الرياء
معنى الرياء أن يعمل المرء عملا ليراه الناس، ويدخل
في ذلك من عمل العمل ليسمعه الناس ويقال له مسمع، وفي حديث النبي صلى
الله عليه وسلم ، أنه قال : (من راءي راءى الله به، ومن سمع سمع الله
به )
والرياء خلق ذميم، وهو من صفات المنافقين، قال الله تعالى : (
وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا
كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا
قَلِيلاً)(النساء: من الآية142).
والرياء يبحث في مقامين في حكمه, وحكم العمل الذي يدخل فيه رياء
المقام الأول : في حكم الرياء .
الرياء من الشرك الأصغر، لأنه قصد بعبادته غير الله، وقد يصل إلى
الأكبر
المقام الثاني : في حكم العبادة إذا خالطها الرياء،
وهو على ثلاثة أوجه :
الأول : أن يكون الباعث على العبادة مراءاة الناس من الأصل، كمن قام
يصلي من أجل مراءاة الناس ولم يقصد وجه الله ، فهذا شرك والعبادة باطلة
.
الثاني : أن يكون مشاركا للعبادة في أثنائها، بمعنى أن يكون الحامل له
في أول أمره الإخلاص لله ثم يطرأ الرياء في أثناء العبادة .
فإن كانت العبادة لا ينبني آخرها على أولها كالصدقات، فأولها صحيح بكل
حال، وباطل آخرها .
مثال ذلك : رجل عنده مائة ريال قد أعدها للصدقة فتصدق بخمسين مخلصا
وراءى في الخمسين الباقية، فالأولى حكمها صحيح، والثانية باطلة.
أما إذا كانت العبادة ينبني آخرها على أولها مثل الصلاة، فهي على حالين
:
1. أن يدافع الرياء ولا يسكن إليه، بل يعرض عنه ويكرهه ، فإنه لا يؤثر
عليه شيئا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله تجاوز عن أمتي ما
حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تتكلم) .
مثال ذلك : رجل قام يصلي ركعتين مخلصا لله، وفي الركعة الثانية أحس
بالرياء فصار يدافعه، فإن ذلك لا يضره ولا يؤثر على صلاته شيئا .
2 . أن يطمئن إلى هذا الرياء ولا يدافعه ، فحينئذ تبطل جميع العبادة ،
لأن آخرها مبني على أولها ومرتبط به .
مثال ذلك : رجل قام يصلي ركعتين مخلصا لله، وفي الركعة الثانية طرأ
عليه الرياء لإحساسه بشخص ينظر إليه ، فاطمأن لذلك ونزع إليه، فتبطل
صلاته كلها لارتباط بعضها ببعض .
الثالث : ما يطرأ بعد انتهاء العبادة، فإنه لا يؤثر عليها شيئا
وليس من الرياء أن يفرح الإنسان بعلم الناس بعبادته،
لأن هذا إنما طرأ بعد الفراغ من العبادة.
وليس من الرياء أيضا أن يفرح الإنسان بفعل الطاعة في
نفسه، بل ذلك دليل على إيمانه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (من
سرته حسناته وساءته سيئاته،فذلك المؤمن). وقد سئل النبي صلى الله عليه
وسلم عن ذلك ، فقال : (تلك عاجل بشرى المؤمن)
قال الله تعالي: (قُلْ
إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ
إِلَهٌ وَاحِد فَمَن كَانَ يَرْجُو
لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ
بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف : 110] .
قوله تعالى : (قل إنما أنا بشر مثلكم) . يأمر الله نبيه أن يقول للناس
: إنما أنا بشر مثلكم، وهو قصر النبي صلى الله عليه وسلم على البشرية،
وأنه ليس ربا ولا ملكا، وأكد هذه البشرية بقوله: (مثلكم)، فذكر المثل
من باب تحقيق البشرية .
قوله : (يوحي إلىّ) . الوحي إعلام الله بالشرع .
والوحي : هو الفرق بيننا وبينه صلى الله عليه وسلم ، فهو متميز بالوحي
كغيره من الأنبياء والرسل .
قوله : (أنما إلهكم إله واحد) . معناها : ما إلهكم إلا إله واحد، وهو
الله، فإنه لا يليق بك أن تشرك معه غيره في العبادة التي هي خالص حقه،
ولذلك قال الله تعالى بعد ذلك ( فَمَن
كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا
يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف : 110] .
قوله تعالى : (فمن كان يرجو لقاء ربه) المراد بالرجاء : الطلب والأمل،
أي : من كان يؤمل أن يلقى ربه ، والمراد باللقيا هنا الملاقاة الخاصة ،
لأن اللقيا على نوعين :
الأول : عامة لكل إنسان، قال تعالى (يَا
أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً
فَمُلَاقِيهِ) [الانشقاق : 6]
الثاني : الخاصة بالمؤمنين، وهو لقاء الرضا والنعيم
كما في هذه الآية، وتتضمن رؤيته تبارك وتعالى، كما ذكر ذلك بعض أهل
العلم .
فقوله : (فليعمل عملا صالحا) أي : من كان يريد أن يلقى الله على الوجه
الذي يرضاه سبحانه، فليعمل عملا صالحا، والعمل الصالح : ما كان خالصا
صوابا .
وهذا وجه الشاهد من الآية .
فالخالص : ما قصد به وجه الله، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه
وسلم: ( إنما الاعمال بالنيات )
والصواب : ما كان على شريعة الله والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه
وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا، فهو رد) .
ولهذا قال العلماء : هذان الحديثان ميزان الأعمال، فالأول ميزان
الأعمال الباطنة . والثاني : ميزان الأعمال الظاهرة .
قوله : (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) أي كما أن ربك خلقك ولا يشاركه أحد
في خلقك، فيجب أن تكون العبادة له وحده
والشاهد من الآية : أن الرياء من الشرك، فيكون داخلا في النهي عنه .
قال الله تعالى في الحديث القدسي :(أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل
عملا أشرك معي فيه غيري، تركته وشركه ) رواه مسلم .
قوله : (أنا أغنى الشركاء عن الشرك) . يعني:إذا كان بعض الشركاء يستغني
عن شركته مع غيره، فالله أغنى الشركاء عن المشاركة .
فالله لا يقبل عملا له فيه شرك أبدا، ولا يقبل إلا العمل الخالص له
وحده، فكما أنه الخالق له وحده، فكيف تصرف شيئا من حقه إلى غيره, فهذا
ليس عدلا، ولهذا قال الله عن لقمان :
(إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : 13]، فالله الذي
خلقك وأعدك إعدادا كاملا بكل مصالحك وأمدك بما تحتاج إليه، ثم تذهب
وتصرف شيئا من حقه إلي غيره ؟! فلا شك أن هذا من أظلم الظلم .
قوله : (تركته وشركه) . أي : لم أثبه على عمله الذي أشرك فيه .
وقد يصل هذا الشرك إلى حد الكفر، فيترك الله جميع أعماله، لأن الشرك
يحبط الأعمال إذا مات عليه .
والمراد بشركه : عمله الذي أشرك فيه، وليس المراد شريكه
ويتضح من هذا الحديث :
1 . بيان غنى الله تعالى، لقوله : (أنا أغنى الشركاء عن الشرك) .
2. بيان عظم حق الله وأنه لا يجوز لأحد أن يشرك أحدا مع الله في حقه 3.
بطلان العمل الذي صاحبه الرياء، لقوله : ( تركته وشركه)
4. تحريم الرياء، لأن ترك الإنسان وعمله وعدم قبوله يدل على الغضب، وما
أوجب الغضب، فهو محرم
قال صلى الله عليه وسلم : ( ألا أخبركم بما هو أخوف
عليكم عندي من المسيح الدجال ؟) قالوا بلي . قال : ( الشرك الخفي، يقوم
الرجل فيصلي فيزين صلاته، لما يري من نظر رجل إليه )رواه احمد
الرسول صلى الله عليه وسلم من رحمته بالمؤمنين يخاف عليهم كل الفتن،
واعظم فتنة في الأرض هي فتنة المسيح الدجال، لكن خوف النبي صلى الله
عليه وسلم من فتنة هذا, أي الشرك الخفي, أشد من خوفه من فتنة المسيح
الدجال، وإنما كان كذلك، لأن التخلص منه صعب جدا، ولذلك قال بعض السلف
: (ما جاهدت نفسي على شي مجاهدتها على الإخلاص)، وقال النبي صلى الله
عليه وسلم:(أسعد الناس بشفاعتي من قال : لا إله إلا الله خالصا من
قلبه)، ولا يكفي مجرد اللفظ بها، بل لا بد من إخلاص وأعمال يتعبد بها
الإنسان لله عز وجل.
قوله : (الشرك الخفي) . الشرك قسمان خفي وجلي.
فالجلي : ما كان بالقول مثل الحلف بغير الله أو قول ما شاء الله وشئت،
أو بالفعل مثل : الانحناء لغير الله تعظيما .
والخفي : ما كان في القلب، مثل : الرياء، لأنه لا يبين، إذ لا يعلم ما
في القلوب إلا الله، ويسمى أيضا (شرك السرائر) وهذا هو الذي بينه الله
بقوله: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ)
[الطارق : 9] لأن الحساب يوم القيامة على السرائر، قال تعالى (أَفَلَا
يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِي
الصُّدُورِ) [العاديات : 10] ، وفي الحديث الصحيح فيمن كان يأمر
بالمعروف ولا يفعله وينهى عن المنكر ويفعله : أنه (يلقى في النار حتى
تندلق أقتاب بطنه، فيدور عليها كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع عليه أهل
النار فيسألونه، فيخبرهم أنه كان يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن
المنكر ويفعله) .
قوله : (يقوم الرجل، فيصلي فيزين صلاته) .
قوله : (فيزين صلاته) . أي :
يحسنها بالطمأنينة، ورفع اليدين عند التكبير، ونحو ذلك .
قوله : (لما يرى من نظر الرجل إليه) . أي : للذي يراه من نظر رجل، وهذه
هي العلة لتحسين الصلاة، فقد زين صلاته ليراه هذا الرجل فيمدحه بلسانه
أو يعظمه بقلبه، وهذا شرك .
تابع الرياء
وهو مشتق من الرؤية، والمراد به إظهار العبادة لقصد
رؤية الناس لها، فيحمدون صاحبها، والفرق بين الرياء وبين السمعة أن
الرياء لما يرى من العمل؛ كالصلاة، والسمعة لما يسمع؛ كالقراءة والوعظ
والذكر، ويدخل في ذلك تحدث الإنسان عن أعماله وإخباره بها، وقد قال
الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا
بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا
وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} . قال الإمام
ابن القيم في معنى الآية: "أي: كما أن الله واحد لا إله سواه؛
فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده لا شريك له؛ فكما تفرد بالإلهية
يجب أن يفرد بالعبودية؛ فالعمل الصالح هو الخالص من الرياء المقيد
بالسنة..."انتهى.
وقد توعد الله المرائين بالويل، فقال تعالى: {فَوَيْلٌ
لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ
هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} . وأخبر أن
الرياء من صفات المنافقين، فقال تعالى: {إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا
قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ}
. وعن أبي هريرة مرفوعا؛ قال: قال الله تعالى:
(أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل
عملا أشرك معي فيه غيري؛ تركته وشركه) . رواه مسلم؛ أي:
من قصد بعمله غيري من المخلوقين؛ تركته وشركه. وفي رواية لابن
ماجه: "فأنا منه بريء، وهو للذي أشرك".