الله يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات
{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ
وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ
(25)} [الشورى: 25]
هذا
بيان لكمال كرم الله تعالى وسعة جوده وتمام لطفه، بقبول التوبة
الصادرة من عباده حين يقلعون عن ذنوبهم ويندمون عليها، ويعزمون
على أن لا يعاودوها، إذا قصدوا بذلك وجه ربهم، فإن الله يقبلها
بعد ما انعقدت فيمحوا عنهم اسباب الهلاك، ووقوع العقوبات
الدنيوية والدينية
فهو
سبحانه وحده الذى يقبل التوبة من عباده التائبين إليه ، شفقة
عليهم ، ورحمة بهم ، بأن يكفر سيئاتهم ، ولا يعاقبهم عليها
{
وَيَعْفُواْ عَنِ السيئات } تأكيد لما قبله وتقرير له أي أنه
عز وجل يقبل التوبة من عباده التائبين ، وفضلا عن ذلك ، يعفو
عن سيئاتهم ، ويسترها عليهم
{
وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ } ويمحوها، ويمحو أثرها من
العيوب، وما اقتضته من العقوبات، ويعود التائب عنده كريما،
كأنه ما عمل سوءا قط، ويحبه ويوفقه لما يقر به إليه
ولما
كانت التوبة من الأعمال العظيمة، التي قد تكون كاملة بسبب تمام
الإخلاص والصدق فيها، وقد تكون ناقصة عند نقصهما، وقد تكون
فاسدة إذا كان القصد منها بلوغ غرض من الأغراض الدنيوية، وكان
محل ذلك القلب الذي لا يعلمه إلا الله، ختم هذه الآية بقوله: {
وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }
وقوله
سبحانه { وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } تحذير من التمادي في
تأخير التوبة ، وفى اقتراف ما نهى عنه ، فكأنه تعالى يقول لقد
فتحت لكم باب التوبة والعفو ، فأقبلوا على طاعتي ، واتركوا
معصيتي ، فإني عليم بما تفعلونه من خير أو شر ، وسأجازى كل
إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب
أي
يعلم الذى تفعلونه دون أن يخفى عليه تعالى شيء منه فالله
أعلمنا أن من شأنه قبول توبة من يتوب من عباده ، وعفوُه بذلك
عما سلف من سيئاتهم
وهذا
الإخبار تعريض بالتحريض على مبادرة التوبة وهو أيضا بشارة
للمؤمنين بأنه قبل توبتهم مما كانوا فيه من الجاهلية فإن الذي
من شأنه أن يقبل التوبة في المستقبل يكون قد قبل توبة التائبين
من قبلُ وهذا كله يتضمن وعداً للمؤمنين بقبول إيمانهم وللعصاة
بقبول توبتهم
فجملة
{ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } أربعُ مبالغات { التوبة }
الإقلاع عن فعل المعصية امتثالاً لطاعة الله وقبول التوبة منّة
من الله تعالى لأنه لو شاء لَمَا رضِي عن الذي اقترف الجريمة
ولكنه جعلها مقبولة لحكمته وفضله وفي ذكر اسم العباد دون نحو
الناس أو التائبين أو غير ذلك إيماء إلى أن الله رفيق بعباده
لمقام العبودية فإن الخالق والصانع يحب صلاح مصنوعه
والعفو
عدم مؤاخذة الجاني بجنايَته
والسيئات الجرائم لأنها سيئة عند الشرع . والعفو عن السيئات
يكون بسبب التوبة بأن يعفو عن السيئات التي اقترفها العاصي قبل
توبته ، ويكون بدون ذلك مثل العفو عن السيئات عقب الحج المبرور
، ومثل العفو عن السيئات لأجل الشهادة في سبيل الله ، ومثل
العفو عن السيئات لكثرة الحسنات بأن يُمحَى عن العاصي من
سيئاته ما يقابل مقداراً من حسناته على وجه يعلمه الله تعالى ،
ومثل العفو عن الصغائر باجتناب الكبائر فالله يعفوا عن سيئات
عباده وهذا يعم جميع العباد عموماً
والعفو
عن السيئات علي الله أعم من قبول التوبة
{
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو
عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)}
يقول
تعالى ممتنا على عباده بقبول توبتهم إليه إذا تابوا ورجعوا
إليه أنه من كرمه وحلمه أنه يعفو ويصفح ويستر ويغفر
أي:
يقبل التوبة في المستقبل ويعفو عن السيئات في الماضي
{
وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } أي هو عالم بجميع ما فعلتم
وصنعتم وقلتم، ومع هذا يتوب على من تاب إليه