى، غُبِنَ هنالك غَبْنًا فاحشًا لا مجال لرفعه والخلاصِ من آثاره ودل ذلك على أن صاحبه في فراغ نفسي من الثمين النافع لأن المسلم الكيس الواعي الذي سلاحه استقامته بصلاحه يغتنم وقته الذي يمكنه من تزكية نفسه {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)} أما من فرغت نفسه من الأعمال التي ترضي الله عليه فهذا الذي دنسها ولم يتفاعل مع الشريعة في توجيهه إلى طلب صلاح نفسه من الله بقول {اللهم آت نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها}
فراغ الوقت
فراغ الوقت منه ما كان فراغ كامل كفراغ المتقاعدين من العمل الذين لا يشغلون أوقاتهم بأي عمل وكذا حال الشباب ممن يتولى الأنفاق عليهم من أهليهم في أوقات إجازاتهم الصيفية
ومنه ما هو فراغ جزئي كفراغ بعض الشباب في أيام الدراسة ممن يتولى الأنفاق عليهم من أهليهم ولا يشغلون أوقاتهم بمتابعة الدروس ومذاكرتها وكذا الفراغ الذي يجده البعض بعد انتهاء وقت الدوام
هذا المجال من وقت الفراغ عندما لا يستغل في عمل صالح يرضي به الله وينفعه في أخراه فإنه يكون وبال عليه ونقمة
قال علي بين أبي طالب رضي الله عنه: (ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير الناس من طال عمره وحسن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله)).
فراغ الأهداف الجادة
الفراغ من الأهداف الجادة لذي جعل من الشباب وفي مراحل تعليمهم من لا يحدد له هدف يسعى لتحقيقه ولا يهتم بأن يكون له دور في الحياة أصلاً هذا الفراغ تولّد من الدّعة والتّرف والمُيُوعة والارتماء على قارعةِ الأرصِفة والطّرقات والمقاهي والشّوارع والتسكُّع في الأسواقِ ، وترك الحبل على الغارب في مشاهدةِ سموم وعَفَن الفضائيّات والاطّلاع على فضائح وقبائِح شبكاتِ المعلومات دون حسيبٍ ولا رقيب، سواءٌ الفتيان والفتيات، وغيابُ الرّقابة الأسريّة عن هذا السّلوك المشين والله عزّ وجلّ يقول: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } [التحريم:6]
فراغ القيم والمبادئ
الفراغ من القيم والمبادئ الذي تولد من الجري وراء شعاراتِ التقليد والتبعيّة بدعوى الحريّة والمدنيّة، واللّهث خلفَ سراب انفتاحٍ غير منضبط وعولمةٍ ثقافيّة مفضوحة مع غياب الرّقابة الأسريّة
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)}
هذا الفراغ أظهر انحرافات فكريّةٌ مقلِقة، تجرف بالشّباب في بيداء المسكِرات ومستنقعاتِ المخدِّرات واقتراف الجريمة، في لونٍ من ألوانِ التّغريب والتفلُّت من القيَم والثّواب