توبة بشر الحافي
كان
بشرا في زمن لهوه في داره وعنده رفقاؤه يشربون ويطيبون فاجتاز
بهم رجل من الصالحين فدق الباب فخرجت إليه جارية فقال صاحب هذه
الدار حر أو عبد فقالت بل حر فقال صدقت لو كان عبدا لاستعمل
أدب العبودية وترك اللهو والطرب فسمع بشر محاورتهما فسارع إلى
الباب حافيا حاسرا وقد ولى الرجل فقال للجارية ويحك من كلمك
على الباب فأخبرته بما جرى فقال أي ناحية أخذ الرجل فقالت كذا
فتبعه بشر حتى لحقه فقال له يا سيدي أنت الذي وقفت بالباب
وخاطبت الجارية قال نعم قال أعد علي الكلام فأعاده عليه فمرغ
بشر خديه على الأرض وقال بل عبد عبد ثم هام على وجهه حافيا
حاسرا حتى عرف بالحفاء فقيل له لم لا تلبس نعلا قال لأني ما
صالحني مولاي إلا وأنا حاف فلا أزول عن هذه الحالة حتى
الممات
توبة
بشر الحافي :كان بشر من العابثين اللاهين غير الآبهين لشيء,
وفي ليلة كان يلهو مع رفاقه يشربون ويمرحون , فمرَّ بهم رجل
صالح , فدقَّ الباب , فخرجَت إليهِ جارية , فقال لها: صاحب
الدار حرُّ أم عبد ؟ قالت : بل حُرّ , قال : صدَقْتِ , لو كان
عبداً لاستعمل أدب العبودية , فَسَمِعَ بِشر
مُحاورَتُهُما , فسارع إلى الباب حافياً حاسراً , قد ولَّى
الرَّجُل , فقال للجارية : ويحك! من كلَّمكِ وماذا قال لكِ ؟
فأخبَرَتْهُ بما جرى , فقال : أي ناحية أخَذَ هذا الرّجُل ؟
قالت : كذا , فَتَبِعَه بِشر حتّى لَحِقهُ , فقال له : يا سيدي
أنت الذي دققت الباب وخاطبت الجارية ؟ قال : نعم , , قال : أعد
علَيَّ الكلام , فأعَادَهُ عليهِ فَمَرَّغَ بِشر خدَّيهِ على
الأرض فقال : بل عبد ! ثمّ هام على وجهه حافياً حاسراً , حتى
عُرِفَ بالحَفاء فقيل له : لِمَ لا تلبسُ نعلاً , قال لأنّي ما
صالَحَنِي مولاي إلاّ وأنا حافِِ فلا أزول عن هذه الحالة حتى
الممات
ومنذ
تلك اللحظة هجر الذنوب ونأى عنها وأتلف كل وسائل الحرام، وأقبل
على الطاعة والعبادة
سمع
بشر كثيراً من أئمة الحديث ثم اشتغل بالعبادة واعتزل الناس ولم
يحدث، وقد أثنى عليه غير واحد من الأئمة في عبادته وزهادته
وورعه ونسكه وتقشفه
قال
إلإمام أحمد يوم بلغه موته: لم يكن له نظير إلا عامر بن عبد
قيس ولو تزوج لتم أمره، وفي رواية عنه أنه قال: ما ترك بعده
مثله، وقال إبراهيم الحربي: ما أخرجت بغداد أتم عقلاً منه، ولا
أحفظ للسانه منه، ما عرف له غيبة مسلم، وكان في كل شعرة منه
عقل ولو قسم عقله على أهل بغداد لصاروا عقلاء وما نقص من عقله
شيء، وذكر غير واحد أن بشرا كان شاطراً في بدء أمره
بشر بن
الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء الإِمَامُ العَالِمُ المُحَدِّثُ
الزَّاهِدُ الرَّبَّانِيُّ القُدْوَةُ شَيْخُ الإسلام أبو نصر
المروزي، ثم البغداي المَشْهُوْرُ: بِالحَافِي
وحين
مات اجتمع في جنازته أهل بغداد عن بكرة أبيهم، فأخرج بعد صلاة
الفجر فلم يستقر في قبره إلا بعد العتمة
وكان
علي المدائني وغيره من أئمة الحديث يصيح بأعلا صوته في
الجنازة: هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة
يَحكِي عَنِ، ابْنِ خَيْرُوْنَ أَنَّ الخَطِيْبَ البغدادي
صاحب كتاب تاريخ بغداد ذكر أَنَّهُ لَمَّا حَجَّ شَرِبَ مِنْ
مَاء زَمْزَم ثَلاَث شَرْبَات وَسَأَل الله ثَلاَث حاجات أن
يحدث بتاريخ بَغْدَاد بِهَا وَأَنَّ يُمْلِي الحَدِيْثَ
بِجَامِع المَنْصُوْر وَأَنَّ يُدْفَنَ عِنْد بشر
الحَافِي. فَقُضِيَت لَهُ الثَّلاَث
وذكر
الخطيب أنه كان له أخوات ثلاث وهن: مخة، ومضغة، وزبدة
وكلهن
عابدات زاهدات مثله، وأشد ورعا أيضا
ذهبت
إحداهن إلى الإمام أحمد بن حنبل فقالت إني ربما طفئ السراج
وأنا أغزل على ضوء القمر فهل عليَّ عند البيع أن أميز هذا من
هذا؟ فقال: إن كان بينهما فرق فميزي للمشتري
يتبين
من قصة بشر الحافي تفاعله مع من أرشده إلى حقيقة حاله التي كان
واقع فيها وهو الوقوع في معاصي الله ويظن أنها حرية يفعل ما
يريد والتوضيح بما ينبغي أن يكون عليه الإنسان من عبادة لله
فقبل ففهم أنه لا بد من تغيير نمط حياته فتغير مباشرة إلى ما
يسترضي به ربه من عبادة
ويتبين
لنا بصيرة الموجه من حسن اختيار الإسلوب الذي يوضح بها حال من
يوجهه حتى يسعى لتغيير حاله