الموجه والتائب
{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا
فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ
الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ
ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (54) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ
سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55)} [الأنعام: 54، 55]
الذين
يعملون السوء بجهالة الآيات التي جاءت فيها تبين أن الخطاب
مرة
موجه لمن وقع في المعصية
ومرة
موجه لمن يأتيه الواقع في المعصية
الخطاب
الأول موجه لعموم الناس الذين يقعوا في الذنب فيتوبون مع
أنفسهم لمعرفتهم بسعة رحمة الله وأنه تواب لمن تاب
وهناك
صنف من الناس الذين يقعون في المعاصي يحتاجون مساعدة من
الأخرين يحتاجون من يرشدهم للطريق الصحيح
فالذي
يأتون إليه ليقدم لهم المساعدة هذا المعني بالخطاب في الآيات
التي بدئنا بها هذا الحديث سواء كان معلم أو مصلح أو معالج أو
داعية أو مربي أب أم أخ
فالخطاب موجه لإرشادهم إلى كيفية التعامل مع مريد التوبة كما
تبين من قوله تعالى
{
وإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ
الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ
ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (54) } [الأنعام: 54، 55]
والآيات التي فيها { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ
لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ
مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ }
سورة النساء الآية 17 في هذه الآيات التوجه للمقصر أو الواقع
في المعصية نفسه
وفي
الآيات الأتية توجيه المعلم المربي المصلح المعالج لكيفية
التعامل مع المؤمن الذي يأتيه واقعاً بجهالة في المعاصي من حسن
استقبال وحكمة في التوجيه كما أمر ربنا أعظم مربي وموجه نبينا
صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى
{ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ }
يخبر
تعالى أنه من لطفه وإحسانه تَابَ عَلَى النَّبِيِّ محمد صلى
الله عليه وسلم
{
وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ }
فغفر
لهم الزلات، ووفر لهم الحسنات، ورقاهم إلى أعلى الدرجات، وذلك
بسبب قيامهم بالأعمال الصعبة الشاقات، ولهذا قال:
{
الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ }
الذين
خرجوا معه لقتال الأعداء في وقعة "تبوك ولم يتخلفوا عنه ولم
يخلوا بأمر من أوامره { في ساعة العسرة } وهو الزمان الذي وقع
فيه غزوة تبوك وكانت في حر شديد، وضيق من الزاد والركوب، وكثرة
عدو، مما يدعو إلى التخلف فانه قد إصابتهم فيها مشقة عظيمة من
شده الحر وقلة المركب حتى كانت العشرة من الرجال يعتقبون بعيرا
واحداً يركب الرجل منهم ساعة ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك ومن قلة
الزاد حتى قيل أن الرجلين كانا يقتسمان تمرة وربما مصها
الجماعة ليشربوا عليها الماء المتغير من قلة الماء فقد كان
النفر منهم يخرجون وليس معهم إلا التمرات اليسيرة فإذا بلغ
الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلا يأكلها حتى يجد طعمها ، ثم يشرب
عليها جرعة من الماء فاستعانوا باللّه تعالى
والمعنى : لقد تقبل الله تعالى توبة النبي صلى الله عليه وسلم
كما تقبل توبة أصحابه المهاجرين والأنصار ، الذين اتبعوه
وأطاعوه وأخلصوا في ساعة العسرة
وقد
كانت غزوة تبوك تسمى غزوة العسرة ، كما سمي من جاهد فيها بجيش
العسرة وجهزهم عثمان وغيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم
والمقصود وصف المهاجرين والأنصار بأنهم اتبعوا الرسول عليه
السلام في الأوقات الشديدة والأحوال الصعبة ، وذلك يفيد نهاية
المدح والتعظيم لهم
وذلك
لأن المؤمنين خرجوا إليها في شدة من الأمر ، في سنة مجدبة ،
وحر شديد ، وفقر في الزاد والماء والراحلة .
ومضوا
مع النبي صلى الله عليه وسلم على صدقهم ويقينهم رضي الله عنهم
ووصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أوائل بلد العدو فصالحه
أهل أذرج وأيلة وغيرهما على الجزية ونحوهما ، وانصرف
ومع
ذلك فقد كانوا محتاجين إلى التوبة
{ مِنْ
بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ }
بيان
لتناهى الشدة ، وبلوغها الغاية القصوى . حتى كاد يميل قلوب
طائفة منهم عن الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لشدائد
إصابتهم في تلك الغزوة لكنهم صبروا واحتسبوا وندموا على ما ظهر
على قلوبهم فتاب الله عليهم
أي :
تاب سبحانه على الذين اتبعوا رسوله من المهاجرين والأنصار من
بعد أن أشرف فريق منهم على الميل عن التخلف عن الخروج إلى غزوة
تبوك ، لما لابسها وصاحبها من عسر وشدة وتعب وكادت تنقلب
قلوبهم، ويميلوا إلى الدعة والسكون، ولكن اللّه ثبتهم وأيدهم
وقواهم.
وفى
ذكر { فَرِيقٍ مِّنْهُمْ } إشارة إلى أن معظم المهاجرين
والأنصار ، مضوا معه صلى الله عليه وسلم إلى تبوك دون أن تؤثر
هذه الشدائد في قوة إيمانهم وعزيمتهم وصدق يقينهم ، وشدة
إخلاصهم
والمرد
قبول توبتهم ، وغفران ذنوبهم ، والتجاوز عن زلاتهم التي حدثت
منهم في تلك الغزوة قال ابن عباس : كانت التوبة على النبي صلى
الله عليه وسلم لأجل أنه أذن للمنافقين في القعود عن الخروج ،
لقوله سبحانه قبل ذلك : { عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ
لَهُمْ . . . }
وكانت
توبته على المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه أي : إلى
التخلف عن الخروج معه إلى غزوة تبوك
وفي
الآية الكريمة بيان فضل الله تعالى على رسوله وعلى المؤمنين ،
حيث غفر لهم ما فرط منهم من هفوات وقعت فى هذه الغزوة وهذه
الهفوات صدرت منهم بمقتضى الطبيعة البشرية ، فليس معنى الزلة
أنهم زلوا عن الحق الى الباطل ولكن معناها أنهم زلوا عن الأفضل
إلى الفاضل وإنهم يعاتبون به لجلال قدرهم ومكانتهم من الله
تعالى ، فهي لا تنقص من منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا
من منزلة أصحابه الصادقين في إيمانهم
وقوله
{ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ }
أي:
تأكيد منه سبحانه وتعالى على قبول توبتهم ولعظيم فضله عليهم
ولطفه بهم .
أى :
ثم تاب عليهم سبحانه بعد أن كابدوا ما كابدوا من العسر والمشقة
ومجاهدة النفس لما تحملوا مشاق هذا السفر ومتاعبه ، وصبروا على
تلك الشدائد والمحن
وذكر
التوبة أولا قبل ذكر الذنب تفضلا منه وتطييبا لقلوبهم ، ثم ذكر
الذنب بعد ذلك وأردفه بذكر التوبة مرة أخرى ، تعظيما لشأنهم ،
وليعلموا أنه تعالى قد قبل توبتهم ، وعفا عنهم
فتوبته
سبحانه عليهم أن تدارك قلوبهم حتى لم تزغ وتلك سنة الحق سبحانه
مع أوليائه إذا أشرفوا على العطب ووطنوا أنفسهم على الهلاك ،
أمطر عليهم سحائب الجود فأحيا قلوبهم
{
إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }
ومن
رأفته ورحمته أن مَنَّ عليهم بالتوبة، وقبلها منهم وثبتهم
عليها.
والرأفة عبارة عن السعي في إزالة الضرر ، والرحمة عبارة عن
السعي في إيصال النفع .
{ و }
كذلك لقد تاب الله
{
وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا
ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ
عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ
اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا
إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) }
{
وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ
الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ
ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (54) } [الأنعام]
انظر
كيف أمر ربنا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يفعل مع هذا الصنف
أمره
بأمرين
الأول
أن يحسن استقبالهم
والثاني أن يخبرهم بسعة رحمة الله وأنه تواب رحيم يغفر لهم ما
صدر منهم إذا تابوا , ليرغبهم في التوبة وأن يوضح لهم عاقبة
المجرمين ليحذروا أن يكونوا مثلهم
أمَر
الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستقبل المؤمنين
بالإكرام والإعظام، والتبجيل والاحترام، فقال: { وَإِذَا
جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ
عَلَيْكُمْ } أي: وإذا جاءك المؤمنون، فحَيِّهم ورحِّب بهم
ولَقِّهم منك تحية وسلاما، وبشرهم بما ينشط عزائمهم وهممهم، من
رحمة الله، وسَعة جوده وإحسانه، وحثهم على كسب كل سبب وطريق،
يوصل لذلك
قل لهم
سلام بمعنى السلامة من المرض أو من البلاء أي البراءة والعافية
فقل سلام عليكم من كل مكروه وآفة
والسلام بمعنى التسليم في التحية ، وهو بمعنى الدعاء بالسلامة
من كل سوء ، فهو آية المودة والأمان والصفاء أمره تعالى لنبيه
صلى الله عليه وسلم أن يسلم عليهم ليؤنسهم
فمعنى
سلام عليكم سلمنا عليكم سلاما اى دعوت بان يسلمكم الله من
الآفات فى دينكم ونفسكم وانما امره بان يبدأهم بالسلام مع ان
العادة ان الجائي يسلم على القاعد حتى ينبسط اليهم بالسلام
عليهم لئلا يحتشموا من الانبساط اليه هذا هو السلام فى الدنيا
واما فى الآخرة فتسلم عليهم الملائكة عند دخول الجنة كقوله {
سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين } والله يبتدئ بالسلام عليهم
بقوله { سلام قولا من رب رحيم }
والمعنى وإذا حضر إلى مجالسك يا محمد أولئك الذين يؤمنون
بآياتنا ويعتقدون صحتها فقل لهم تحية لكم من خالقكم وبشارة
لكم بمغفرته ورضوانه ما دمتم متبعين لهديه ، ومحافظين على
فرائضه
وأْمُرْهم بالتوبة من المعاصي، لينالوا مغفرة ربهم وجوده،
ولهذا قال: { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} اي
قضاها واوجبها على ذاته المقدسة بطريق التفضل والاحسان {
أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ
مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ }
أي
عرفهم أنه لا بد مع ترك الذنوب والإقلاع، والندم عليها، من
إصلاح العمل، وأداء ما أوجب الله، وإصلاح ما فسد من الأعمال
الظاهرة والباطنة
فإذا
وجد ذلك كله { فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أي صب عليهم من
مغفرته ورحمته ،بحسب ما قاموا به، مما أمرهم به
أي
عرفهم أنه سبحانه أوجب على نفسه الرحمة لعباده تفضلا منه وكرما
ثم بين
سبحانه أصلا من أصول الدين في هذه الرحمة المكتوبة فقال
{
أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن
بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
المراد
منه توبة المسلم عن المعصية
والمراد من قوله { بِجَهَالَةٍ } ليس هو الخطأ والغلط ، لأن
ذلك لا حاجة به إلى التوبة ، بل المراد منه ، أن تقدم على
المعصية بسبب الشهوة
فكان
المراد منه بيان أن المسلم إذا أقدم على الذنب مع العلم بكونه
ذنباً ثم تاب منه توبة حقيقية فإن الله تعالى يقبل توبته
أي
عرفهم أنه من عمل منكم عملا تسوء عاقبته متلبساً بجهالة دفعته
إلى ذلك السوء كغضب شديد ثم تاب من بعد تلك الجهالة وأصلح خطأه
وندم على ما بدر منه ، ورد المظالم إلى أهلها ، فالله سبحانه
شأنه في معاملته لهذا التائب النادم " أنه غفور رحيم " وفي
تعريف الموجه لمن وقع في معصية بجهالة هذا التوضيح مأخوذ من
قوله تعالى { وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ } أي نوضحها
ونبينها، ونميز بين طريق الهدى من الضلال، والغي والرشاد،
ليهتدي بذلك المهتدون، ويتبين الحق الذي ينبغي سلوكه {
وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } الموصلة إلى سخط
الله وعذابه، فإن سبيل المجرمين إذا استبانت واتضحت، أمكن
اجتنابها، والبعد منها، بخلاف ما لو كانت مشتبهة ملتبسة، فإنه
لا يحصل هذا المقصود الجليل
وكذلك
نفصل الآيات اي هذا التفصيل البديع نفصل الآيات القرآنية
ونبينها في صفة اهل الطاعة واهل الاجرام المصرين منهم
والاوابين ليظهر الحق ويعمل به { ولتستبين سبيل المجرمين } اي
تظهر طريقتهم فيجتنب عنها
ووجه
الاستبانة والايضاح ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة
وفي
إيضاح الموجه لمن يريد التوبة بعاقبة المجرمين فيه بتعاده عنها
وهذا
يدفع العاقل لسلوك طريق الفوز والفلاح ويصل الى ما وصل اليه
اهل الصلاح
وتعريفه اول الطريق وهو التوبة والاستغفار تذكر اولا قبح
الذنوب وشدة عقوبة الله
ثم
تذكره ضعفه وقلة حيلته في ذلك فمن لا يتحمل قرص نملة وحر شمس
كيف يتحمل نار جهنم ولسع حيات
فيعرف
بضرورة مجاهدة النفس في الخروج من الذنوب على اقسامها التي
بينه وبين عباد الله بالاستحلال ورد المظالم
واما
التي هي من ترك الواجبات من صلاة وصيام وزكاة فتقضى ما امكن
منها
واما
التي بينه وبين الله كشرب الخمر وضرب المزامير واكل الربا
فدفعه للندم على ما مضى منها وتوطن قلبه على ترك العودة الى
مثلها
فاذا
ارضى الخصوم بما امكن وقضى الفوائت بما يقدر عليه وبرأ قلبه من
الذنوب فينبغي ان يرجع الى الله بحسن الابتهال والضراعة فهو
مرجع كل تواب واواب
فعلى
الموجه المصلح المعالج الداعية المربي أن يتمعن في رحمة الله
وعفوه عمن تجرؤوا على معصيته ومع ذلك قد أكرمهم الله كرامتين
الأولى في أمره لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يبدأهم بالسلام
حين دخولهم عليه وهي مزيَّة لهم ، لأنّ شأن السلام أن يبتدئه
الداخل ، ليزفّ إليهم البشرى
والكرامةُ الثانية هي بشارتهم برضى الله عنهم بأنّ غفر لهم ما
يعملون من سوء إذا تابوا من بعده وأصلحوا
وهذا
الخبر يعمّ المسلمين كلّهم ، بالبشارة تكرمة لهم حيث قبل عذرهم
واعترافهم وبشرهم بالسلامة مما اعتذروا منه
وتبين
لهم أن الله قد بين أن من هذه حالتهم فإنه لهم غفور رحيم
{
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ
ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ
مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ }
وبين
لهم أيه الموجه أن هذا من الله تعالى حض منه لعباده على
التوبة، ودعوة لهم إلى الإنابة، فأخبر أن من عمل سوءا بجهالة
بعاقبة ما تجني عليه، ولو كان متعمدا للذنب، فإنه لا بد أن
ينقص ما في قلبه من العلم وقت أرتكاب الذنب فإذا تاب وأصلح بأن
ترك الذنب وندم عليه وأصلح أعماله، فإن الله يغفر له ويرحمه
ويتقبل توبته ويعيده إلى حالته الأولى أو أعلى منها
وبذلك
يتنبه المربي المعلم الموجه إذا جائه من أسرف على نفسه في
المعاصي ألا يتعاظم عليه معصيته حتى لا يكون سبب في وقوعه في
اليأس والإحباط ويتذكر دائماً سبب نزول هذه الآية أن قوما
جاءوا الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا انا اصبنا ذنوبا
عظاما فما تدارك الاستغفار وتدبير الاعتذار فسكت عنهم ولم يرد
عليهم شيئا فانصرفوا ميؤوسين فنزلت الآيات يأمر الله نبيه أن
يعاملهم بهذا الإحسان والكرم رغم ما صدر منهم ويتذكر أن سكوت
النبي صلى الله عليه وسلم في بادئ الأمر لأنه لم يكن عنده علم
من الله بكيفية التصرف معهم حتى بين له سبحانه كيفية التصرف
معهم أما أنت الآن فإنك تعلم بوضوح تام بأمر الله في كيفية
التعامل مع هذه الشريحة من المؤمنين