قصة غلام الأخدود
قصة أصحاب الأخدود
{كان فيمن كان قبلكم ملك [بنجران من ملوك حمير يقال له يوسف ذو نواس بن شرحبيل في الفترة قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين سنة] وكان له ساحر (كاهن يتكهن له )فلما كبر الساحر قال للملك إني قد كبر سني وحضر أجلي, فادفع إلي غلاماً لأعلمه السحر (غلاماً فهماً فطناً لقناً فأعلمه علمي هذا) فدفع إليه غلاماً [يقال له عبدالله بن تامر وكان أبوه قد سلمه إلى الساحر]فكان يعلمه السحر (وكان في طريقه إذا سلك إليه راهب) (ابتنى خيمة بين نجران وبين تلك القرية التي فيها الساحر) فكان بين الساحر وبين الملك [وكان حسن القراءة حسن الصوت] فأتى الغلام على الراهب فسمع من كلامه (فأعجبه ما يرى من عبادته وصلاته فجعل يجلس إليه ويسمع منه حتى أسلم فوحد الله وعبده, وجعل يسأله عن شرائع الإسلام حتى إذا فقه فيه جعل يسأله عن الاسم الأعظم, وكان يعلمه) وكان إذا أتى الساحر ضربه وقال ما حبسك وإذا أتى أهله ضربوه وقالوا ما حبسك, فشكا ذلك إلى الراهب فقال إذا أراد الساحر أن يضربك فقل حبسني أهلي, وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل حبسني الساحر, (فبينما هو كذلك) ذات يوم إذ ( مر بجماعة من الناس كثيرون قد حبستهم) دابة عظيمة فظيعة قد حبست الناس فلا يستطيعون أن يجوزوا فقال اليوم أعلم أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر, فأخذ حجراً فقال اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى من أمر الساحر فقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس ورماها فقتلها ومضى الناس(وقالوا قد علم هذا الغلام علما لم يعلمه أحد) فأخبر الراهب بذلك فقال أي بني أنت اليوم أفضل مني (قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى فإن ابليت فلا تدل علي) فكان الغلام يبرىء الأكمه والأبرص (يداوي الناس من سائر الأدواء ) ويشفيهم, (فجعل الغلام عبد الله بن التامر إذا دخل نجران لم يلق أحداً به ضر إلا قال له: يا عبد الله أتوحد الله وتدخل في ديني, وأدعو الله لك فيعافيك مما أنت فيه من البلاء ؟ فيقول نعم, فيوحد الله ويسلم, فيدعو الله له, فيشفى حتى لم يبق بنجران أحد به ضر إلا أتاه, فاتبعه على أمره ودعا له, فعوفي ) وكان للملك جليس فعمي فسمع به فأتاه بهدايا كثيرة فقال اشفني ولك ما ههنا أجمع(هذا لك أجمع إن أنت شفيتني) , فقال ما أنا أشفي أحداً إنما يشفي الله عز وجل, فإن آمنت به دعوت الله فشفاك فآمن فدعا الله فشفاه. فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك يا فلان من رد عليك بصرك ؟ فقال ربي: فقال أنا قال لا, ربي وربك الله, قال ولك رب غيري ؟ قال نعم ربي وربك الله (فأخذه )فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فبعث إليه (فجيء )فقال أي بني بلغ من سحرك أن تبرىء الأكمه والأبرص وهذه الأدواء! قال ما أشفي أحداً,( إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله ) قال أنا ؟ قال لا. قال أو لك رب غيري ؟ قال ربي وربك الله, فأخذه أيضاً بالعذاب فلم يزل (يعذبه ) حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقال ارجع عن دينك فأبى,( فدعا بالمنشار) فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه, وقال للأعمى: .( جليس الملك) ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه (فشقه به حتى وقع شقاه ) إلى الأرض وقال للغلام: ارجع عن دينك فأبى فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا وقال اصعدوا به فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه من فوقه (فذهبوا به) فلما علوا به الجبل قال: اللهم اكفنيهم بما شئت (فرجف بهم الجبل فسقطوا ) أجمعون, وجاء الغلام ( يمشي) حتى دخل على الملك فقال ما فعل أصحابك ؟ فقال كفانيهم الله تعالى فبعث به مع نفر في قرقور فقال (احملوه في قرقور فتوسطوا به البحر ) فإن رجع عن دينه وإلا فغرقوه في البحرفقال الغلام: اللهم اكفنيهم بما شئت( فانكفأت بهم السفينة فغرقوا ) أجمعون.
وجاء الغلام (يمشي ) حتى دخل على الملك فقال ما فعل أصحابك ؟ فقال كفانيهم الله تعالى ثم قال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني وإلا فإنك لا تستطيع قتلي, قال وما هو ؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد (تجمع أهل مملكتك )ثم تصلبني على جذع وتأخذ سهماً من كنانتي, ثم قل: باسم الله رب الغلام (وأنت على سريرك فترميني بسهم باسم إلهي )فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني.( فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد قوسه ثم قال بسم الله رب الغلام ) ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع الغلام يده على موضع السهم ومات, فقال الناس: آمنا برب الغلام ثلاث[ قال الناس لا إله إلا الله إله عبد الله بن تامر لا دين إلا دينه] فقيل للملك: أرأيت ما كنت تحذر ؟ فقد والله نزل بك(حذرك ) قد آمن الناس كلهم,[ فغضب الملك وأغلق باب المدينة] (وأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت فيها الأخاديد وأضرمت فيها النيران, وقال: من رجع عن دينه فدعوه وإلا فأقحموه فيها, فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون [عرضهم رجلا رجلا من قال ديني دين عبد الله بن تامر ألقاه في الأخدود فأحرقه وكان في مملكته امرأة أسلمت فيمن أسلم ولها أولاد ثلاث أحدهم رضيع فقال لها الملك ارجعي عن دينك وإلا ألقيتك وأولادك في النار فأبت فأخذ ابنها الأكبر فألقاه في النار ثم قال لها ارجعي عن دينك فأبت فألقى الثاني في النار ثم قال لها ارجعي فأبت فأخذوا الصبي منها ليلقوه في النار فهمت المرأة بالرجوع} كأنها تقاعست أن تقع في النار[ فقال الصبي يا أماه لا ترجعي عن الإسلام فإنك على الحق ولا بأس عليك فألقى الصبي في النار وألقيت أمه على أثره] }
فقبضت أرواحهم من قبل أن يمسهم حرها وخرجت النار من مكانها فأحاطت بالجبارين فأحرقهم الله بها ففي ذلك أنزل الله عز وجل: فوقعوا فيها, فقبضت أرواحهم من قبل أن يمسهم حرها وخرجت النار من مكانها فأحاطت بالجبارين فأحرقهم الله بها ففي ذلك أنزل الله عز وجل:
{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ(4)النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ(5)إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ(6)وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ(7)وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(8)الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(9)إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ(10)} البروج ([1])
وأما الغلام فإنه دفن, ويذكر أنه أخرج في زمان عمر بن الخطاب وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل ([2])
حدث أن رجلاً من أهل نجران كان في زمان عمر بن الخطاب حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته, فوجد عبد الله بن التامر تحت دفن فيها قاعداً واضعاً يده على ضربة في رأسه ممسكاً عليها بيده, فإذا أخذت يده عنها تفجرت دماً, وإذا أرسلت يده ردت عليها فأمسكت دمها وفي يده خاتم مكتوب فيه ربي الله, فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب يخبره بأمره فكتب عمر إليهم أن أقروه على حاله وردوا عليه الدفن الذي كان عليه ففعلوا.([3])
وقد نجى الله المؤمنين الذين ألقوا في النار بقبض أرواحهم قبل أن تمسهم النار وخرجت النار إلى من على شفير الأخدود من الكفار فأحرقتهم{ إذ هم عليها قعود } أي عند النار جلوس يعذبون المؤمنين يعني الملك وأصحابه الذين خدوا الأخدود{على ما يفعلون بالمؤمنين }من عرضهم على النار وإرادتهم أن يرجعوا إلى دينهم{شهود }حضور يشهدون أن المؤمنين ضلال حين تركوا عبادة الصنم{وما نقموا منهم } ما كرهوا منهم {إلا أن يؤمنوا بالله} ما عابوا منهم عيبا وما أنكروا عليهم ذنبا إلا إيمانهم بالله - إلا أن صدقوا بالله الغالب المحمود في كل حال ما أنكروا عليهم ذنبا إلا إيمانهم {بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء}من أفعالهم {شهيد}{إن الذين فتنوا } عذبوا وأحرقوا{ المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم } بكفرهم {ولهم عذاب الحريق} بما أحرقوا المؤمنين وقيل ولهم عذاب الحريق في الدنيا وذلك أن الله أحرقهم بالنار التي أحرقوا بها المؤمنين ارتفعت إليهم من الأخدود { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير}
[1] هذه القصة جمعت ألفاظها من طرق مختلفة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد 6/17 وكذا الإمام مسلم 18/330 ورواه النسائي وقد نقل في تحفة الأحوذي 8/183 تصريح الحافظ ابن حجر في الفتح برفع القصة بطولها وكذا الموقوف عند الترمذي 3340 وحسنه ومن كتب التفاسير عند شرح الآيات 4-11 من سورة البروج وفي تفسيره البغوي من رواية ابن عباس وقد وضعت ألفاظها التي أتيت بها للتوضيح بي القوسين [ ] وجعلت رواية الإمام أحمد هي الأصل وباقي ألفاظ و الروايات بين الأقواس ( )
[2] من رواية الطبراني في المعجم الكبير8/41
[3] تحفة الأحوذي 9/186 رواية عمر وكذا نجاة المؤمنين بقبض أرواحهم وحرق الكفار