وجوب احترام أسماء الله سبحانه
وتعالى
قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ
الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ
يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
.
وقال تعالى: {اللَّهُ
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} .
يخبر تعالى أن أسماءه حسنى؛ أي: حسان، قد بلغت
الغاية في الحسن، فلا أحسن منها؛ لما تدل عليه من صفات الكمال ونعوت
الجلال؛ فهي أحسن الأسماء وأكملها.
وأسماؤه سبحانه توقيفية؛ فلا يجوز لنا أن نسميه إلا
بما سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: {فادعوه بها} أي: اسألوه وتوسلوا
إليه بها؛ كما تقول: اللهم! اغفر لي وارحمني؛ إنك أنت الغفور
الرحيم.
وأسماؤه سبحانه كثيرة لا تحصر ولا تحد بعدد، منها ما
استأثر الله بعلمه فلا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل؛ كما في الحديث
الصحيح: "أسألك بكل اسم هو لك؛ سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك،
أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك".
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "فجعل أسماءه
ثلاثة أقسام: قسم سمى به نفسه فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم
ولم ينزل به كتابه، وقسم أنزل به كتابه وتعرف به إلى عباده، وقسم
استأثر به في علم غيبه فلم يطلع عليه أحدا من خلقه".
وقوله تعالى: {وَذَرُوا
الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} ؛ أي: أعرضوا عنهم
واتركوهم؛ فإن الله سيتولى جزاءهم، ولهذا قال: {سَيُجْزَوْنَ
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، ومعنى {يلحدون
في أسمائه} ؛ أي: يميلون بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق
الثابت لها.
والإلحاد بأسماء الله أنواع:
أحدها. أن يسمى بها الأصنام؛ كتسميتهم اللات من
الإله، والعزى من العزيز، وتسميتهم الصنم إلها.
الثاني. تسميته بما لا يليق بجلاله؛ كتسمية النصارى
له أبا، وتسمية الفلاسفة له موجبا بذاته أو علة فاعلة بالطبع.
الثالث. وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص؛
كقول أخبث اليهود: إنه فقير، وانه استراح يوم السبت، وقولهم: يد
الله مغلولة.
والرابع. تعطيل أسماء الله الحسنى عن معانيها وجحد
حقائقها؛ كقول الجهمية وأتباعهم: إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا
معاني، فيطلقون عليه اسم السميع البصير، ويقولون: لا سمع له ولا بصر
مثلا، وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلا وشرعا، وهو يقابل إلحاد
المشركين؛ فإن المشركين أعطوا من أسمائه وصفاته لآلهتهم، وهؤلاء سلبوا
كماله وعطلوا أسماءه وصفاته.
والواجب إثبات أسمائه وصفاته واعتقاد ما تدل عليه من
صفات كماله ونعوت جلاله؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا
تمثيل، على حد قوله سبحانه: {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .
والواجب احترام أسمائه من أن يسمى بها غيره، وذلك من
تحقيق التوحيد.
فعن أبي شريح: أنه كان يكنى أبا الحكم، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: (إن الله هو
الحكم، وإليه الحكم فقال إن قومي كانوا إذا اختلفوا في شيء؛ أتوني،
فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين فقال ما أحسن هذا! فما لك من
الولد؟ قلت شريح ومسلم وعبد الله قال فمن أكبرهم؟ قلت شريح قال
فأنت أبو شريح) . رواه أبو داود وغيره.
فغير النبي صلى الله عليه وسلم كنيته من أجل احترام
أسماء الله؛ لأن الله هو الحكم على الإطلاق، قال تعالى: {وَاللَّهُ
يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} ، وهو الحكم في الدنيا
والآخرة، يحكم في الدنيا بين خلقه بوحيه الذي أنزله على أنبيائه، ويحكم
بينهم يوم القيامة بعلمه فيما اختلفوا فيه، وينصف المظلوم من الظالم.
وفي هذا الحديث دليل على المنع من التسمي بأسماء الله
تعالى المختصة به، والمنع مما يوهم عدم الاحترام لها؛ كالتكني بأبي
الحكم ونحوه.
ومن احترام أسماء الله أن لا يقول الإنسان لمملوكه:
عبدي وأمتي؛ لما في لك من إيهام المشاركة في الربوبية.
وفي "الصحيح"عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا
يقل أحدكم أطعم ربك! وضيء ربك! وليقل سيدي ومولاي، ولا يقل أحدكم
عبدي وأمتي، وليقل فتاي وفتاتي وغلامي) .
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الألفاظ
(ربك) (عبدي) (أمتي)؛ لأنها توهم التشريك مع الله، وسدا
للذريعة، وحسما لمادة الشرك، وأرشد المالك أن يقول: فتاي وفتاتي،
والعبد أن يقول: سيدي ومولاي.
ومن احترام أسماء الله سبحانه أن لا يرد من سأل
بالله.
عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (من استعاذ
بالله؛ فأعيذوه، ومن سأل بالله؛ فأعطوه) .
لأن منع من سأل بالله يدل على عدم إجلال الله، وفي
إعطائه دليل على تعظيم الله والتقرب إليه سبحانه.
ومن احترام أسماء الله تعالى أنه لا يسأل بوجه الله
تعالى إلا الجنة؛ إجلالا له وإكراما له وتعظيما له.
عن جابر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (لا يسأل بوجه الله
إلا الجنة) . رواه أبو داود.
فلا يسأل بوجه الله تعالى ما هو حقير من حوائج الدنيا،
وإنما يسأل به ما هو غاية المطالب، وهو الجنة، أو ما هو وسيلة إلى
الجنة مما يقرب إليها من قول أو عمل.
ومن احترام أسماء الله أن لا يكثر الحلف بها.
قال الله تعالى: {واحفظوا أيمانكم} ؛ قال ابن
عباس: يريد: لا تحلفوا. لأن كثرة الحلف تدل على الاستخفاف بالله
وعدم التعظيم له، وذلك مما ينافي كمال التوحيد الواجب.
وعن سلمان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله
ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أشيمط زان، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله
بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه) . رواه
الطبراني بسند صحيح.
ومعنى "جعل الله بضاعته"؛ أي: جعل الحلف بالله
بضاعته؛ ففيه شدة الوعيد على كثرة الحلف؛ لأن ذلك يدل على الاستخفاف
بحق الله تعالى وعدم احترام أسمائه.
ومن إجلال الله وتعظيمه أنه لا يستشفع به على خلقه؛
لما في ذلك من تنقصه سبحانه؛ لأن المستشفع به يكون أقل درجة من المشفوع
عنده.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: إنما يشفع عند من هو
أعلى منه، تعالى الله عن ذلك.
وقد جاء أعرابي إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشكى إليه القحط وهلاك الأموال، وطلب
منه أن يستسقي لهم، وقال: فإنا نستشفع بالله عليك وبك على الله.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله! سبحان الله! فما
زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال ويحك! أتدري ما
الله؟! إن شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد من
خلقه) . رواه أبو داود.