الدعاء وآدابه
قال صلى الله عليه وسلم : ((إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء)).
الدعاء هو الابتهال إلى الله تعالى بالسؤال رغبة فيما عنده من الخير.
ولقد أمر الله تعالى عباده أن يدعوه ويتضرعوا إليه، ووعدهم أن يستجيب لهم ويحقق لهم سؤالهم.
قال تعالى: {َقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }[غافر:60].
وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }[البقرة:186].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي)).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل)).
ولقد توعد الله الذين يستنكفون عن دعائه فقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }[غافر:60].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من لم يسأل الله يغضب عليه)).
فإن قال أحد: وما فائدة الدعاء؟ أليس كل شيء بقضاء ؟
فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الدعاء ينفع مما نزل من البلاء ومما لم ينزل منه.
أما نفعه مما نزل: فإن الله تعالى قال: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }[الأنبياء:83-84].
وقال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) }[الأنبياء:89-90].
ولقد أنكر الله على أقوام ابتلاهم ليدعوه ويتضرعوا إليه فأنساهم الشيطان ذلك فحقت عليهم كلمة العذاب.
قال تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) }[الأنعام:42-45].
فالواجب على الناس أن ينتبهوا لسنن الله فيهم، فقد يبتلون ليسمع الله دعاءهم وتضرعهم، فإن الله يحب أن يسأل ويدعى، فمن غفل عن ذكر الله في الشدة كان عن ذكره في الرخاء أغفل، وأولئك هم الخاسرون.
أما كون الدعاء ينفع مما لم ينزل فقد دل عليه قوله تعالى: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ }[يونس:98].
ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يرد القضاء إلا الدعاء)).
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فعليكم عباد الله بالدعاء)) أي: الزموا الدعاء واجتهدوا فيه ألحوا وداوموا عليه، لأن به يحاز الثواب، ويحصل ما هو الصواب، وكفى بك شرفا أن تدعوه فيجيبك، ويختار لك ما هو الأصلح في العاجل والآجل.
وإنما خص عباد الله بالذكر زيادة في الحث، وإيماء إلى أن الدعاء هو العبادة، كما صح بذلك الحديث عنه صلى الله عليه وسلم.
فأكثروا رحمكم الله من الدعاء والسؤال، { وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ }[النساء:32].
و((ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها، حتى يسأله الملح، وحتى يسأله شسع نعله إذا انقطع)).
واعلموا أن للدعاء آدابا، منها:
1- اختيار الأوقات الشريفة: كشهر رمضان، ويوم عرفة، ويوم الجمعة، فـ ((إن في يوم الجمعة لساعة، لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه )). وكوقت السحر، فـ ((إن الله تعالى ينزل كل ليلة في الثلث الأخير من الليل إلى سماء الدنيا فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)). وقد أثنى الله تعالى على المستغفرين بالأسحار. وقيل إن يعقوب عليه السلام لما قال لأبنائه سوف استغفر لكم ربي إنما أخّر الاستغفار لوقت السحر.
2- أن يغتنم الأحوال الشريفة: كحال انتظار الصلاة، فإن ((الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد)). وكحال السجود، فـ ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدا)). وقال صلى الله عليه وسلم: ((وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فَقَمَن أَنْ يُسْتَجَاب لَكُمْ)) وَقَمَن مَعْنَاهُ حَقِيق
وكحال الوجل ورقة القلب، فعن أبي الدرداء أنه سئل عن الوجل المذكور في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ }[الأنفال:2].
فقال: الوجل في القلب كاحتراق السعفة، أما تجد له قشعريرة؟ قال: بلى.
قال: إذا وجدت ذلك فادع الله عند ذلك، فإن الدعاء يستجاب عند ذلك.
3- أن يقدم التوبة والاستغفار بين يدي الدعاء.
4- أن يستقبل القبلة، فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فاستقبل القبلة ودعا.
5- أن يرفع يديه بالدعاء، ((فإن الله تعالى حي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردّهما صفرا)).
6- أن يبدأ بحمد الله وتمجيده والثناء عليه، كما أرشدنا إلى ذلك ربنا سبحانه في سورة الفاتحة، حيث بدأ بالحمد والثناء والتمجيد، ثم أتبعه بالدعاء والسؤال.
7- أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله تعالى ولم يصلّ على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: ((عجل هذا)). ثم دعاه فقال له: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه عز وجل والثناء عليه، ثم يصلي على النبي ، ثم يدعو بعد بما شاء)).
8- أن يدعو الله تعالى بربوبيته، يا رب! يا رب، فهذا هو هدى الصالحين في الدعاء: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }[البقرة:201].
{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }[آل عمران:8].
9- أن يجزم المسألة ولا يعلّق على المشيئة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليجزم المسألة فإنه لا مكره له)).
10- أن يوقن بالإجابة: لأن الله وعد بها، وهو سبحانه لا يخلف وعده ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة)). وكان عمر يقول: إني لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه، لأن الله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ }[السجدة:5].
فإذا أراد أن يجيبك ألهمك أن تدعوه، فتدعوه فيجيبك، كما قال تعالى: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ }[التوبة:118].
تاب عليهم في القضاء ليتوبوا في الواقع فيتوب عليهم ويغفر لهم.
11- التضرع والخشوع والرغبة، فإن الله تعالى قال: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }[الأعراف:55].
وأثنى على آل زكريا فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }[الأنبياء:90].
12- الإلحاح في الدعاء والسؤال، فعن ابن مسعود قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا سأل ثلاثا)).
13- التوسل إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى كما أمر بذلك فقال: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }[الأعراف:180].
وسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد
فقال: ((لقد سأل الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب)).
14- التوسل إلى الله تعالى بصالح الأعمال:
عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدّت عليه الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم)).
15- أن يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، لقول عمر: الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلى الله عليه وسلم.
فإذا أخذ الداعي نفسه بهذه الآداب، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد، إلا إذا كانت هناك آفات تمنع قبوله.
ومن الآفات التي تمنع قبول الدعاء:
1- غفلة القلب، وعدم إقباله على الله تعالى وجمعيته عليه وقت الدعاء: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه)).
2- أن يستعجل العبد ويستبطئ الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء: قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء)).
3- المعاصي: فالمعاصي تمنع قبول الدعاء، ولذا قال بعض السلف: لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي.
ومن أعظم المعاصي:
أ- أكل الحرام: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: صلى الله عليه وسلم يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ، وقال تعالى: صلى الله عليه وسلم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون}. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!)).
ب- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده، لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم