أوصيك بتقوى الله
التقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله حاجزاًوالتقوى هي وصيةُ الله لجميع خلقه ، ووصيةُ رسول الله
صلى الله عليه وسلم لأمته ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا بَعَثَ أميراً على سَرِيَّةٍ أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ، وبمن معه من المسلمين خيراً
ولما خطبَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوداع يومَ النحر وصَّى الناس بتقوى الله وبالسمع والطاعة لأئمتهم
ولم يزل السَّلفُ الصالح يتَواصَوْنَ بها ، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول في خطبته أما بعد ، فإني أُوصيكم بتقوى الله ، وأنْ تُثنوا عليه بما هو أهلُه ، وأنْ تَخلِطُوا الرغبةَ بالرهبة ، وتجمعوا الإلحافَ بالمسألة ، فإنَّ الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته ، فقال { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }
أوصيكَ بتقوى الله ، فإنّها أكرم ما أسررتَ ، وأزينُ ما أظهرتَ ، وأفضلُ ما ادَّخرتَ ، أعاننا الله وإيَّاكَ عليها ، وأوجب لنا ولك ثوابَها .
أُوصيكَ وأنفسَنا بالتقوى ، فإنَّها خيرُ زادِ الآخِرَةِ والأُولى ، واجعلها إلى كلِّ خيرٍ سبيلَك ، ومِن كلِّ شرٍّ مهرَبك ، فقد توكل الله عز وجل لأهلها بالنجاة مما يحذرون ، والرزق من حيث لا يحتسبون .
وقال شعبة كنتُ إذا أردتُ الخروجَ ، قلتُ للحكم ألك حاجةٌ ، فقال أوصيك بما أوصى به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم معاذَ بنَ جبل اتَّقِ الله حيثُما كُنتَ ، وأتْبِعِ السَّيِّئة الحَسَنة تَمحُها ، وخَالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ
ولمَّا حضرته الوفاةُ ، وعهد إلى عمر ، دعاه ، فوصَّاهُ بوصيةٍ ، وأوَّلُ ما قالَ له اتَّقِ الله يا عمر
وكتب عُمَرُ إلى ابنه عبد الله أما بعدُ، فإني أُوصيك بتقوى الله عز وجل فإنَّه من اتقاه وقاه، ومَنْ أقرضه جزاه، ومَنْ شكره زاده، فاجعل التقوى نصبَ عينيك وجلاء قلبك
واستعمل عليُّ بن أبي طالب رجلاً على سَريَّة ، فقال له أُوصيك بتقوى الله الذي لابُدَّ لك من لقائه ، ولا منتهى لك دونَه ، وهو يَملِكُ الدنيا والآخرة
وكتب عُمَرُ بنُ عبد العزيز إلى رجلٍ أُوصيك بتقوى الله عز وجل التي لا يقبلُ غَيرَها ، ويَرْحَمُ أهلَها ، ويُثيبُ عليها ، فإنَّ الواعظين بها كثير ، والعاملين بها قليل ، جعلنا الله وإيَّاك من المتقين
وقال رجل ليونس بن عُبيد أوصني ، فقال أُوصيك بتقوى الله والإحسّان ، فإنَّ الله مَعَ الذين اتَّقَوا والَّذينَ هُمْ مُحسِنُون
وقال له رجل يُريدُ الحجَّ أوصني ، فقال له اتَّقِ الله ، فمن اتقى الله ، فلا وحشة عليه
وقيل لرجل من التابعين عندَ موته أوصنا ، فقال : أوصيكم بخاتمة سورةِ النحل { إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ }
عن أبي سعيد الخدري أن رجلا جاءه فقال أوصني فقال سألت عما سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبلك فقال
{ أوصيك بتقوى الله ، فإنه رأس كل شيء وعليك بالجهاد ، فإنه رهبانية الإسلام وعليك بذكر الله و تلاوة القرآن ، فإنه روحك في السماء و ذكرك في الأرض } ([1])
وعليك بالجهاد أي الزمه فإنه رهبانية الإسلام أي أن الرهبان وإن تخلوا عن الدنيا وزهدوا فيها فلا تخلي ولا زهد أفضل من بذل النفس في سبيل الله فكما أن الرهبانية أفضل عمل أولئك فالجهاد أفضل عملنا والرهبانية ما يتكلفه النصارى من أنواع المجاهدات والتبتل
وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن
عليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنه ذكر لك في السماء يعني يذكرك الملأ الأعلى بسببه بخير
ونور لك في الأرض
أي بهاء وضياء يعلو بين أهل الأرض وهذا كالمشاهد المحسوس فيمن لازم تلاوته بشرطها من الخشوع والتدبر والإخلاص.
فعلى كل ذي علم أن لا يغفل عن هذه المنة والقيام بشكرها
وعليك بطول الصمت
أي الزم السكوت إلا في خير كتلاوة وعلم وإنذار مشرف على هلاك وإصلاح بين الناس ونصيحة وغير ذلك
فإنه مطردة للشيطان أي مبعدة له عنك
أبعده ونحاه ونفاه وقال له اذهب عنا
وعون لك على أمر دينك أي ظهير ومساعد لك عليه
إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب
أي يغمسه في الظلمات فيصيره كالأموات
أي كثرة الضحك تورث قسوة القلب وهي مفضية إلى الغفلة وليس موت القلب إلا الغفلة
ويذهب بنور الوجه
أي بإشراقه وضيائه وبهائه
واعتياد الضحك شاغل عن النظر في الأمور المهمة مذهل عن الفكر في النوائب
وليس لمن أكثر منه هيبة ولا وقار ولا لمن وسم به خطر ولا مقدار
كثرة الضحك والفرح بالدنيا سم قاتل يسري إلى العروق فيخرج من القلب الخوف والحزن وذكر الموت وأهوال القيامة وهذا هو موت القلب
أحب المساكين أي الفقراء
وجالسهم فإن مجالستهم ترق القلب وتزيد في التواضع وتدفع الكبر
انظر إلى من هو تحتك
أي دونك في الأمور الدنيوية ولا تنظر إلى من هو فوقك فيها
فإنه أجدر أي أحق أن لا تزدري نعمة الله عندك
أما في الأمور الأخروية فينظر إلى من فوقه
[1] الألباني 555 في الصحيحة قلت وفاته إسناد أحمد و الحديث بمجموع الطريقين عندي حسن , و555صححه في الصحيحة المختصرة