الابتلاء بالمصائب لوسيلة القضاء والقدر
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة: 155 - 157]
ولقد أشار هذا النص إلى أن من سنن الله في خلقه أن يبتليهم بالمصائب ليختبر ردود أفعالهم تجاهها فهل يتقبلونها بالصبر والرضا والتسليم إيمانا بالله وبما تشتمل عليه مقاديره من حكم أم يستقبلونها بالضجر والتذمر والنكد والتسخط على الله .
فان كانوا من الفريق الأول قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون وهؤلاء هم أصحاب المنزلة العظيمة عند الله عليهم صلوات من الله أي رحمات ورحمة من نوع خاص فوق الصلوات وهؤلاء هم المهتدون .
وقد جعل الله جملة (إنا لله وإنا إليه راجعون) ذكر الذاكر بعد نزول المصائب لان المصائب لا تعدو أنها سلب للنعم التي سبق أن انعم الله بها أو الحرمان من النعم التي انعم الله بمثلها على عباده والنعم لدى التحقيق هي ملك لله تعالى والناس وسائر عباد الله الذين ينعم عليهم بالنعم هم أيضا ملك لله تعالى ومصير العباد كلهم أن يرجعوا إلى مالكهم ومصير الأشياء كلها أن تعود إلى مالكها فإذا ابتلى الله المؤمن فاسترد منه نعمة كان قد وضعها بين يديه ليبتليه بها فان المؤمن يتذكر بسرعة أن الله هو مالك كل شيء ويتذكر أيضا انه هو نفسه مملوك لله وان جميع الخلائق مملوكون لله وأنهم عباده وأنهم جميعا راجعون إليه فإذا رجع الملك لمالكه فعلام الحزن ؟ وعلام الأسى ؟ ولم الاعتراض ؟ ولماذا التسخط ؟
فحينما يتذكر المؤمن هذه الحقائق يعلن عبارة الإيمان التي تدل عليها فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون .
هذه العقيدة الإيمانية رحمة من الله تملا القلوب طمأنينة وتسليما ورضا عن الله فيما جرت به مقاديره وهكذا الحال مع الفريق الأول .
أما الفريق الثاني : فإذا أصابتهم مصيبة تضجروا وتسخطوا على الله وأضافوا إلى مصيبتهم التي امتحنوا بها مصيبة اكبر من داخل نفوسهم وهم فوق ذلك يحرمون أنفسهم من رحمة الله فيكون سخطهم شقاء عليهم ووبالا ونكدا وألما دائما وكآبة مقيمة :
ولما كانوا لا يملكون العقيدة الايمانية الصحيحة فان المصائب اذ تصدمهم بآلامها القاسيات لا تجد لديهم اية قوة دفاعية داخل نفوسهم ولا داخل قلوبهم بل تقوم لديهم قوى الحزن والضجر والاضطراب والتذمر والتسخط والنكد فتساعد المصائب وتنضم الى جيشها فتخرب في كيان صاحبها اكثر من تخريب العدو حتى يجد الانسان نفسه وحيدا وليس امامه من داخل نفسه صديق يواسيه او يسليه او يداريه او يساعده في تحمل المصائب وتظلم الحياة في وجهه ويسود في عينيه كل شيء وعندئذ قد يفر من الحياة بالانتحار وإما ان يتحول مجرما وشيطانا رجيما يريد ان ينتقم من كل شيء ويحطم كل شيء وينفس غيظه على كل شيء .
واذ فقد هؤلاء ركنا اساسيا من اركان الايمان كانوا غير مهتدين وكانوا محرومين من الصلوات والرحمة من الله