تبين مما سبق في الآيات جزء من النعيم العائد على صحبة الأخيار
علاوة على النعيم العظيم الذي ما بعده نعيم وهو محبة الله للعبد والتي يجد المرء بها نعيم في الدنيا ويوم القيامة ويدخل بها الجنة
فالعبد الذي يريد أن ينتشل نفسه للخير والصلاح وإرضاء الله عليه بعد علمه بما سبق عليه العمل بمضمونه مع فعل الأتي
1- الابتعاد عن الفحش وظلم الآخرين
لأن الله لا يحب الظلم ولا الفواحش وأنه حذر من ذلك كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم بذلك فقال
{إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة وإياكم والفحش فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش } وفي لفظ {لا يحب الفاحش ولا المتفحش }[46]
2- أن يشعر الآخرين بالأمان منه
عندما يعلم أن حق الناس عليه أن تأمنه على مالها ونفسها وعرضها وتسلم منه فلا بد أن يحمي الناس من نفسه, وأنه يستطيع أن يجعلهم في حماية منه إذا هجر السوء وجاهد نفسه على طاعة الله , قال صلى الله عليه وسلم
{ والمهاجر من هجر السوء والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه}[47]
وقال صلى الله عليه وسلم
{المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم والمهاجر من هجر السيئات }[48]
وقال صلى الله عليه وسلم
{ألا أخبركم بالمؤمن ؟ من أَمِنَهُ الناس على أموالهم وأنفسهم ، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده ، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب}[49]
وعندما يهجر الخطايا والذنوب يكون فعلاً قد هجر ما نهى الله عنه
قال صلى الله عليه وسلم :
{المهاجر من هجر ما نهى الله عنه} [50]
{أفضل الهجرة أن تهجر ما كره ربك عز وجل}[51]
3- يعتزل شرور الناس والابتعاد عما يحيل بينه وبين الصلاح
المرء في استطاعته أن يغير أو يترك الأماكن التي فيها أهل المعاصي ولا يضع لنفسه عواقب
فقد يريد مدمن ترك الإدمان ويضع لنفسه عواقب لأنه موظف في شركة يملكه أخر يتعاطى معه أو أخو صاحب الشركة أو قريبه يتعاطى معه ويعطيه مكانة ومنصب مرموق في الشركة براتب مغري لا يجده في مكان أخر , كل هذا النعيم الذي سببه مشاركة أهل المعاصي معاصيهم لا بد من تركه لأن التمسك به يحيل بينه وبين طاعة الله وعليه أن يحسن الظن في أن الله سيرضيه كما أرضى آسية بنت مزاحم عندما تركت أفضل وأرفع مكانة للمرأة وهي أن تكون زوجة لملك البلاد واختارت الموت ولا أن يكون لها المُلك وهذا النعيم في الدنيا مع معصية الله فعوضها الله بالنعيم الحقيقي الدائم في الآخرة الذي ما بعده نعيم
وليعلم المرء أن مع تأمينه للناس من أن يصلهم منه أذى وهجره الذنوب والمعاصي وكل ما نهى الله عنه , واعتزاله لأهل الشر والسوء يكون من خيرت الناس ويكون قلبه قد استسلم لله
عن ابن عباس رضي الله عنهما
{أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم جلوس في مجلس لهم فقال ألا أخبركم بخير الناس منزلا قالوا بلى يا رسول الله قال رجل أخذ برأس فرسه في سبيل الله حتى يموت أو يقتل , ألا أخبركم بالذي يليه قلنا بلى يا رسول الله قال امرؤ معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شرور الناس} [52]
وعند ذلك يكون أسلم قلبه لله وبفضل الله {قال رجل يا رسول الله ما الإسلام قال أن يسلم قلبك لله عز وجل وان يسلم المسلمون من لسانك ويدك قال فأي الإسلام أفضل قال الإيمان }[53]
4- أن يجعل حبه وبغضه للآخرين ابتغاء وجه لله ليستكمل إيمانه
المرء عليه أن يستحضر دائماً أن حبه لأهل الصلاح يكون لله وبغضه للقائمين على المعاصي لله وكذا معاملاته كلها لله ليكمل إيمانه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان }[54]
وعندما يسر بمحبة إخوانه في الله ويتأسف على صحبة الماضي يكون قد تمكن الإيمان من قلبه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{إذا سَرَّتك حسنتك وساءتك سيئتك ، فأنت مؤمن}[55]
وبعد معرفة المرء ما جاء في هذه الرسالة والعمل بما جاء في مضمونها فليشرع في زيارة إخوانه الذين أحبهم في الله وليخبرهم أنه يحبهم في الله , وليعلم أنه في خير وأن الله يكافئه بمحبته لهم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله , فليخبره بأنه يحبه لله عز وجل }[56]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى ، فأرصد الله له على مدرجته، ملكاً ، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية ، قال: هل لك عليه من نعمة تربها ؟ قال لا ، غير أني أحببته في الله عز وجل ، قال: فإني رسول الله إليك ، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه}[57]
ويستحضر المرء مع إيمانه وإخلاصه لله واستقامته على طاعة الله قول الله تعالى :{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)}فصلت
ويكون المرء بذلك من المتقين من عباد الله الذين أطاعوه فيما أمر وتركوا ما عنه زجر , لأنهم تذكروا عقاب الله وجزيل ثوابه ووعده ووعيده , فتابوا وأنابوا واستعاذوا بالله ورجعوا إليه , وقد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه
[46] حسنه الألبانى في الصحيحة 553 , ابن حبان 11/579 الحاكم 1/11
[47] الحاكم 1/55 , صححه الألبانى في الترغيب 2555
[48] الطبراني في الكبير 3/293 , 19/175 , صححه الألبانى في كتاب الإيمان لابن تيمية
[49] المسند 5/385 , صححه الألبانى في الصحيحة 549
[50] البخارى 10
[51] المسند 2/195 , ابن حبان 11/579 , حسنه الألبانى في الصحيحة 553
[52] ابن حبان 604 , الطبراني في الكبير 10/315 , صححه الألباني في الترغيب 2737
[53] المسند 4/114 , صححه الألباني في الصحيحة 2/85
[54] أبو داود 4681 , صححه الألبانى في الترغيب 3029
[55] المسند5/252 , صححه الألبانى في شرح العقيدة الطحاوية 386
[56] ابن المبارك في الزهد 1/188 , صححه الألباني في الصحيحة 797
[57] مسلم430 / 16