توبتك أسهل من توبتهم
فتوبو
إلى بارئكم
وَإِذْ
قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ
أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى
بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ
عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)
الله
تعالى نبههم على عظم ذنبهم ، ثم نبههم على ما به يتخلصون عن
ذلك الذنب العظيم وذلك من أعظم النعم في الدين
الله
تعالى لما أمرهم بالقتل رفع ذلك الأمر عنهم قبل فنائهم بالكلية
فكان ذلك نعمة في حق أولئك الباقين
الله
تعالى لما بين أن توبة أولئك ما تمت إلا بالقتل مع أن محمداً
عليه الصلاة والسلام كان يقول لهم : لا حاجة بكم الآن في
التوبة إلى القتل بل إن رجعتم عن كفركم وآمنتم قبل الله
إيمانكم منكم فكان بيان التشديد في تلك التوبة تنبيهاً على
الإنعام العظيم بقبول مثل هذه التوبة السهلة الهينة
ترغيباً شديداً لأمة محمد صلوات الله وسلامه عليه في التوبة ،
فإن أمة موسى عليه السلام لما رغبوا في تلك التوبة مع نهاية
مشقتها على النفس
فلأن
يرغب الواحد منا في التوبة التي هي مجرد الندم كان أولى ومعلوم
أن ترغيب الإنسان فيما هو المصلحة المهمة من أعظم النعم
قوله
تعالى : { فَتُوبُواْ إلى بَارِئِكُمْ فاقتلوا أَنفُسَكُمْ}
المراد
تفسير التوبة بقتل النفس بيان أن توبتهم لا تتم ولا تحصل إلا
بقتل النفس وإنما كان كذلك لأن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه
السلام أن شرط توبتهم قتل النفس
معنى
قوله تعالى : { فَتُوبُواْ إلى بَارِئِكُمْ } والتوبة لا تكون
إلا للبارىء المراد منه النهي عن الرياء في التوبة كأنه قال
لهم : لو أظهرتم التوبة لا عن القلب فأنتم ما تبتم إلى الله
الذي هو مطلع على ضميركم ، وإنما تبتم إلى الناس وذلك مما لا
فائدة فيه
أمر كل
واحد من أولئك التائبين بأن يقتل بعضهم بعضاً فقوله : { اقتلوا
أَنفُسَكُمْ } معناه ليقتل بعضكم بعضاً
أولئك
التائبون برزوا صفين فضرب بعضهم بعضاً إلى الليل
أنه
أمر من لم يعبد العجل من السبعين المختارين لحضور الميقات أن
يقتل من عبد العجل منهم ، وكان المقتولون سبعين ألفاً فما
تحركوا حتى قتلوا على ثلاثة أيام
هذا
القول من موسى عليه السلام كان بأمر من الله تعالى
أنه
لما أمرهم موسى عليه السلام بالقتل أجابوا فأخذ عليهم المواثيق
ليصبروا على القتل فأصبحوا مجتمعين كل قبيلة على حدة وأتاهم
هارون بالإثني عشر ألفاً الذين لم يعبدوا العجل ألبتة وبأيديهم
السيوف
فقال
التائبون : إن هؤلاء إخوانكم قد أتوكم شاهرين السيوف
قال
موسى فاتقوا الله واصبروا فلعن الله رجلاً قام من مجلسه أو مد
طرفه إليهم أو اتقاهم بيد أو رجل يقولون أمين ، فجعلوا
يقتلونهم إلى المساء وقام موسى وهارون عليهما السلام يدعوان
الله ويقولان البقية البقية يا إلهنا فأوحى الله تعالى إليهما
، قد غفرت لمن قتل وتبت على من بقي ، وكان القتلى سبعين ألفاً
أن بني
إسرائيل كانوا قسمين : منهم من عبد العجل ومنهم من لم يعبده
ولكن لم ينكر على من عبده ، فأمر من لم يشتغل بالإنكار بقتل من
اشتغل بالعبادة ، ثم قال المفسرون : إن الرجل كان يبصر والده
وولده وجاره فلم يمكنه المضي لأمر الله فأرسل الله تعالى سحابة
سوداء ، ثم أمر بالقتل فقتلوا إلى المساء حتى دعا موسى وهارون
عليهما السلام وقالا : يا رب هلكت بنو إسرائيل البقية البقية
فانكشفت السحابة ونزلت التوراة وسقطت الشفار من أيديهم .
أما
قوله تعالى : { ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ } ففيه
تنبيه على ما ففعلتم ما أمركم به موسى فتاب عليكم بارئكم .
فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ
ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ
إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)
عن ابن
عباس، قال: قال الله تعالى: إن توبتهم أن يقتل كل واحد منهم كل
من لقي من ولد ووالد فيقتله بالسيف، ولا يبالي من قتل في ذلك
الموطن. فتاب أولئك الذين كانوا خفي على موسى وهارون ما اطلع
الله من ذنوبهم، فاعترفوا بها، وفعلوا ما أمروا به فغفر الله
تعالى للقاتل والمقتول.
وعن
ابن عباس، قال: قال موسى لقومه: { فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ
فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ
بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ } قال: أمر موسى قومه من أمر ربه عز وجل أن يقتلوا
أنفسهم قال: واحتبى الذين عبدوا العجل فجلسوا، وقام الذين لم
يعكفوا على العجل، فأخذوا الخناجر بأيديهم، وأصابتهم ظُلَّة
شديدة، فجعل يقتل بعضهم بعضا، فانجلت الظلَّة عنهم، وقد أجلوا
عن سبعين ألف قتيل، كل من قتل منهم كانت له توبة، وكل من بقي
كانت له توبة.
قوله
تعالى: { فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } قام بعضهم إلى بعض
بالخناجر فقتل بعضهم بعضًا، لا يحنو رجل على قريب ولا بعيد،
حتى ألوى موسى بثوبه، فطرحوا ما بأيديهم، فكُشِفَ عن سبعين ألف
قتيل. وإن الله أوحى إلى موسى: أن حَسْبي، فقد اكتفيت، فذلك
حين ألوى موسى بثوبه،
أمر
القوم بشديد من الأمر، فقاموا يتناحرون بالشفار يقتل بعضهم
بعضا، حتى بلغ الله فيهم نقمته، فسقطت الشفار من أيديهم، فأمسك
عنهم القتل، فجعل لحيهم توبة، وللمقتول شهادة.
أصابتهم ظلمة حنْدس، فقتل بعضهم بعضا [نقمة]
ثم
انكشف عنهم، فجعل توبتهم في ذلك.
{
فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } فاجتلد الذين عبدوه والذين لم
يعبدوه بالسيوف، فكان من قُتِل من الفريقين شهيدًا، حتى كثر
القتل، حتى كادوا أن يهلكوا، حتى قتل بينهم سبعون ألفًا، وحتى
دعا موسى وهارون: ربنا أهلكت بني إسرائيل، ربنا البقيةَ
البقيةَ
فأمرهم
أن يضعوا السلاح وتاب عليهم، فكان من قتل منهم من الفريقين
شهيدًا، ومن بقي مُكَفّرا عنه
فذلك
قوله: { فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ}
لما
أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها، برزوا ومعهم موسى، فاضطربوا
بالسيوف، وتطاعنوا بالخناجر، وموسى رافع يديه، حتى إذا أفنوا
بعضهم ، قالوا: يا نبي الله، ادع الله لنا. وأخذوا بعضُديه
يسندون يديه، فلم يزل أمرهم على ذلك، حتى إذا قبل الله توبتهم
قبض أيديهم، بعضهم عن بعض، فألقوا السلاح، وحزن موسى وبنو
إسرائيل للذي كان من القتل فيهم، فأوحى الله، جل ثناؤه، إلى
موسى: ما يحزنك؟ أما من قتل منكم فحي عندي يرزقون، وأما من بقي
فقد قبلت توبته. فسُرّ بذلك موسى، وبنو إسرائيل.
لما
رجع موسى إلى قومه، وأحرق العجل وذَرّاه في اليم، خرج إلى ربه
بمن اختار من قومه، فأخذتهم الصاعقة، ثم بُعثوا، فسأل موسى ربه
التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل. فقال: لا إلا أن يقتلوا
أنفسهم فقالوا لموسى: نَصبر لأمر الله. فأمر موسى من لم يكن
عبد العجل أن يَقْتُل من عبده. فجلسوا بالأفنية وأصْلَتَ عليهم
القومُ السيوف، فجعلوا يقتلونهم، وبكى موسى، وَبَهَش إليه
النساء والصبيان، يطلبون العفو عنهم، فتاب الله عليهم، وعفا
عنهم وأمر موسى أن ترفع عنهم السيوف.
لما
رجع موسى إلى قومه، وكان سبعون رجلا قد اعتزلوا مع هارون العجل
لم يعبدوه. فقال لهم موسى: انطلقوا إلى موعد ربكم. فقالوا: يا
موسى، ما من توبة ؟ قال: بلى، { فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ
ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ
} الآية، فاخترطوا السيوف والخناجر والسكاكين. قال: وبعث عليهم
ضبابة. قال: فجعلوا يتلامسون بالأيدي، ويقتل بعضهم بعضًا. قال:
ويلقى الرجل أباه وأخاه فيقتله ولا يدري. قال: ويتنادون
[فيها]: رحم الله عبدا صبر نفسه حتى يبلغ الله رضاه، فقتلاهم
شهداء، وتيب على أحيائهم { فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }
المعنى
: واذكروا يا بني إسرائيل لتنتفعوا وتعتبروا وقت أن قال موسى
لقومه الذين عبدوا العجل: يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم وهبطتم بها
إلى الحضيض بعبادتكم غير الله تعالى فإذا أردتم التكفير عن
خطاياكم . فتوبوا إلى ربكم توبة صادقة نصوحاً ، واقتلوا أنفسكم
لتنالوا عفو ربكم ، فذلكم خير لكم عند خالقكم من الإِقامة على
المعصية ، ففعلتم ذلك فقبل الله توبتكم؛ لأنه هو الذي يقبل
التوبة عن عباده على كثرة ما يصدر عنهم من ذنوب لأنه هو الواسع
الرحمة لمن ينيب إليه ويستقيم على صراطه الواضح
وفي
نداء موسى عليه السلام لهم بقوله : " يا قوم " تلطف في الخطاب
ليجذب قلوبهم إلى سماعه ، وليحملهم على تلقي أوامره بحسن
الطاعة ، وليشعرهم بأنهم قومه فهو منهم وهم منه ، والشأن فيمن
كان كذلك ألا يكذب عليهم أو يخدعهم ، وإنما يريد لهم الخير .
وفي
هذا التعبير الحكيم ، تحريض لهم على التوبة والاستجابة للبارئ
الذي أحسن كل شيء خلقه ، وفيه أيضاً تقريع لهم على غباوتهم ،
حيث تركوا عبادة بديع السموات والأرض ، وعبدوا عجلا ضرب به
المثل في الغباوة فقالوا " أبلد من ثور "
فكأنه
سبحانه يقول لهم : لقد اتخذتم هذا العجل إلهاً لتشابهكم معه في
البلادة وضيق الأفق .
وقوله
تعالى : { فاقتلوا أَنفُسَكُمْ } أمر من موسى عليه السلام لهم
بقتلهم أنفسهم حتى تكون توبتهم مقبولة ، وهذا الأمر بلغه موسى
إياهم عن ربه ، إذ مثل هذا الأمر لا يصدر إلا عن وحي لأنه
تشريع من الله تعالى
والمراد بقتلهم أنفسهم أن يقتل من لم يعبد العجل منهم عابديه ،
فيكون المعنى : ليقتل بعضكم بعضاً
{
فتوبوا } اي فاعزموا على التوبة { الى بارئكم } اي من خلقكم
{
فاقتلوا انفسكم } اي ليقتل البريء منكم المجرم وانما قال
انفسكم لان المؤمنين اخوة واخو الرجل كانه نفسه
بيان
ان توبتهم لا تتم ولا تحصل الا بقتل النفس وانما كان كذلك لان
الله تعالى اوحى الى موسى عليه السلام ان توبة المرتد لا تتم
الا بالقتل { ذلكم } اي التوبة والقتل { خير لكم عند بارئكم }
انفع لكم عند الله من الامتناع الذى هو اصرار وفيه عذاب لما ان
القتل طهرة من الشرك ووصلة الى الحياة الابدية والبهجة
السرمدية { فتاب عليكم } خطاب منه تعالى اى ففعلتم ما امرتم به
فتاب عليكم بارئكم اى قبل توبتكم وتجاوز عنكم
وَإِذْ
قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ
أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى
بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ
عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)
ان
الله نبههم على عظيم ذنبهم ثم نبههم على ما به يتخلصون من ذلك
الذنب العظيم وذلك من النعم في الدين { انه } الله تعالى { هو
التواب } اي الذى يكثر توفيق المذنبين للتوبة ويبالغ في قبولها
منهم { الرحيم } كثير الرحمة للمطيعين امره حيث جعل القتل
كفارة لذنوبهم
روى
انهم لما امرهم موسى بالقتل قالوا نصبر لامر الله فجلسوا
بالافنية محتبين مذعنين وقيل لهم من حل حبوته اومد طرفه الى
قاتله او اتقاه بيد او رجل فهو ملعون مردود توبته واصلت القوم
عليهم الحناجر اي حملوا عليهم الخناجر ورفعوا وضربوهم بها وكان
الرجل يرى ابنه واباه واخاه وقريبه وصديقه وجاره فلم يمكنهم
المضى لامر الله قالوا يا موسى كيف نفعل فارسل الله ضبابة
وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضا فكانوا يقتلونهم الى المساء
فلما كثر القتل دعا موسى وهارون وبكيا وتضرعا وقالا يا رب هلكت
بنوا اسرائيل البقية البقية فكشف الله السحابة ونزلت التوبة
وامرهم ان يكفوا عن القتل فقتل منهم سبعون الفا فكان من قتل
شهيدا ومن بقى مغفورة ذنوبه واوحى الى موسى عليه السلام اني
ادخل القاتل والمقتول الجنة
روى ان
الامر بالقتل من الاغلال التي كانت عليهم وهى المواثيق اللازمة
لزوم الغل ومن الاصر وهو الاعمال الشاقة كقطع الاعضاء الخاطئة
وعدم جواز صلاتهم فى غير المسجد وعدم التطهير بغير الماء وحرمة
اكل الصائم بعد النوم ومنع الطيبات عنهم بالذنوب وكون الزكاة
ربع مالهم وكتابة ذنب الليل على الباب بالصبح وكما روى ان بنى
اسرائيل اذا قاموا يصلون لبسوا المسوح وغلوا ايديهم الى
اعناقهم وربما ثقب الرجل ترقوته وجعل فيها طرف السلسلة وأوثقها
الى السارية وحبس نفسه على العبادة فهذه الامور رفعت عن هذه
الامة تكريما للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم
فالتوبة نعمة من الله انعم بها على هذه الامة دون غيرها ولها
اربع مراتب
فالاولى مختصة باسم التوبة وهى اول منزل من منازل السالكين وهى
للنفس الامارة وهذه مرتبة عوام المؤمنين وهى ترك المنهيات
والقيام بالمأمورات وقضاء الفوائت ورد الحقوق والاستحلال من
المظالم والندم على ما جرى والعزم على ان لا يعود
والمرتبة الثانية الانابة وهى للنفس اللوامة وهذه مرتبة خواص
المؤمنين من الاولياء والانابة الى الله بترك الدنيا والزهد فى
ملاذها وتهذيب الاخلاق وتطهير النفس بمخالفة هواها والمداومة
على جهادها فالنفس اذا تحلت بالانابة دخلت فى مقام القلب
واتصفت بصفته لان الانابة من صفات القلب قال تعالى { وجاء ربه
بقلب منيب }
والمرتبة الثالثة الاوبة وهي للنفس الملهمة وهذه مرتبة خواص
الاولياء والاوبة الى الله من آثار الشوق الى لقائه فالنفس اذا
تحلت بالاوبة دخلت فى مقام الروح ومن امارات الاواب المشتاق ان
يستبدل المخالطة بالعزلة ومنادمة الاخدان بالخلوة ويستوحش عن
الخلق ويستأنس بالحق ويجاهد نفسه فى الله حق جهاده ساعيا فى
قطع تعلقاتها عن الكونين
والمرتبة الرابعة وهى للنفس المطمئنة وهذه مرتبة الانبياء واخص
الاولياء قال تعالى
وَإِذْ
قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ
أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى
بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ
عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)
{
فاقتلوا أَنفُسَكُمْ }
أن
لنفوسنا خالقاً بأمره نستبقيها؛ وبأمره نفنيها وأن لها بعد هذه
الحياة التي هي لعب ولهو ، حياة سرمدية وبهجة أبدية ، وأن
الدار الآخرة لهي الحيوان ، وأن قتلها بأمره يوصلها إلى حياة
خير منها ، ومن علم أن الإنسان في هذه الدنيا كمجاهد أقيم في
ثغر يحرسه ، ووال في بلد يسوسه وأنه مهما استرد فلا فرق بين أن
يأمره الملك بخروجه بنفسه ، أو يأمر غيره بإخراجه وهذا واضح
لمن تصور حالتي الدنيا والآخرة ، وعرف قدر الحياتين والميتتين
فيهما
أقيلوها بالتوبة والتزام الطاعة ، وأزيلوا آثار تلك المعاصي
بإظهار الطاعات .
إن
فعلتم ما أمرتم به فقد تاب عليكم
فإن
التوبة بالقتل لما كانت شاقة على النفس هوّنها سبحانه بأنه هو
الذي يوفق إليها ويسهلها ويبالغ في الإنعام على من أتى بها
إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
جمع
التواب مع الرحيم لأن توبته تعالى عليهم كانت بالعفو عن زلّة
اتخاذهم العجل وهي زلة عظيمة لا يغفرها إلا الغفار ، وبالنسخ
لحكم قتلهم وذلك رحمة فكان للرحيم موقع عظيم هنا وليس هو لمجرد
الثناء