سلوكنا مع البلاء
الرضا نجاح العبد في اختباره بالبلاء والتسخط فشل العبد في التعامل مع بلائه
قال النبي صلى الله عليه وسلم ’’ إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ‘‘ ( [2] )
فالصبر على المكاره من علامات الانتباه ، فمن صبر على مكروه يصيبه ولم يجزع أورثه الله تعالى حال الرضا وهو أجل الأحوال ، ومن جزع من المصيبات وشكا وكله الله تعالى إلى نفسه ثم لم تنفعه شكواه
وكلما قويت المعرفة بالمبتلي هان عليه البلاء ومنهم من ينظر إلى أجر البلاء فيهون عليه البلاء وأعلى من ذلك درجة من يرى أن هذا تصرف المالك في ملكة فيسلم ولا يعترض وأرفع منه من شغلته المحبة عن طلب رفع البلاء وأنهى المراتب من يتلذذ به لأنه عن اختياره نشأ والله أعلم
البلاء أسرع بمن يحب رسول الله أكثر من غيره
’’يا رسول الله إني لأحبك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن البلايا أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه‘‘[3]
البلاء بالمؤمن حتى يأتيه الموت
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الريح تصرعها مرة وتعدلها أخرى حتى تهيج ‘‘ ( [4] ) وفي رواية ’’ حتى يأتيه أجله ومثل الكافر كمثل الأرزة المجدبة على أصلها لا يصيبها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة ‘‘ ( [5] )
الخامة هي الغصنة اللينة أو الغصنة الرطبة من النبات لم يشتد بعد تفيئها الريح تُميلها وترميها من جانب إلى جانب وتقيمها تارة أخرى بمعنى أن العبد يصيبه من أنواع المشقة من الخوف والجوع والمرض وغيره حتى يأتيه أجله
المرض والصبر عليه موعظة للمؤمن أي تنبيها له فيتوب ويتقي فيما يستقبل من الزمان
إذا مرض المؤمن ثم عوفي تنبه وعلم أن مرضه كان مسببا عن الذنوب الماضية فيندم ولا يقدم على ما مضى فيكون كفارة لها
وإن المنافق وفي معناه الفاسق المصر إذا مرض ثم عوفي كان في غفلته كأن أهله قيدوه ثم أطلقوه فلم يعلم لأي سبب قيدوه ولم يدر لم أطلقوه فالمنافق لا يتعظ ولا يتوب ولا يفيد مرضه لا فيما مضى ولا فيما يستقبل
والمؤمن بإلمامه بمضمون ما ذكر في أنواع البلاء ومجالاته وأراد أن يسلك مسلك اغتنام ما وراء البلاء عندها يجد بلائه كالدواء له يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته، أو نقصت ثوابه، وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء ويستعد به لتمام الأجر، وعلو المنزلة، ومعلوم أن وجود هذا خير للمؤمن من عدمه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يقضى الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له».
فهذا الابتلاء والامتحان من تمام نصره وعزه وعافيته، ولهذا كان أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأقرب إليهم فالأقرب، يبتلى المرء حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة شدد عليه البلاء، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشى على وجه الأرض وليس عليه خطيئة.
[3] ابن حبان 2911
[4] مسلم
[5] مسلم