2- طاعة العبد لوالديه هي طاعة لله ومعصيته لوالديه هي معصية لله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{طاعة الله طاعة الوالد ومعصية الله معصية الوالد}[45]
طاعة العبد[46] لوالديه يجب أن تكون بالصورة التي ترضيهما وليست الطاعة كما يرى هو , طاعة فيما يحب وما لا يحب فلا طاعة فيه , لا بد من طاعة يحدث بها رضاهما فكم من مدمن هو يحب والديه ويقدم لهما كل شيء , نفقة , خدمة , يحضر لوالده خادم يوفر له سائق ليذهب به للمسجد , ولا يدخل على والديه ولا يخرج إلا أخذ يقبل يديهما وهذه كلها أعمال طيبة , لكنه حرمهما من السعادة , من الراحة النفسية باستمراره في الإدمان وهما يطلبان منه ترك المخدرات وهو مصر على إدمانه الذي يجعل الأم وهي تضع خدها على الوسادة وبدلاً من أن تسعد بابنها كغيرها من الأمهات , تفكر في تعاستها التي سببها لها أبنها بالإدمان والذي جعل إخوانها وأخواتها لا يصلونها حتى الجيران والمعارف انقطعوا عنها لأن عندها مدمن وهم يخافون على أبنائهم
هل عندما تشعر الأم بهذا أو الأب يكون هناك رضا على هذا الابن ؟
أم يكون له منهما السخط وعدم الرضا عليه[47] وهما يطلبان منه مرارا أن يترك المخدرات وهو مصر على التعاطي
كم من الناس الذين يندفعون في جحود وعصيان يسيئ المرء منهم إلى والديه بلا أدنى شفقة أو رحمة أو إحسان , يقول أبي قاسي عليّ جداً من صغري يضربني ضرباً شديد , أبي دائماً يضرب أمي ويهينها أمامنا جميعاً , أبي طلق أمي وتركنا متشردين , أبي متزوج أربعة وأولاده كثيرون وهو مبتعد عنهم , أبي تزوج غير أمي وأهتم بزوجته الجديدة وأولادها وترك أمي وإخواني من غير مراعاة ولا ينفق علينا , أبي سفر أخي يدرس في الخارج وتركني أنا هنا في الدكاكين , أبي اشترى سيارة لأخي وأنا لا , أبي زوج أخي وأنا لا , كل هذه الأمور لا يكذب فيها فقد تحدث من الآباء ونعم هذه مشاكل عندما يتحدث فيها مع طبيب نفسي أو أخصائي نفسي أو اجتماعي , لكن هذا لا ينفعه عندما يقف بين يدي رب العالمين شيء واحد ينفعه وهو ما قدمه لأبوه لأن الله تعالى لم يخلقه ليكافئ أبوه على معاملته له إن أحسن إليه يحسن إليه وإن أساء إليه يسيء إليه
الله تعالى أمر أن يعامله بالإحسان أن يبره بأرقى أنواع المعاملات التي ينبغي أن تكون للآخرين بالإحسان وليس بالتكافؤ لذا عندما يقف بين يدي رب العالمين يسأل عما قدم لأبوه من حسن المعاملة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{رضا الله في رضا الوالد }[48]
أما مسألة ظلمه إن كان هناك ظلم من أب فإن الله تعالى هو الذي سوف يحاسبه
فينبغي على العبد عندما يجد من أبيه مظلمة , يسأل الله له العفو والمغفرة { رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} الإسراء
وأن يرق قلبه عليه ولا يعقه وإن طلب منه أكثر من ذلك كطلاق زوجته فهذا هو إسماعيل عليه السلام بعدما ماتت أمه هاجر وجاءه أبيه إبراهيم يزوره
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{جاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت خرج يبتغي لنا ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بشر نحن في ضيق وشدة فشكت إليه قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا فقال هل جاءكم من أحد قالت نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة قال فهل أوصاك بشيء قالت نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام عتبة بابك قال ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك فطلقها وتزوج بغيرها }[49]
وهذا ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم على ابن عمر
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال{كان تحتي امرأة أحبها وكان عمر يكرهها فقال لي طلقها فأبيت فأتى عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقها} وفي رواية { يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك }[50]
عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رجلا أتاه فقال إن لي امرأة وإن أمي
تأمرني بطلاقها [51] فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
{ الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه}[52]
وفي لفظ أن رجلا أتى أبا الدرداء فقال إن أبي لم يزل بي حتى زوجني وإنه الآن يأمرني بطلاقها قال ما أنا بالذي آمرك أن تعق والديك ولا بالذي آمرك أن تطلق امرأتك غير أنك إن شئت حدثتك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول {الوالد أوسط أبواب الجنة فحافظ على ذلك الباب إن شئت أو دع }[53]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{ َلاَ تَعُقَّنَّ والداك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك } [54]
{ أطع والداك وإن أمراك أن تتخلى من أهلك ودنياك فتخله }[55]
{لا تعص والداك وإن أمراك أن تخرج من الدنيا كلها فخرج }[56]
{أطع والداك وإن أمراك أن تخرج من مالك ومن كل شيء هو لك }[57]
وهذا حكم لنبي صلى الله عليه وسلم
{جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, إن أبي أخذ مالي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: فأتني بأبيك فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك إذا جاءك الشيخ فاسأله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه فلما جاء الشيخ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال ابنك يشكوك أتريد أن تأخذ ماله ؟ فقال: سله يا رسول الله, هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إيه, دعنا من هذا أخبرني عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك ؟ فقال الشيخ: والله يا رسول الله , مازال الله عز وجل يزيدنا بك يقينا , لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي. قال: قل وأنا أسمع قال قلت:
غدوتك مولوداً ومنتك يافعاً , تعل بما أجني عليك وتنهل , إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا ساهراً أتململ , كأني أنا المطروق دونك بالذي , طرقت به دوني فعيناي تهمل , تخاف الردى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت وقت مؤجل , فما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنت أؤمل جعلت جزائي غلطة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل , تراه معداً للخلاف كأنه برد على أهل الصواب موكل , فحينئذ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بتلابيب ابنه وقال أنت ومالك لأبيك}[58]
وفي رواية {أنت ومالك لوالدك أن أطيب ما أكلتم من كسبكم وأن أموال أولادكم من كسبكم فكلوه هنيئاً}[59]
فالعبد يصبر نفسه بهذا ويتمثل بإسماعيل عليه السلام الذي قال له أبوه
إبراهيم عليه السلام {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِين(102)} الصافات
فهل هناك شيء أصعب على النفس من الذبح ومن من ؟ من أبيه والعبد عليه أن يبذل كل جهده في كسب رضا والديه ودعواتهما له ويحذر من غضبهما
[45] حسنه الألباني لغيره في الترغيب 2501 , الطبراني في الأوسط كنز العمال 45479
[46] بطاعة العبد لوالديه تفتح له أبواب الجنة وبمعصيته لوالديه تتفتح عليه أبواب جهنم
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من أصبح مطيعاً في والديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة وإن كان واحداً فواحداً ومن أمسى عاصياً لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من النار وإن كان واحداً فواحداً قال رجل : وإن ظلماه ؟ ، قال : وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه }
الألباني ضعفه في ضعيف الجامع 5427 , ابن عساكر
[47] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من أمسى وأصبح مرضياً لوالديه أمسى وأصبح له بابان مفتوحان من الجنة وإن كان واحداً فواحداً ومن أمسى وأصبح مسخطاً لله في لوالديه أمسى أصبح له بابان مفتوحان من النار وإن كان واحداً فواحداً قال رجل : وإن ظلماه ؟ ، قال : وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه}
الألباني ضعفه في ضعيف الجامع 5427 , الأدب المفرد 1/16 , كنز العمال 45539
[48] ابن حبان 430 الحاكم 4/152 وصححه ووافقه الذهبي , حسنه الألباني لغيره في الترغيب 2502
[49] البخاري 3364
[50] الترمذي 1189وصححه , أبو داود 5138 , ابن ماجه 2088 , ابن حبان 426 , حسنه الألباني في صحيح الترغيب 2487
[51] مسألة طلاق الزوجة بأمر الأب لأهل العلم فيها أقوال منها كلام الحنبلة إن أمره أبوه بطلاق امرأته لم يجب ، ذكره أكثر أصحاب الإمام أحمد ، وقد سأل رجل الإمام أحمد فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق امرأتي. قال: لا تطلقها ، قال: أليس عمر أمر ابنه عبد الله أن يطلق امرأته ؟ قال: حتى يكون أبوك مثل عمر
[52] الترمذي 1900 وصححه , , ابن ماجه 2089, 3663 , صححه الألباني في صحيح الترغيب 2486
[53] ابن حبان 426 , صححه الألباني في صحيح الترغيب 2486 , قوله فاضع من الإ ضاعة
[54] أحمد 5/238 , حسنه الألباني في الترغيب 567
[55] المجمع 1/105 رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمرو بن واقد قال الصوري كان صدوقاً , حسنه الألباني في الأدب المفرد 14 , 18
[56] حسنه الألباني لغيره في الترغيب 568 , الطبراني في الكبير
[57] الطبراني في الكبير 24/190, حسنه الألباني في الترغيب 566
[58] أبو داوود 3530 , الطبراني 2/28 , صححه الألباني في إرواء الغليل 1625 والمشكاة 3354
[59] المسند2/204 , صحح إسناده أحمد شاكر 66778 , صححه الألباني في المشكاة 3354