ويشمل
العمل على دفع الإدمان بالإيمان
أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي كان يدمن الخمر وكان يجلد عليها , و قد حده عمر بن الخطاب في الخمر سبع مرات , فلما أكثر عليهم سجنوه وأوثقوه
وقيل دخل أبو محجن على عمر فظنه قد شرب فقال استنكهوه ([121]) فقال أبو محجن هذا التجسس الذي نهيت عنه فتركه
وكان قد هوى امرأة من الأنصار يقال لها شموس , فحاول النظر إليها فلم يقدر , فآجر نفسه من بناء يبني بيتا بجانب منزلها , فأشرف عليها من كوة , فأنشد ولقد نظرت إلى الشموس ودونها حرج من الرحمن غير قليل , فاستعدى زوجها عمر , فنفاه وبعث معه رجلا يقال له أبو جهراء البصري كان أبو بكر يستعين به فأمر أبا جهراء البصري ورجلا آخر أن يحملاه في البحر
رأى أبو جهراء من أبي محجن سيف فهرب منهما وأتى العراق أيام القادسية , فكتب أبو جهراء إلى عمر بهروب أبو محجن , فكتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص يأمره بسجنه , ولما كان يوم القادسية وسعد يتخلل الصفوف ويعظهم ويوصيهم أي الامراء , وكان في الليل قد طاف على العسكر فرأى أبا محجن الثقفي يشرب الخمر فقال له يا عدو نفسه لقد محوت أجر جهادك وعبادتك , والله لآخذن منك حق الله, وجلده الحد وقيده في القصر , وكان بسعد جراحة فاستعمل على الخيل خالد بن عرفطة وصعد سعد فوق البيت لينظر ما يصنع الناس في المعركة , فلما رأى أبو محجن قتال الفرس للمسلمين قال لامرأة سعد وهي بنت خصفة واسمها سلمى يا سلمى يا بنت آل خصفة هل لك إلى خير , قالت وما ذاك , قال تخلين عني وتعيرينني البلقاء , فلله علي إن سلمني الله , أن أرجع إليك حتى أضع رجلي في قيدي , وإن قتلت استرحتم مني , فقالت وما أنا وذاك , فرجع يرسف في قيوده يقول
كفى حزنا أن تردي الخيل بالقنا وأترك مشدودا علي وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد وأغلقت مصاريع دوني , قد تصم المناديا
وقد كنت ذا مال كثير وإخوة فقد تركوني واحدا , لا أخا ليا
ولله عهد لا أخيس بعهده لئن فرجت ألا أزور الحوانيا
فقالت سلمى إني استخرت الله ورضيت بعهدك فأطلقته , ووثب على فرس لسعد يقال لها البلقاء , ثم أخذ الرمح وانطلق حتى أتى الناس , فقاتل قتالا عظيما , وكان يكبر ويلعب بين الصفين برمحه وسلاحه , فجعل لا يحمل في ناحية إلا هزمهم الله فلا يقف بين يديه أحد , وكان يقصف قصفا منكرا , فعجب الناس منه وهم لا يعرفونه فجعل الناس يقولون هذا ملك , ظنوه ملكا من الملائكة , وسعد ينظر وهو مشرف على الناس من فوق القصر , فجعل يقول والله لولا محبس أبي محجن , وأني تركته في القيد لظننتها بعض شمائله , ولقلت هذا أبو محجن وهذه البلقاء
فلما هزم العدو رجع أبو محجن حتى وضع رجله في القيد , فأخبرت بنت خصفة سعدا الذي كان من أمره , فقال لا والله لا أحد اليوم رجلا أبلى الله المسلمين على يديه ما أبلاهم , فخلى سبيله
وقال له سعد لا أجلدك في الخمر أبدا , فقال أبو محجن وأنا والله لا أشربها أبدا , قد كنت آنف أن أدعها من أجل جلدكم , لقد كنت أشربها , إذ كان يقام علي الحد أطهر منها , فأما إذا بهرجتني , فو الله لا أشربها أبدا , فلم يشربها بعد
فوفقه الله أن تاب توبة نصوحا فلم يعد إليها إلى أن مات بأذربيجان وقيل بجرجان ([122])
قال أبو محجن في تركه شرب الخمر
رأيت الخمر صالحة وفيها مناقب تهلك الرجل الحليما
فلا والله لا اشربها حياتي ولا أشفي بها أبدا سقيما
هذه توبته بعد أن كان وقت تعاطيه من حبه للخمر , كان ينشد فيها ما أخبر به عبد الملك بن مروان لعبيد بن أبي محجن عندما دخل عليه , فقال أبوك الذي يقول
إذا مُتُّ فٱدِفنّي إلى جَنْب كَرْمةٍ تروّي عظامِي بعد موتي عُروقُها
ولا تَدْفِنَنِّي بالفَلاَة فإنّني أخاف إذا ما مِتُّ أنْ لا أذُوقُها
ليروى بخمر الحص ([123]) لحدي فإنني أسير لها من بعد ما قد أُسقها
وبعد هذه القصة يتبين للمدمن من شعر أبو محجن مدى كان عشقه للخمر, ومع ذلك كان أشجع من بطولته قرار توبته , والاستمرار عليها حتى الممات , وفي إخباره كيف كان مخدوع في الخمر وهو يظن أنها صالحة , وهي تهلك الرجال , لينظر المدمن في قصته هذه وفي حاله ومدى الإهانة التي تعرض لها بسبب المخدرات من إقامة حد بجلد وحبس بل إن أبو محجن في جهالة الخمر وفي تغريبه كان أهون من تغريب مدمن اليوم لأنه بين أظهر أهله وناسه ويشعر بنفورهم منه
فعلى المدمن أن يقتاد بمثل قصة أبو محجن هذه كيف كان الشرب يضيع فروسيته وكان سيحرمه من جلب النصر لدينه وأمته , فإن في المدمنين ما عنده مواهب عظيمة في مجالات كثيرة تفيد الأمة والدين , وتجعل له كيان عظيم , لكن التعاطي يهينه ويخفي هذه المواهب , فلا بد للمدمن أن لا تقل شجاعته عن أبي محجن ويسطر ختاماً لقصته في الإدمان بتوبة نصوحة يتبعها بعمل صالح حتى الممات
فإن واقع حال التائبين من الإدمان ممن صلحت أحوالهم يبرهن على أن علاج الإدمان لا يكون إلا في امتثال أمر الرحمن , فإن من يجعل إيمانه يدفع إدمانه قبل أي غاية أخرى هذا هو الذي يُحصِّل العلاج الذي هو بمعنى الشفاء بالفعل, لأن غايته في ترك التعاطي ليس المقصود منها مجرد التوقف عن التعاطي, بقدر شعوره أنه لا بد له من ترك المعصية لله, فإقلاعه عن المعصية لله, وندمه على أنه تجرأ على معصية الله, وعزمه على عدم العودة لمعصية الله, كل هذا سعياً منه في استرضاء الله, فإن الله تعالى يقبل توبته ويثيبه على ذلك بالثبات, ولا يخشى عليه انتكاسة مادام يجتهد في صلاح نفسه لله, فإن قلت همته وضعفت نفسه, فإن الله ينتشله بسرعة ويرده رداً جميلاً , بخلاف الذي لا يترك المخدرات لله ولكن لمجرد التوقف لأي غاية أخرى مهما كانت معناها, نعم توقفه أفضل من الاستمرار في التعاطي لكن ليس له أجر على توقفه, بل يخشى عليه خطر المراوغات, والدخول في بديل الزنا واللواط, التي ترده مرة أخرى للمخدرات, فإن هذا الذي دل عليه واقع حال المنتكسين, ممن لا يريد أن يقوي الوازع الديني لديه
وحتى لا يقع المرء نفسه في هذا الحال عليه امتثال أمر الرحمن في وقاية وعلاج نفسه من الإدمان, ليحي إيمانه فيدفع به إدمانه مبتدأ بتوبة يترك بها المخدرات وكل السيئات والمنكرات, لتكون انطلاقة لتحريك مشاعره نحو صلاح نفسه بترك ما يغضب الله, فهذه التوبة هي البداية الفعلية في علاج النفس من المخدرات ثم يتبعها مرحلة تقوية الإيمان للصمود والثبات على طاعة رب العباد وهذه في مضمون الرسالة القادمة بمشيئة الله وهو محور أخر غير حلول المشاكل الناتجة عن التعاطي فإنها ستحل بمشيئة الله وسرعة حلها على قدر صدق العبد في توبته وإخلاصه لربه ومن أراد أن يكتسب مهارات في حل مشاكله فإن هناك رسائل في حل المشاكل التي يعاني منها التائب من الإدمان مؤلفة على النحو التالي
رسائل تعين في التعامل مع ضغوط النفس
1- علاج العصيان بطلب الغفران
تبين كيفية التخلص من المعاصي
2- علاج الشوق عند المدمنين
تعين التائب في التغلب على منازعة نفسه للتعاطي
3- علاج السلوك والمخاوف عند المدمنين
فيها حل مشكلة الخوف من مواجهة المدمن للمجتمع , والتخلص من السلوكيات الإدمانية
4- علاج الكذب بتحري الصدق
تعين التائبين على التخلص مما سببه التعاطي لهم , من سلوكيات غير طيبة, حيث كانوا أكثر عرضة للكذب من غيرهم
5- علاج الغضب
تعين التائب على التعامل مع انفعالاته والتغلب عليها
6- علاج نفسك في معرفة اليوم الآخر
فيها معرفة ما يدور في اليوم الآخر منذ النفخ في الصور وحتى الاستقرار في الجنة أو النار مما يعين المرء على صلاح النفس وكسب أخرته
7- علاج الحاسد والمحسود والعائن والمعيون
تعين المرء من التخلص من داء الحسد وحفظ نفسه من حسد الآخرين وكذا حفظه للآخرين من أصابتهم بعينه وكذا حماية نفسه من أعين الآخرين
رسائل تعين في التعامل مع الضغوط الخارجية
8- علاج أصدقاء السوء بالصحبة الطيبة
فيها التخلص من أكبر عواقب صلاح المرء وهو صديق السوء
9- علاج الزوج بحسن العشرة
تحتوي على جزء موجه للزوج وآخر للزوجة يعين كل واحد منهما على إيجاد الحياة الزوجية السعيدة لنفسه وزوجه
تشمل على معرفة كيفية كسب المسلم رضا والديه
11- علاج القطيعة بصلة الأرحام
تزرع المودة والمحبة بين المرء وأقربائه التي يبلغ بها الجنة
وهذه الكتب التي عزوت عليها من تأليفي أيضاً وتنفع من وقع في الإدمان ومن لا يعرف عن الإدمان شيء فهي سلسلة علاجات شرعية للسلوكيات وذلك من خلال حمل النفس على الآداب الشرعية والانقياد لرب البرية اسأل الله أن ينفع بهم وأن يأجر كل من أعان على نشرهم