منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته
منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة الذين هم الفرقة
الناجية في أسماء الله وصفاته إثباتها كما جاءت في الكتاب والسنة مع
اعتقاد ما دلت عليه وأنها على ظاهرها.
ولا يلزم من إثباتها تشبيه الله بخلقه تعالى الله عن
ذلك؛ لأن صفات الخالق تخصه وتليق به، وصفات المخلوقين تليق بهم وتخصهم،
ولا تشابه بين الصفتين؛ كما أنه لا تشابه بين ذات الخالق سبحانه وذات
المخلوق.
ومذهب أهل السنة والجماعة في ذلك ينبني على أسس سليمة
وقواعد مستقيمة، وهذه الأسس هي:
أولا. أن أسماء الله وصفاته توقيفية؛ بمعنى أنهم لا
يثبتون لله إلا ما أثبته لنفسه في كتابه أو أثبته له رسوله في سنته من
الأسماء والصفات، ولا يثبتون شيئا بمقتضى عقولهم وتفكيرهم، ولا ينفون
عن الله إلا ما نفاه عن نفسه في كتابه أو نفاه عنه رسوله في سنته، لا
ينفون عنه بموجب عقولهم وأفكارهم؛ فهم لا يتجاوزون الكتاب والسنة في
إثبات ولا نفي، وما لم يصرح الكتاب والسنة بنفيه ولا إثباته - كالعرض
والجسم والجوهر - فهم يتوقفون فيه بناء على هذا الأصل العظيم.
ثانيا. أن ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى
الله عليه وسلم؛ فهو حق على ظاهره، ليس فيه أحاجي ولا ألغاز، بل معناه
يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه.
فأهل السنة يثبتون ألفاظ الصفات ومعانيها، فليس ما وصف
الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من المتشابه الذي
يفوض معناه؛ لأن اعتبار نصوص الصفات مما لا يفهم معناه يجعلها من
الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، والله تعالى قد أمرنا بتدبر القرآن كله،
وحضنا على تعقله وتفهمه، وإذا كانت نصوص الصفات مما لا يفهم معناه؛
فيكون الله قد أمرنا بتدبر وتفهم ما لا يمكن تدبره وتفهمه، وأمرنا
باعتقاد ما لم يوضحه لنا، تعالى الله عن ذلك!
إذا؛ فمعاني صفات الله تعالى معلومة يجب اعتقادها،
وأما كيفيتها فهي مجهولة لنا لا يعلمها إلا الله تعالى.
ولهذا قال الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه لما سئل عن
قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى
الْعَرْشِ اسْتَوَى} ؛ كيف استوى؟ قال: "الاستواء
معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".
وما قال الإمام مالك في الاستواء هو قاعدة في جميع
الصفات، وهو قول أهل السنة والجماعة قاطبة؛ فمن نسب إلى السلف أنهم
يفوضون معاني الأسماء والصفات ويجعلون نصوصها من المتشابه الذي استأثر
الله بعلم معناه؛ فقد كذب عليهم؛ لأن كلامهم يخالف ما يقوله هذا
المفتري.
ثالثا. السلف يثبتون الصفات إثباتا بلا تمثيل؛ فلا
يمثلونها بصفات المخلوقين؛ لأن الله ليس كمثله شيء ولا كفء له ولا ند
له ولا سمي له، ولأن تمثيل الصفات وتشبيهها بصفات المخلوقين ادعاء
لمعرفة كيفيتها، وكيفيتها مجهولة لنا مثل كيفية الذات؛ لأن العلم
بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، والله تعالى لا يعلم كيفية
ذاته إلا هو، والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات؛ فكما أن لله
ذاتا لا تشبه الذوات؛ فكذلك له صفات لا تشبه الصفات، {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ؛ أي: لا
يشبهه أحد لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
فيجب الإيمان بما وصف الله به نفسه؛ لأنه لا أحد أعلم
من الله بالله، {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ
أَمِ اللَّهُ} ؛ فهو أعلم بنفسه وبغيره؛ كما يجب الإيمان بما
وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا أحد بعد الله أعلم بالله من
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله في حقه: {وَمَا
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ؛
فيلزم كل مكلف أن يؤمن بما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى
الله عليه وسلم، وينزه ربه جل وعلا من أن تشبه صفته صفة الخلق.
فمن تقدم بين يدي الله ورسوله، وتجرأ على الله، فنفى
عنه ما أثبته لنفسه من الصفات العظيمة وما وصفه به رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وقال: هذا الذي وصفت به نفسك ووصفك به رسولك لا يليق
بك! وفيه من النقص كذا وكذا!! فأنا أأوله وألغيه وآتي ببدله من
تلقاء نفسي؛ كما قال بعضهم:
وكل نص أوهم التشبيها ** أوله
أو فوض ورم تنزيها
فلا أرجع إلى كتابك ولا إلى سنة نبيك في ذلك؛ لأن فيها
ما يوهم التشبيه، وإنما أرجع إلى قواعد المتكلمين وأقاويل الجهمية
والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية! فهل يكون يا عباد الله هذا مؤمنا
بالله وبكتابه وسنة رسوله؟! وهل يكون معظما لربه؟! سبحانك هذا
بهتان عظيم.
رابعا. وكما أن أهل السنة والجماعة يثبتون لله
الصفات التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله على وجه يليق بجلاله ولا
يشبهونه بخلقه؛ فهم ينزهونه عن النقائص والعيوب تنزيها لا يفضي بهم إلى
التعطيل بتأويل معانيها أو تحريف ألفاظها عن مدلولها بحجة التنزيه؛
فمذهبهم في ذلك وسط بين طرفي التشبيه والتعطيل، تجنبوا التعطيل في مقام
التنزيه، وتجنبوا التشبيه في مقام الإثبات.
خامسا. وطريقة أهل السنة والجماعة فيما يثبتون لله
من الصفات وما ينفون عنه من النقص هي طريقة الكتاب والسنة، وهي الإجمال
في النفي والتفصيل في الإثبات؛ كما في قوله تعالى: {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ؛ فأجمل في
النفي، وهو قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ} وفصل في الإثبات، وهو قوله: {وَهُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .
وكل نفي في صفات الله؛ فإنه يتضمن إثبات الكمال، وليس
هو نفيا محضا؛ لأن النفي المحض ليس فيه مدح؛ لأنه عدم محض، والعدم ليس
بشيء.
ومن أمثلة النفي المتضمن لإثبات الكمال: قوله
تعالى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ
أَحَدًا} ؛ أي: لكمال عدله سبحانه، وقوله: {ولا
يؤوده حفظهما} ؛ أي: لكمال قدرته وقوله، وقوله: {لَا
تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} ؛ أي: لكمال حياته
وقيوميته.
وهكذا كل نفي عن الله؛ فإنه يتضمن إثبات ضد المنفي من
الكمال والجلال.