استعاذة من علم لا ينفع
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعاء لا يسمع
فِي اِسْتِعَاذَته صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأُمُور التي استعاذ منها إِظْهَار لِلْعُبُودِيَّةِ وَإِعْظَام لِلرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَنَّ الْعَبْد يَنْبَغِي لَهُ مُلَازَمَة الْخَوْف وَدَوَام الِافْتِقَار إِلَى جَنَابه تَعَالَى وَفِيهِ حَثّ لِلْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَتَعْلِيم لَهُمْ وَإِلَّا فَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُوم مِنْ هَذِهِ الْأُمُور
فينبغي على كل إنسان منا أن يظهر العبودية لله وأن يعظم الرب تبارك وتعالى وأن يلازم الخوف ودوام الافتقار إلى جنابه تعالى
ويبين ذلك في استعاذته مما استعاذ منه معلمنا وقدوتنا نبينا صلى الله عليه وسلم الذي وجهنا لذلك
فمن توجيهاته لنا صلى الله عليه وسلم للاستعاذة من الأمور التي يخشى شرها وضرها دفعه لنا للاستعاذة من العلم الذي لا ينفع فيقول تعوذوا بالله من علم لا ينفع ورغم عصمته صلى الله عليه وسلم مما يستعاذ منه إلا أنه سبقنا بسلوكه الفعلي باستعاذته هو من هذا الأمر حيث كان يقول اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع
لأن العلم إذا لم ينفع لا يخلص صاحبه منه بل يكون وبالا عليه وَلِذَلِكَ اِسْتَعَاذَ
من العلم الذي لا ينفع العلم الذي لم يؤذن في تعلمه شرعا كالسحر وغيره من العلوم المضرة في الدين والدنيا يقول تعالى {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ (102) }البقرة
وقال صلى الله عليه وسلم من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر
من العلم الذي لا ينفع ما لا يصحبه عمل فالعلم الذي لا عمل معه فإنه غير نافع لصاحبه بل ضار له بل يهلكه فإنه حجة عليه لأنه سيسأل عنه
قال صلى الله عليه وسلم لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن علمه فيم فعل فيه وفي رواية عن علمه ماذا عمل فيه ؟
ولذا جاء الترهيب الفظيع للإنسان الذي يعلم ولا يعمل بعلمه ويقول ولا يفعله بأن أمعائه تتساقط من بطنه في النار وهو يجرها ويلف بها كالحمار الذي يلف حول رحاه وهي متصلة بأحشائه في بطنه كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيدوربها كما يدور الحمار برحاه فتجتمع أهل النار عليه فيقولون يا فلان ما شأنك ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن الشر وآتيه
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم مررت ليلة أسري بي بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت من هؤلاء يا جبريل قال خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون
وفي رواية ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون به
من العلم الذي لا ينفع صاحبه العلم الذي يبتغى به وجه الله العلم الَّذِي يُطْلَب بِهِ رِضَا اللَّه وَهُوَ الْعِلْم الدِّينِيّ
لكن صاحبه تعلمه ليصيب به عرض دنيوي ليصرف به تجارته أو ليجد به وجاهة في عمله دون أن يقصد وجه الله بهذا العلم والله تعالى توعد من يقصد بعلمه غيره تعالى بالحرمان من الجنة
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
من العلم الذي لا ينفع صاحبه العلم الذي تعلمه صاحبه ليُجَادِل بِهِ ضِعَاف الْعُقُول فيحاججهم مباهاة وفخرا
أَوْ يجادل بِهِ العلماء في المناظرات ليظهر علمه رياء وسمعة والمراء سببا لدخول النار لأن في نفوس أصحابه طلب للقهر والغلبة وهما من صفات الشيطنة
أو طلب العلم لتَحْصِيل الْجَاه وَصَرْف وُجُوه النَّاس الْعَوَامّ إِلَيْهِ وَجَعْلهمْ كَالْخَدَمِ لَهُ أَوْ جَعْلهمْ نَاظِرِينَ إِذَا تَكَلَّمَ مُتَعَجِّبِينَ مِنْ كَلَامه إِذَا تَكَلَّمَ مُجْتَمَعِينَ حَوْله إِذَا جَلَسَ
والله تعالى توعد من يقصد بعلمه هذا عذاب النار فعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ
ورغم أنه صلى الله عليه وسلم بين لنا الوعيد لمن فعل ذلك بوضح فيه زجر يمنع من الإقبال على فعله لكنه لم يكتفي بذلك لخطورة الأمر فنهانا بأمره صلى الله عليه وسلم فقَالَ لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ وَلَا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ
من العلم الذي لا ينفع صاحبه العلم الذي حفظه ثم كتمه إِذَا سُئِلَ عَنْهُ
فإن فاعل هذا كما أَمْسَكَ فَمه عَنْ كَلِمَة الْحَقّ وَقْت الْحَاجَة وَالسُّؤَال فكَذَلِكَ يأتي في الْمَحْشَر فَيجُازِيَ بِمِثْلِهِ حَيْثُ يمْسَكَ اللَّه فَمه فِي وَقْت اِشْتِدَاد الْحَاجَة لِلْكَلَامِ وَالْجَوَاب عِنْد السُّؤَال عَنْ الْأَعْمَال قال صلى الله عليه وسلم مَا مِنْ رَجُلٍ يَحْفَظُ عِلْمًا فَيَكْتُمُهُ إِلَّا أُتِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلْجَمًا بِلِجَامٍ مِنْ النَّارِ
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) } القرة
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) } القرة
فكل علم لا يدعوك من الدنيا إلى الآخرة ، فالجهل أعود عليك فيه فاستعذ بالله من علم لا ينفع
وعلى الإنسان منا وهو يستعيذ بالله من العلم الذي لا ينفع أن يطلب من الله أن يعلمه علماً نافعاً كما وجهنا لذلك نبينا وقدوتنا الذي تعلم أفضل العلوم علم النبوة ومع ذلك كان يقول اللهم إن أسألك علما نافعا وأعوذ بك من علم لا ينفع ويدفعنا إلى ذلك بقوله سلوا الله علما نافعا
العلم النافع هو ما يتعلق بالآخرة وهو علم أحوال القلب وأخلاقه المذمومة والمحمودة وما هو مرضي عند الله
العلم النافع هو الذي يهذب الأخلاق والأقوال والأفعال ويصرف صاحبه على أمور الآخرة ويعمل للقاء الله
كما كان حال السلف في تفاعلهم مع ما بلغهم من النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول إنما أخشى من ربي يوم القيامة أن يدعوني على رؤوس الخلائق فيقول لي يا عويمر فأقول لبيك رب فيقول ما عملت فيما علمت
وينبغي لطالبه أن يتوكل على ربه ويقنع من القوت بما تيسر ومن اللباس بما ستر قال الشافعي : لا يصلح طلب العلم إلا لمفلس
وقال مالك : من لم يرض بالفقر لم يبلغ من العلم ما يريد ، وقال أبو حنيفة : يستعان عليه بجمع الهم وخوف العلائق.
َفالْعِلْم النافع الَّذِي يَقْتَرِنْ بِهِ التَّقْوَى الخالي من أَنْوَاع الْهَوَى الذي يزيد في الخوف من الله ، وينقص من الرغبة في الدنيا
{ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) } طه
وقل كما كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي وَزِدْنِي عِلْمًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ