الأذى وارد والإساءة واردة
{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا(20)} الفرقان
هذه الآية تدل على أن من ضمن مجلات الامتحان الرباني للناس , امتحان بعضهم ببعض و النجاح في هذا الامتحان يحتاج إلى صبر ولذلك قال الله تعالى أتتصبرون ؟ أي أتصبرون حتى تظفروا بالنجاح في الامتحان الرباني لكم
جميع صور الامتحان الرباني للناس تحتاج إلى صبر والله تبارك وتعالى يمتحن في التكاليف التي يأمرنا بها خضوعنا لأمره ونهيه , ومدى صبرنا على طاعته في فعل ما يأمرنا به وفي ما ينهانا عنه
ورد في فضل الصبر على الأذى
{المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم } المسند 5/365 الترمذي 3/319 وصححه الألباني في الصحيح 6651, ابن حجر في فتح الباري 10 / 528 عزاه لابن ماجة وحسن إسناده
الصبر في الأذى أي حبس النفس عن المجازاة على الأذى قولا أو فعلا وقد يطلق على الحلم وقول الله تعالى إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب قال بعض أهل العلم الصبر على الأذى جهاد النفس وقد جبل الله الأنفس على التألم بما يفعل بها ويقال فيها
عندما نتحدث عن موضوع الأذى فأن الحديث يكون مع الأخ التائب العائد إلى الله لأن تعرضه للأذى يكون من باب الابتلاء ويؤجر عليه إذا صبر
أما القائم على المعصية فما يعانيه من الآخرين ليس إيذاء يؤجر على الصبر عليه بل هو عقوبة من أعمالكم سلط عليكم لأنه منكب على المعصية
إنما مجال الأجر على الإيذاء لمن ترك المعصية لله وتاب منها ثم عاني من عواقبها
{عائشة رضي الله قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على بن عبد يا ليل بن عبد كلال (كان من أكابر أهل الطائف من ثقيف) فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب (هو ميقات أهل نجد ويقال له قرن المنازل أيضاً ) فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا} البخاري 3231 , مسلم 1795 12/365
تعرض الرسول لأذى يشبهونه بالنساء
عن عبد الرحمن بن حسنة قال :
{خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم في يده الدرقة (الترس ) فوضعها ثم جلس فبال إليها فقال بعضهم أنظروا إليه يبول كما تبول المرأة فسمعه النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ويحك ما علمت ما أصاب صاحب بني إسرائيل , كانوا إذا أصابهم البول قرضوه بالمقارض فنهاهم , فعذب في قبره } ابن ماجة 346 وا حبان 3127 وصححه الألباني في الترغيب 154
الرسول صلى الله عليه و سلم كلمهما خشية عليهما من الهلاك أي ذكرهما بعواقب ما تحدثا به أنه يؤدي إلى عذاب القبر
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
{كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء} البخاري 3149
قصة يتعرض فيها النبي صلى الله عليه وسلم للطعن في عدالته
{قال عبد الله قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسمة كبعض ما كان يقسم فقال رجل من الأنصار والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله قلت أما لأقولن للنبي صلى الله عليه وسلم فأتيته وهو في أصحابه فساررته فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وتغير وجهه حتى وددت أني لم أكن أخبرته ثم قال قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر} البخاري 6100
فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحم الله موسى
أنت أيضا عندما يأتيك أولادك يخبرونك بما يعانون من شدة ما يسمعونه من الأولاد معهم في المدرسة وتحرض الأولاد بعضهم بعضا لعدم اللعب معهم لأن أبوهم سكير
نعم هذا أذى وأنت تائب وصادق مع الله في توبتك لكن صبر نفسك وقول لقد أوذي رسول الله أكبر من ذلك وصبر وليس له ذنب أما ما أتعضه أنا فمن كسبي
{بعث علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة، فقسمها بين الأربعة: الأقرع بن حابس الحنظل ثم المجاشعي ، وعيينة بن بدر الفزاري ، وزيد الطائي ثم أحد بني نبهان ، وعلقمة بن علاثة العامري أحد بني كلاب . فغضبت قريش والأنصار قالوا : يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا . قال : إنما أتألفهم. فأقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناتىء الجبين كث اللحية محلوق فقال : اتق الله يا محمد، فقال : من يطع الله إذا عصيت ؟ أيأمنني الله على . أهل الأرض ولا تأمنوني ؟ فسأله رجل قتله -أحسبه خالد بن الوليد - فمنعه ، فلما ولى قال ؟ إن من ضئضيء هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد} البخاري 3344
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :{ بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما - إذ أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال : يا رسول الله اعدل . فقال : ويلك ، ومن يعدل إذا لم أعدل ، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل. فقال عمر: يا رسول الله ، ائذن لي فيه فاضرب عنقه ، فقال : دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، تنظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء ، ثم . ينظر إلى نضيه - وهو قدحه - فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء ، قد سبق الفرث والدم ، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس . قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه ، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به ، حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته} البخاري 3610
عن أبي سعيد الخدري يقول: {بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل، من ترايها، قال : فقسمها بين - أربعة نفر: بين عيينة بن بدر وأقرع بن حابس وزيد الخيل ، والرابع إما علقمة وإما عامر بن الطفيل ، فقال رجل من أصحابه : كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء قال : فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ألا تأمنوني ، وأنا أمين من في السماء ، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء قال : فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار فقال : يا رسول الله اتق الله قال : ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله ؟قال : ثم ولى الرجل قال خالد بن الوليد : يا رسول ألا ألا أضرب عنقه ؟ قال : لا، لعله أن يكون يصلي فقال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لم أؤمر أن أنقب قلوب الناس ، ولا أشق بطونهم قال : ثم نظر إليه وهو مقف فقال : إنة يخرج من ضئضء هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الذين كما يمرق السهم من الرمية } البخاري 4351
( تنبيه ) : هذه القصة غير القصة المتقدمة في غزوة حنين ، ووهم من خلطها بها .
"فقام رجل غائر العينين" داخلتان في محاجرهما لاصقتين بقعر الحدقة
ناتئ الجبين أي أنه يرتفع على ما حوله.
وكانت طريقة الخوارج حلق جميع رؤوسهم.
قوله: "أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله" وفي رواية سعيد بن مسروق "فقال ومن يطع الله إذا عصيته" وهذا الرجل هو ذو الخويصرة التميمي
"فقال خالد بن الوليد" في رواية فقال عمر ولا تنافيه هذه الرواية لاحتمال أن يكون كل منهما سأل في ذلك.
قوله: "ألا أضرب عنقه ؟ قال : لا ، لعله أن يكون يصلي
إنما أمرت أن آخذ بظواهر أمورهم
إنما منع قتله وإن كان قد استوجب القتل لئلا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه ولا سيما من صلى ، كما تقدم نظيره في قصة عبد الله بن أبي.
يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفهم من الرجل الطعن في النبوة ، وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة ، وليس ذلك كبيرة ، والأنبياء معصومون من الكبائر بالإجماع
اعدل يا محمد فخاطبه في الملإ بذلك حتى استأذنوه في قتله ،فالصواب
"يخرج من ضئضء" هذا أو من عقب هذا.
قوله: "يتلون كتاب الله رطبا" وفي رواية يقرأون القرآن.
قوله: "لا يجاوز حناجرهم"
إن المراد أنهم يخرجون من طاعة الإمام كما يخرج السهم من الرمية ، وهذه صفة الخوارج الذين كانوا لا يطيعون الخلفاء
(طريق أخرى) ـ قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج , سمعت إسرائيل بن يونس عن الوليد بن أبي هشام مولى الهمداني عن زيد بن زائدة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مال فقسمه, قال: فمررت برجلين وأحدهما يقول لصاحبه والله ما أراد محمد بقسمته وجه الله ولا الدار الاخرة, قال: فتثبت حتى سمعت ما قالا ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنك قلت لنا لا يبلغني أحد عن أصحابي شيئاً وإني مررت بفلان وفلان وهما يقولان كذا وكذا, فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وشق عليه ثم قال دعنا منك لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر".
شق على النبي صلى الله عليه وسلم نسبتهم له إلى الجور في القسمة
لكنه حلم عن القائل فصبر لما علم من جزيل ثواب الصابرين وأن الله تعالى يأجره بغير حساب والصابر أعظم أجرا من المنفق لأن حسنته مضاعفة إلى سبعمائة والحسنة في الأصل بعشر أمثالها إلا من شاء الله أن يزيده والصبر نصف الإيمان
{ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله أنهم يشركون به ويرزقهم }
قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسما أنها قسمة غنائم حنين
لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم ناسا في القسمة أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة بن حصين مائة من الإبل وأعطى ناسا من أشراف العرب
فقال رجل من الأنصار والله أنها لقسمة ما أريد بها وجه الله
فشق ذلك على رسول الله وتغير وجهه
ثم قال قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر
أن أهل الفضل قد يغضبهم ما يقال فيهم مما ليس فيهم ومع ذلك فيتلقون ذلك بالصبر والحلم كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم اقتداء بموسى عليه السلام وأشار بقوله قد أوذي موسى إلى قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى قد حكى في صفة إذا هم له ثلاث قصص إحداها قولهم هو آدر ثانيها في قصة موت هارون ثالثها في قصته مع قارون حيث أمر البغي أن تزعم أن موسى راودها حتى كان ذلك سبب هلاك قارون
{عن شريك بن شهاب قال كنت أتمنى أن ألقى رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أسأله عن الخوارج فلقيت أبا برزة في يوم عيد في نفر من أصحابه فقلت له هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الخوارج فقال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني ورأيته بعيني أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال فقسمه فأعطى من عن يمينه ومن عن شماله ولم يعط من وراءه شيئا فقام رجل من ورائه فقال يا محمد ما عدلت في القسمة رجل أسود مطموم الشعر عليه ثوبان أبيضان فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا وقال والله لا تجدون بعدي رجلا هو أعدل مني ثم قال يخرج في آخر الزمان قوم كأن هذا منهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية سيماهم التحليق لا يزالون يخرجون حتى يخرج أخرهم مع المسيح الدجال فإذا لقيتموهم فاقتلوهم هم شر الخلق والخليقة } النسائي 7/ 119 4103 , أبو داود في سننه 4860المسند 1/396-ح3759 ، 4/422-ح19798.
يعيبونه بأبشع الأمراض التي تشمئز منها النفوس
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ (إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً، لا يرى من جلده شيء استحياءً منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستر، إلا من عيب بجلده: إما برص وإما أدرة، وإما آفة، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوماً وحده، فوضع ثيابه على الحجر، ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله، وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر، فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر، ضرباً بعصاه، فوالله إن بالحجر لندباً من أثر ضربه، ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، فذلك قوله : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا(69) }الأحزاب } البخاري 3404
أن الأنبياء في خلقهم وخلقهم على غاية الكمال وأن من نسب نبيا من الأنبياء إلى نقص في خلقته فقد آذاه ويخشى على فاعله الكفر وفيه معجزة ظاهرة لموسى عليه السلام
وفيه ما كان في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الصبر على الجهال واحتمال أذاهم وجعل الله تعالى العاقبة لهم على من آذاهم
أذى أخر لموسى يتهموه بقتل أخاه
{عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم في قوله: "فبرأه الله مما قالوا" قال: صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون عليه السلام فقال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام أنت قتلته كان ألين لنا منك وأشد حياء فآذوه من ذلك فأمر الله الملائكة فحملته فمروا به على مجالس بني إسرائيل فتكلمت بموته }{ رفع لهم جسد هارون وهو ميت فخاطبهم بأنه مات}ابن حجر في الفتح 6/ 505 قال رواه أحمد بن منيع في مسنده بإسناد حسن ، ابن كثير 3/528 عزاه لأبن أبي حاتم
أي أذى أعظم من إن قوم يتهمون نبيهم بالقتل وقتل من ؟ قتل أخوه , وليس هناك في البشرية أحد نفع أخوه مثل ما نفع موسى أحوه
موسى من وجاهته العظيمة عند الله أنه شفع في أخيه هارون أن يرسله الله معه فأجاب الله سؤاله فقال {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا(53)} مريم
موسى عندما قال الله له {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(24)} طه
قال{َاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي(29)هَارُونَ أَخِي(30)اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي(31)وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي(32)} طه
فقال الله تعالى له{ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى(36)} طه
أذى أخر لموسى يتهمونه بالزنى
{ عن ابن عباس قال: كان موسى يقول لبني إسرائيل إن الله يأمركم بكذا حتى دخل عليهم في أموالهم فشق ذلك على قارون فقال لبني إسرائيل : إن موسى يقول : من زنى رجم ، فتعالوا نجعل لبغي شيئاً حتى تقول إن موسى فعل بها فيرجم فنستريح منه، ففعلوا ذلك، فلما خطبهم موسى قالوا له: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا. فقالوا: فقد زنيت، فأرسلوا إلى المرأة فلما جاءت عظم عليها موسى، وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل إلا صدقت، فأقرت بالحق، فخر موسى ساجداً يبكي، فأوحى الله إليه: إني أمرت الأرض أن تطيعك فأمرها بما شئت، فأمرها فخسفت بقارون ومن معه} ابن حجر في الفتح 6/517 صحح إسناده من رواية ابن أبي حاتم
نبي يتعرض لأذى يتعرض للضرب من قومه ويسيل دمه
قال عبد الله :
{كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)}البخاري 3477
يحتمل أن يكون هو نوح عليه السلام
أن قوم نوح كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون
فكأن ذلك كان في ابتداء الأمر، ثم لما يئس منهم ( عندما علم من الله أنه لا يؤمن غير الذي آمن ) قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا
ابن حجر 6/601 قال ذكر ابن إسحق في المبتدأ وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسير الشعراء
فأنت عندما تتعرض للأذى والاستهزاء بما بلغت إليه من صلاح الحال والالتزام الطاعة ليحبطوك ويرضونك على عقبك لتكون مثلهم فتذكر ما جرى لنوح وادعي الله أن يكفيك شرهم أن يهديهم فأن لم يكفوا وكانوا صناديد كأمثال أبو جهل ابن هشام فادعي الله أن يخلص الناس من شرورهم
{كان جريج رجلا عابدا فاتخذ صومعة فكان فيها فأتته أمه وهو يصلى فقالت يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان من الغد أتته وهو يصلى فقالت يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت يا جريج فقال أي رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فقالت اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته وكانت امرأة بغى يتمثل بحسنها فقالت إن شئتم لأفتننه لكم قال فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت هو من جريج فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه فقال ما شأنكم قالوا زنيت بهذه البغي فولدت منك فقال أين الصبي فجاؤوا به فقال دعوني حتى أصلى فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال يا غلام من أبوك قال فلان الراعي , فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا نبني لك صومعتك من ذهب قال لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا } مسلم 2550 , البخاري 3436
فتح الباري 6 /554
وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج
كان رجل في بني إسرائيل تاجرا وكان ينقص مرة ويزيد أخرى فقال ما في هذه التجارة خير لألتمسن تجارة هي خير من هذه فبنى صومعة وترهب فيها وكان يقال له جريج
وكانت أمه تأتيه فتناديه فيشرف عليها فيكلمها فأتته يوما وهو في صلاته
فنادته قالت أي جريج أشرف علي أكلمك أنا أمك
فقال أجيبها أو أصلي
أمي وصلاتي أي اجتمع علي إجابة أمي وإتمام صلاتي فوفقني لافضلهما
جاءته ثلاث مرات تناديه في كل مرة ثلاث مرات
أمي وصلاتي لربي أوثر صلاتي على أمي ذكره ثلاثا
وكل ذلك قاله في نفسه
لو كان جريج عالما لعلم أن إجابة أمه أولى من صلاته
فقالت اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات
فغضبت فقالت اللهم لا يموتن جريج حتى ينظر في وجوه المومسات
فتعرضت له امرأة فكلمته فأبى فأتت راعيا فأمكنته من نفسها
فذكر بنو إسرائيل عبادة جريج فقالت بغى منهم إن شئتم لأفتنته قالوا قد شئنا فأتته فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأمكنت نفسها من راع كان يؤوي غنمه إلى أصل صومعة جريج
قيل أنها كانت بنت ملك القرية
خرجت من دار أبيها بغير علم أهلها متنكرة وكانت تعمل الفساد إلى أن ادعت أنها تستطيع أن تفتن جريحا فاحتالت بأن خرجت في صورة راعية ليمكنها أن تأوي إلى ظل صومعته لتتوصل بذلك إلى فتنته
فحملت حتى انقضت أيامها فولدت
فسئلت ممن هذا فقالت
فأخذت وكان من زنى منهم قتل فقيل لها ممن هذا قالت هو من صاحب الصومعة
جريج الراهب نزل إلي فأصابني
فذهبوا إلى الملك فأخبروه قال أدركوه فأتوني به
فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه
فأقبلوا بفئوسهم إلى الدير فنادوه فلم يكلمهم فأقبلوا يهدمون ديره
فما شعر حتى سمع بالفئوس في أصل صومعته فجعل يسألهم
فلم يجيبوه
وضربوه فقال ما شأنكم قالوا انك زنيت بهذه
فقال له الملك ويحك يا جريج كنا نراك خير الناس فأحبلت هذه اذهبوا به فاصلبوه فجعلوا يضربونه ويقولون مراء تخادع الناس بعملك
فتولوا عنه فصلى ركعتين
ثم أتى الغلام فقال من أبوك يا غلام فقال الراعي
فطعنه بإصبعه فقال بالله يا غلام من أبوك فقال أنا بن الراعي
فأتى بالمرأة والصبي وفمه في ثديها فقال له جريج يا غلام من أبوك فنزع الغلام فاه من الثدي
فلما أدخل على ملكهم قال جريج أين الصبي الذي ولدته فأتى به فقال من أبوك قال فلان سمي أباه
قال للمرأة أين أصبتك قالت تحت شجرة فأتى تلك الشجرة فقال يا شجرة أسألك بالذي خلقك من زنى بهذه المرأة فقال كل غصن منها راعي الغنم
ويجمع بين ما ذكر بأنه مسح رأس الصبي ووضع إصبعه على بطن أمه وطعنه بإصبعه وضربه بطرف العصا التي كانت معه
فوثبوا إلى جريج فجعلوا يقبلونه وزاد الأعرج في روايته فأبرأ الله جريجا وأعظم الناس أمر جريج
فقالوا نبني ما هدمنا من ديرك بالذهب والفضة قال لا ولكن أعيدوه كما كان ففعلوا
فقال له الملك نبنيها من ذهب قال لا قال من فضة قال لا إلا من طين زاد في رواية أبي سلمة فردوها فرجع في صومعته فقالوا له بالله مم ضحكت فقال ما ضحكت إلا من دعوة دعتها على أمي
وفي الحديث إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع لأن الإستمرار فيها نافلة وإجابة الأم وبرها واجب
أنها كانت تشتاق إليه فتزوره وتقتنع برؤيته وتكليمه
لو كان جريج فقيها لعلم أن إجابة أمه أولى من عبادة ربه
أم جريج مع غضبها منه لم تدع عليه إلا بما دعت به خاصة
صاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن وفيه قوة يقين جريج وصحة رجائه لأنه استنطق المولود مع كون العادة أنه لا ينطق ولولا صحة رجائه بنطقه ما استنطقه
الله يجعل لأوليائه بعد ابتلائهم مخارج وإنما يتأخر ذلك عن بعضهم في بعض الأوقات تهذيبا وزيادة لهم في الثواب وفيه اثبات كرامات الأولياء ووقوع الكرامة لهم باختيارهم وطلبهم
بني إسرائيل كان من شرعهم أن المرأة تصدق فيما تدعيه على الرجال من الوطء ويلحق به الولد وأنه لا ينفعه جحد ذلك إلا بحجة تدفع قولها
المفزع في الأمور المهمة إلى الله يكون بالتوجه إليه في الصلاة
وصدق الله نسبته بما خرق له من العادة في نطق المولود بشهادته له بذلك وقوله أبي فلان الراعي