أوصيك بتقوى الله في السر والعلن
النبي صلى الله عليه وسلم قال {ستة أيام ثم اعقل يا أبا ذر ما يقال لك بعد فلما كان اليوم السابع قال
أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته وإذا أسأت فأحسن ولا تسألن أحدا شيئا وإن سقط سوطك ولا تقبضن أمانة } ([1])
أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته
أي في باطنه وظاهره والقصد الوصية بإخلاص التقوى وتجنب الرياء فيها حتى تجعل وقاية بينك وبين كل شر
فالعبادة شطران اكتساب وهو فعل الطاعات والاجتناب وهو تجنب السيئات وهو التقوى
وشطر الاجتناب أصلح وأفضل وأشرف للعبد من الاكتساب
لأن الاجتناب حفظ القلوب عن الميل لغيره تعالى والبطون عن الفضول والألسنة عن اللغو والأعين عن النظر إلى ما لا يعني
والسببُ الموجب لخشية الله في السر أنَّ مَنْ عَلِمَ أنَّ الله يراه حيث كان ، وأنَّه مُطَّلعٌ على باطنه وظاهره ، وسرِّه وعلانيته، واستحضر ذلك في خلواته ، أوجب له ذلك تركَ المعاصي في السِّرِّ ، وإلى هذا المعنى الإشارةُ في القرآن بقوله عز وجل { وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }
كان بعضُ السَّلف يقولُ لأصحابه زهَّدنا الله وإيَّاكم في الحرام زهد مَنْ قَدَرَ عليه في الخلوة ، فَعَلِم أنَّ الله يراه ، فتركه من خشيته
فأُوصيكَ بتقوى الله الذي هو نَجِيُّكَ في سريرتك ورقيبُك في علانيتك ، فاجعلِ الله من بالك على كُلِّ حالك في ليلك ونهارك ، وخفِ الله بقدر قُربه منك ، وقُدرته عليك ، واعلم أنَّك بعينه ليس تَخرُجُ من سلطانه إلى سلطان غيره ولا من ملكه إلى مُلك غيره، فليعظم منه حَذَرُك، وليكثر منه وَجَلُكَ والسلام
وإذا أسأت فأحسن فإن الحسنات يذهبن السيئات
إذا عملتَ سيئةً ، فاعْمَلْ حسَنَةً ، فإنَّها عشرُ أمثالها ومن أحسن الحسنات قول لا إله إلاَّ الله
ولا تسألن أحدا من الخلق شيئا من الرزق
أي أرتقي إلى مقام التوكل فلا تعلق قلبك بأحد من الخلق بل بوعد الله وحسن كفايته وضمانه وأنت تعلم أنه ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها
واعلم أنه ما سأل إنسان الناس إلا لجهله بالله تعالى وضعف يقينه بل لضعف إيمانه وقلة صبره وما تعفف متعفف إلا لوفور علمه بالله وتزايد معرفته به وكثرة حيائه منه
ولا تقبض أمانة أي وديعة أو نحوها إن كنت تعجز عن حفظها فيكون عليك حرام ومكروهاً إن قدرت ولم يثق بأمانة نفسك
ولا تقض بين اثنين
لخطر أمر القضاء وحسبك في خطره خير
من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين
والخطاب لأبي ذر وكان يضعف عن ذلك كما صرح به في الحديث