علاج البلاء بموت عزيز في الرضا بقضاء الله والابتعاد عن سخطه
من خلال معرفة إن لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده بمقدار
نجاح العبد في الابتلاء بموت عزيز عليه يكون مع صبره بالرضا بقضاء الله والحذر من سخطه لينال الأجور المذكورة
من هذه الأمور التي ينبغي لمن أبتلى بموت عزيز له علاوة على صبره من الحذر من الجزع , والحذر من الحداد أكثر مما حدده الشرع , والحذر من النياحة , والكف عن البكاء المصحوب بالأصوات , والحذر من لطم الخد وخمش الوجه وشق الثياب وكل ما فيه إظهار الحسرة على النحو الأتي :
1- الحذر من أطالة الحداد عما حدده الشرع
حداد المرأة أربعة أشهر وعشرة على زوجها وثلاث أيام فقط لغيره
الإحداد هو امتناع المرأة المتوفى عنها زوجها من الزينة كلها من لباس وطيب وغيرهما وكل ما كان من دواعي الجماع وأباح الشارع للمرأة أن تحد على غير زوجها ثلاثة أيام لما يغلب من لوعة الحزن وهجوم ألم الوجد , عن زينب بنت أبي سلمة قالت’’ دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها ثم قالت والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا قالت زينب ،، ( [1] )
قال صلى الله عليه وسلم’’ اثنتان في الناس هما بهم كفر , الطعن في النسب والنياحة على الميت ،، ( [2] ) فغلظت الشريعة أمر النياحة حتى اعتبرت النوح من الكفر لما يؤل بصاحبه إلى الاعتراض على قدر الله , علاوة على ما يسببه من أذي للميت الذي يعلم بحال ناسه وجزعهم ولم يبث فيهم الرضا بقضاء الله وقدره مما جعلهم يسلكوا مسلك التسخط والجزع والنوح عند المصائب , أما الذي نهى ناسه من صياح البكاء بصوت عليه فلا يضره شيء كما نهى عمر رضي الله عنه أبنته ’’لما طعن عولت عليه حفصة فقال لها عمر يا حفصة أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن المعول عليه يعذب قالت بلى،، ( [3] )
ولما بين صلى الله عليه وسلم أن ’’ الميت يعذب في قبره بما نيح عليه ،، ( [4] ) وبين صلى الله عليه وسلم أن ’’ من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة ،، ( [5] ) وبين صلى الله عليه وسلم’’ ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول واجبلاه واسيداه أو نحو ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه هكذا كنت ؟! ، ( [6] ) وبين صلى الله عليه وسلم’’ إن الميت ليعذب ببكاء الحي إذا قالت واعضداه وامانعاه واناصراه واكاسياه جبذ الميت فقيل أناصرها أنت ؟! أكاسيها أنت ؟! ،، ( [7] ) وبين أيضاً صلى الله عليه وسلم أن النائحة ينتظرها عذاب مخيف
3- تحذير النائحة من عذاب يوم القيامة
النائحة تسلك بنوحها مسلك متعدي الضرر فهي تضر بالميت الذي أحزنها فراقه فتتسبب له بعذاب في قبره وعذاب يوم القيامة وتجلب لنفسها عذاب مخيف في الآخرة , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم’’ النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب ،، ( [8] ) وقال صلى الله عليه وسلم’’النياحة من أمر الجاهلية وإن النائحة إذا ماتت ولم تتب قطع الله لها ثيابا من قطران ودرعا من لهب النار ،، ( [9] )
ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ’’ رن إبليس رنة اجتمعت إليه جنوده فقال ايأسوا أن تردوا أمة محمد على الشرك بعد يومكم هذا ولكن افتنوهم في دينهم وأفشوا فيهم النوح ،، ( [10] )
4- الكف عن البكاء على الأموات يمنع الشياطين
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت ’’لما مات أبو سلمة قلت غريب وفي أرض غربة لأبكينه بكاء يتحدث عنه فكنت قد تهيأت للبكاء عليه إذ أقبلت امرأة تريد أن تساعدني فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتريدين أن تدخلي الشيطان بيتا أخرجه الله منه فكففت عن البكاء فلم أبك ،، ( [11] )
فالمرء عندما يمتحن بالمصائب عليه زجر النفس عن الخروج إلى ما لا يرضي الله جلا وعلا بخلاف البكاء المباح والحزن الجائز فقد رخص فيه
حزن القلب ودمع العين من الرحمة أما بكاء النياحة فهو حرام
’’لما توفي ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم , بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له المعزي إما أبو بكر وإما عمر أنت أحق من عظم الله حقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب‘‘([12])
ويقول أنس عن موت إبراهيم بن رسول الله وهو صبي صغير ابن ثماني عشر شهراً ’’دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي فضمه إليه وقال ما شاء الله أن يقول ‘‘ وإبراهيم يجود بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله فقال يا بن عوف إنها الرحمة ثم أتبعها بأخرى فقال صلى الله عليه وسلم إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا والله إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون‘‘( [13] )
ولما أرسلت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم إليه تدعوه أن صبيا لها في الموت وأقسمت ليأتينها قام النبي صلى الله عليه وسلم وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل يقول أسامة بن زيد ’’ وانطلقت معهم فرفع الصبي إلى جده النبي صلى الله عليه وسلم ونفسه تقعقع كأنها في شنة ففاضت عيناه فقال له سعد ما هذا يا رسول الله قال هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء‘‘[14]
ولما ’’اشتكى سعد بن عبادة وأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال قد قضى قالوا لا يا رسول الله فبكى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا فقال ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم‘‘ ( [15])
5- الحذر من لطم الخد وخمش الوجه وشق الجيب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم’’ ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية،، ( [16] ) وعن أبي بردة قال وجع أبو موسى الأشعري رضي الله عنه ورأسه في حجر امرأة من أهله فأقبلت تصيح برنة فلم يستطع أن يرد عليها شيئا فلما أفاق قال أنا بريء ممن برىء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم برىء من الصالقة والحالقة والشاقة ،، ( [17] ) وقال’’ أبرأ إليكم كما برىء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من حلق ولا خرق ولا صلق , الصالقة التي ترفع صوتها بالندب والنياحة , والحالقة التي تحلق رأسها عند المصيبة والشاقة التي تشق ثوبها ،، ( [18] ) وقال صلى الله عليه وسلم’’ صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة ،، ( [19] )
وهذه الأمور من الأوليات التي ينبغي نهي النساء عنها فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبث ذلك في النساء التي تدخل الإسلام عند مبايعتهن له , فعن امرأة من المبايعات قالت ’’كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعروف الذي أخذ علينا أن لا نخمش وجها ولا ندعو ويلا ولا نشق جيبا ولا ننشر شعرا ،، ( [20] ) لأن هذه الأفعال تجلب لصاحبها الطرد من رحمة الله , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم’’لعن الخامشة وجهها والشاقة جيبها والداعية بالويل والثبور،،( [21] )
وبالتالي يفشل المرء في اختباره ببلائه وتتولد عنده ضغوط نفسية لا حصر لها وليس لها علاج لا دوائي ولا غيره إلا بالتوبة والرجوع إلى الله والعمل بالعلاجات الشرعية ليبتعد عن هذه الأمور التي قبحتها الشريعة فيحفظ نفسه من السخط والجزع ويكون قد رضي بقدر الله واستسلم لقضائه لينجح في اختباره على بلائه وينال بالصبر الأجور العظيمة
[1] البخاري 1279 , 1280 , 1281, مسلم
[2] مسلم
[3] مسلم 6/470 عول عليه بكى عليه بصوت
[4] البخاري , مسلم 6/460
[5]البخاري , مسلم
[6] , الترمذي , ابن ماجة حسنه الألباني لغيره في الترغيب 3523 , اللهز هو الدفع بجميع اليد في الصدر
[7] الحاكم وصححه , حسنه الألباني لغيره في الترغيب 3522
[8] مسلم 6/475
[9] ابن ماجة صححه الألباني لغيره في الترغيب 3525 , القطران قال ابن عباس هو النحاس المذاب وقال الحسن هو قطران الإبل وقيل غير ذلك
[10] المسند , حسنه الألباني في الترغيب 3526
[11] مسلم
[13] البخاري 1303 , يجود بنفسه أي تخرج روحه
[14] مسلم 6/464
[15] البخاري 1304 , مسلم 6/465
[16] البخاري 1294
[17] البخاري , مسلم
[18] ابن ماجة , صححه الألباني في الترغيب 3534
[19] البزار , حسنه الألباني في الترغيب 3527
[20] أبو داوود , صححه الألباني في الترغيب 3535
[21] ابن ماجة , صححه الألباني في الترغيب 3536