الفضيلة الثامنة والعشرون
الصائم
تزداد عنده التقوى بصيامه
قال تعالى
{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183) } البقرة
خاطب الله تعالى المؤمنين من هذه الأمة آمرًا لهم بالصيام لما فيه من زكاة النفس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاق الرذيلة ولأن الصوم فيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان ([1])
فذكر تعالى حكمته في مشروعية الصيام فقال: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى، لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه.
فمما اشتمل عليه من التقوى: أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها، التي تميل إليها نفسه، متقربا بذلك إلى الله، راجيا بتركها، ثوابه، فهذا من التقوى.
ومنها: أن الصائم يدرب نفسه على استحضار اطلاع الله عليه ، فيترك ما تهوى نفسه، مع قدرته عليه، لعلمه باطلاع الله عليه، ومنها: أن الصيام يضيق مجاري الشيطان، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام، يضعف نفوذه، وتقل منه المعاصي، ومنها: أن الصائم في الغالب، تكثر طاعته، والطاعات من خصال التقوى، ومنها: أن الغني إذا ذاق ألم الجوع، أوجب له ذلك مواساة الفقراء ، وهذا من خصال التقوى ([2])
والصوم فريضة قديمة على المؤمنين بالله في كل دين وأن الغاية الأولى هي إعداد قلوبهم للتقوى والشفافية والحساسية والخشية من الله
وهكذا تبرز الغاية الكبيرة من الصوم إنها التقوى فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب طاعة الله ومحبة رضاه , والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية ، ولو تلك التي تهجس في البال ، والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله ، ووزنها في ميزانه . فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم . وهذا الصوم أداة من أدواتها ، وطريق موصل إليها . ومن ثم يرفعها السياق أمام عيونهم هدفاً وضيئاً يتجهون إليه عن طريق الصيام([3])
ولا شك أن هذه الفريضة ترتفع بصاحبها إلى أعلى عليين متى أداها بآدابها وشروطها ([4]) فبأداء هذه الفريضة ينال درجة التقوى والخشية من الله ، وبذلك يكون العبد ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه .
فِالصَّوْمِ كَفُّ النَّفْسِ عَمَّا لَا يَلِيقُ وَهُوَ التَّقْوَى كُلُّهَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ (13) } سورة الحجرات
[1] تفسير ابن كثير 1 / 497
[2] تفسير السعدي 1 / 86
[3] ظلال القرآن 1 / 140
[4] الوسيط لسيد طنطاوي 1 /