استعاذة من الشيطان وشركه
{ قل اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السماوات والأرض رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك} هكذا أمرنا صلى الله عليه وسلم بهذه الاستعاذة في أوقات الصباح والمساء وعند النوم
وكان هو صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم يستعيذ فيقول {حين يريد أن ينام اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء وإله كل شيء أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك والملائكة يشهدون اللهم إني أعوذ بك من الشيطان وشركه وأعوذ بك أن أقرف على نفسي إثما أو أرده إلى مسلم}
وأمر صلى الله عليه وسلم بهذه الاستعاذة أبو بكر الصديق رضي الله عندما قال يا رسول الله علمني شيئا أقوله إذا أصبحت و إذا أمسيت قال قل اللهم عالم الغيب و الشهادة فاطر السموات والأرض رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه وفي رواية و أن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم
وقال له قله إذا أصبحت و إذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك
وأمرنا ربنا أن نستعيذ به من الشياطين ومن حضورهم قال الله تعالى ( وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون 98 99 ]
{ وقل رب } يا رب { أعوذ بك } العوذ الالتجاء إلى الغير والتعلق به { من همزات الشياطين } اى وساوسهم المغوية على خلاف ما أمرت به من المحاسن التي من جملتها دفع السيئة بالحسنة
{ واعوذ بك رب ان يحضرون } أصله يحضروني ويحوموا حولي في حال من الأحوال صلاة او تلاوة او عند الموت او غير ذلك
وأمرنا ربنا أن نستعيذ به من الشيطان الرجيم عندما ينزغ لنا سواء في الغضب أو غيره فقال تعالى { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) } وأمرنا ربنا أن نستعيذ به من الشيطان الرجيم عندما نتذكر بعد غفلة أن الشيطان استغل غفلة الإنسان فوسوس له قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) }
في أي وقت وفي أي حال { يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ } أي تحس منه بوسوسة، وتثبيط عن الخير، أو حث على الشر، وإيعاز إليه { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } أي التجئ واعتصم باللّه، واحتم بحماه فإنه { سَمِيعٌ } لما تقول { عَلِيمٌ } بنيتك وضعفك، وقوة التجائك له، فسيحميك من فتنته، ويقيك من وسوسته، كما قال تعالى { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } إلى آخر السورة
ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان، الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين، وأن المتقي إذا أحس بذنب، ومسه طائف من الشيطان، فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب تذكر من أي باب أُتِيَ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكر ما أوجب اللّه عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر اللّه تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة، فرد شيطانه خاسئا حسيرا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه
وأما إخوان الشياطين وأولياؤهم، فإنهم إذا وقعوا في الذنوب، لا يزالون يمدونهم في الغي ذنبا بعد ذنب، ولا يقصرون عن ذلك، فالشياطين لا تقصر عنهم بالإغواء، لأنها طمعت فيهم، حين رأتهم سلموا القياد لها، وهم لا يقصرون عن فعل الشر
وكان عليه السلام يقول عند استفتاح الصلاة « لا اله إلا الله ثلاثا الله اكبر ثلاثا اللهم انى اعوذ بك من همزات الشياطين من همزها ونفثها ونفخها وأعوذ بك رب إن يحضرون » يعنى بالهمز الجنون وبالنفث الشعر وبالنفخ الكبر روى انه اشتكى بعضهم ارقا فقال عليه السلام اذا اردت النوم فقل « اعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وان يحضرون » وكلمات الله كتبه المنزلة على انبيائه او صفات الله كالعزة
لم يُستعاذ إلا بالله ولم يلتجئ إلا إلى الله والنبي عليه السلام لما ترقى عن هذا المقام قال « أعوذ بك منك » وأجمعت الأمة على عصمة النبي عليه السلام فان قرينه من الجن قد اسلم أو انه قد نزع منه مغمز الشيطان فالمراد من الاستعاذة تحذير غيره من شر الشيطان ثم إن الشيطان يوسوس في صدور الناس فيغوى كل احد من الرجال والنساء ويوقع الأشرار فى البدع والأهواء
وأمرنا ربنا أن نستعيذ به من الشيطان الرجيم عندما يسئ أحد إلينا ويستغل ذلك الشيطان بالدفع للشر
قال تعالى { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) }
وقوله { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } أي بما يقولون من الأقوال المتضمنة للكفر والتكذيب بالحق قد أحاط علمنا بذلك وقد حلمنا عنهم وأمهلناهم وصبرنا عليهم والحق لنا وتكذيبهم لنا فأنت يا محمد ينبغي لك أن تصبر على ما يقولون وتقابلهم بالإحسان هذه وظيفة العبد في مقابلة المسيء من البشر وأما المسيء من الشياطين فإنه لا يفيد فيه الإحسان ولا يدعو حزبه إلا ليكونوا من أصحاب السعير فالوظيفة في مقابلته أن يسترشد بما أرشد الله إليه رسوله فقال { وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ } أي اعتصم بحولك وقوتك متبرئا من حولي وقوتي { مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ } أي أعوذ بك من الشر الذي يصيبني بسبب مباشرتهم وهمزهم ومسهم ومن الشر الذي بسبب حضورهم ووسوستهم وهذه استعاذة من مادة الشر كله وأصله ويدخل فيها الاستعاذة من جميع نزغات الشيطان ومن مسه ووسوسته فإذا أعاذ الله عبده من هذا الشر وأجاب دعاءه سلم من كل شر ووفق لكل خير
وأمره بالتعوذ من الشيطان في « همزاته » وهي سورات الغضب التي لا يملك الإنسان فيها نفسه
ومن همز الشيطان الجنون
قال صلى الله عليه وسلم « اللهم إني أعوذ بك من الشيطان ، همزه ونفخه ونفثه » همزه الموتة وهي الجنون ونفخه الكبر ونفثه السحر
والنزعات وسورات الغضب من الشيطان وهي المتعوذ منها في الآية ، والتعوذ من الجنون أيضاً وكيد
وقوله { أن يحضرون } أن يكونوا معي في أموري فإنهم إذا حضروا الإنسان كانوا معدين للهمز فإذا لم يكن حضور فلا همز
{ وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَن يَحْضُرُونِ } أي من حضورهم حولي في حال الأحوال ، وتخصيص حال الصلاة وقراءة القرآن كما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وحال حلول الأجل لأنها أحرى الأحوال بالاستعاذة منها لا سيما الحال الأخيرة ولذا قيل اللهم إني أعوذ بك من النزع عند النزع
وفي الأمر بالتعوذ من الحضور بعد الأمر بالتعوذ من همزاتهم مبالغة في التحذير من ملابستهم ، وإعادة الفعل مع تكرير النداء لإظهار كمال الاعتناء بالمأمور به وعرض نهاية الابتهال في الاستدعاء ويسن التعوذ من همزات الشياطين وحضورهم عند إرادة النوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع بسم الله أعوذ بكلمات التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون »
والمراد بهمزات الشياطين هنا وساوسهم لبنى آدم وحضهم إياهم على ارتكاب ما نهاهم الله تعالى عنه
أى وقل أيها الرسول الكريم يا رب أعوذ بك ، واعتصم بحماك ، من وساوس الشياطين ، ومن نزغاتهم الأثيمة ، ومن همزاتهم السيئة ، وأعوذ بك يا إلهي وأتحصن بك ، من أن يحضرنى أحد منهم فى أى أمر من أمور دينيي أو من دنياي ، فأنت وحدك القادر على حمايتي منهم
وفى هذه الدعوات من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم من همزات الشياطين تعليم للمؤمنين ، وإرشاد لهم ، إلى اللجوء دائما إلى خالقهم ، لكي يدفع عنهم وساوس الشياطين ونزغاتهم