ذكر الله كثيراً عند مواجهة أعداء فيه الفلاح
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)
اللقاء بمعنى المقابلة والمواجهة
والمعنى يأيها الذين آمنوا بالله إذا حاربتم أعدائكم ، فاثبتوا لا سيما في مواطن الحرب والشدة ، واذكروا الله فإن ذكر الله بالقلب واللسان من أعظم وسائل النصر لأن المؤمن متى استحضر عظمه الله في قلبه لا تهوله قوة عدوه ، ولا تخيفه كثرته
{ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا } تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً ودعاء وضراعة راجين النصر طامعين فيه سائلين الله تعالى . ذلك
{ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا }
ذكر الله في القتال منه قول اللهم أنت ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم بيدك فاهزمهم
أي: ادعوا الله بالنصر والظفر بهم مستظهرين بذكره مترقبين لنصره
ومستنصرين به داعين له على عدوكم اللهم اخذلهم
واذكروا ما وعدكم الله تعالى من النصر على الأعداء في الدنيا والثواب في الآخرة ليدعوكم ذلك إلى الثبات في القتال
واذكروا الله عند جزع قلوبكم ، فإن ذكره يعين على الثبات في الشدائد واثبتوا بقلوبكم واذكروا بألسنتكم فإن القلب قد يسكن عند اللقاء ويضطرب اللسان ، فأمرهم بالذكر حتى يجتمع ثبات القلب واللسان
وأكثروا من ذكر الله بأقوالكم وأعمالكم ، وفى سركم وجهركم ، وفى كل ما تأتون وما تذرون
اعلم أن الله تعالى علمهم إذا التقوا بالأعداء أن يثبتوا وهو أن يوطنوا أنفسهم على اللقاء وأن يذكروا الله كثيراً تنبيهاً على أن الإنسان لا يجوز أن يخلى قلبه ولسانه عن ذكر الله والدعاء بالنصر والظفر ، لأن ذلك لا يحصل إلا بمعونة الله تعالى
وفيه إشعار بأن على العبد أن لا يفتر عن ذكر ربه وإن يكون شغل قلبه وهم نفسه مجتمعة على ذكره لا يشغله شيء عن ذكر الله ، وأن يلتجىء إليه عند الشدائد ويقبل إليه بالكلية فارغ البال واثقاً بأن لطفه لا ينفك عنه في شيء من الأحوال وعلى أن ذكر الله تعالى له تأثير عظيم في دفع المضار وجلب المنافع وذكره جل شأنه في مثل تلك الموطن من أقوى أدلة محبته جل شأنه
فالآية دليل على أن الذكر في جميع الأحوال ، حتى في هذه الحالة التي ترجف فيها القلوب ، وتزيغ عندها البصائر
الله يأمرهم بما يهيءّ لهم النصر في المواقع كلّها ، ويستدعي عناية الله بهم وتأييدَه إيّاهم ، فجمع لهم في هذه الآية ما به قِوام النصر في الحروب
افترض الله ذكره عند أشغل ما يكونون لأن هذا الأمر فيه داعية النصر وسبب العز ، وهي وصية من الله
وأمر الله تعالى بإكثار ذكره لأنه هو عصمة المستنجد ووزر المستعين
لأن ذكر الله هو الصلة التي تربط الإِنسان بخالقه الذي بيده كل شئ ، ومتى حسنت صلة الإِنسان بخالقه ، صغرت في عينه قوة أعدائه مهما كبرت .
وبذكر الله يدخل المؤمنون المعركة بقلوب نقية ، وبنفوس صافية متوطنة على ما يرضى الله ، متحملة للمكاره والمشاق في جلد . وهذه الصفة لا بد منها لمن يريد أن يصل إلى آماله وغاياته
{ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } تنالون بغيتكم وتبلغون آمالكم وتظفرون بمرادكم متى فعلتم ذلك عن إخلاص
{ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } تدركون ما تطلبون من الانتصار على أعدائكم ، فالصبر والثبات والإكثار من ذكر اللّه من أكبر الأسباب للنصر فان الغلبة على الأعداء بالقوة المقدسة والتأييد الإلهي لا بالقوة الجسمانية وكثرة العدد والعدد
ثم اعلم أن المؤمن مأمور بالثبات والمجاهدات والجهاد مع النفس جهاد عظيم لآن فيه الخلاص من الظلمات الخلقية والفوز بالطمأنينة القلبية التي تنبثق من ذكر الرحمن وهي من اكبر أنواع الجهاد وأسرع قدم في الوصول إلى رب العباد
وهذا هو الفلاح
{ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } تفوزون بالنجاة من الأعداء والنصر عليهم في الدنيا والجنة في الآخرة والنجاة من النار