علاج الشوق عند المدمنين
معرفة أن الإنسان مأجور على شوقه
المحور الثاني بمعرفة أن الإنسان مأجور على شوقه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بينها } وفيه {من هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة }[1]
فكل ما تحدث به النفس وما يدور في الخاطر من معصية وآثام فإن الإنسان مأجور عليه يكتب له حسنات إذا حقق الآتي
1- إن لم يحول الأفكار إلى عمل ابتغاء وجه الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى
{وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة} [12]
{وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من جراي}[13] أي من اجلي أي
تركه لعمل المعصية خوفاً من الله وليس خوفاً من المخلوقين
من يترك المعصية خوف من المخلوقين فهذا لم يتركها لله , كمن تشوق للهيروين ثم أتى البياع ووجد عنده الشرطة ( مداهمه ) فرجع خوفاً أن يقبض عليه , فالذي جعله يترك معصية التعاطي الخوف من المخلوقين وليس الخوف من الله
وكمن هم بالسرقة وذهب يسرق فتعسر عليه فتح الباب أو سمع
أصوات في داخل البيت فرجع فقد منعه من عمل المعصية الخوف من المخلوقين وليس الخوف من الله
فهذا يعاقب على تركها بهذه النية لأن تقديم خوف المخلوقين على خوف الله محرم
تركه لعمل المعصية لله وليس القدر الذي حال بينه وبين عملها
كأن يهم بالزنا ثم يُركب فاسقة معه في السيارة ليزني بها فتنقلب السيارة دون الوقوع في الزنا , نعم لم يأتوا بالمعصية ولكن ليس تركه لله ولكن حال القدر بينهما وبين المعصية
فلا بد أن يكون تركه للمعصية لله وليس قد حال بينه وبين حرصه على الفعل مانع
تركه لعمل المعصية لله وليس من فتور همته
فينبغي أن يكون كارهاً للمعصية غير مستأنس بها ولا محباً لها ولا مبهور بها ولا يكون ممن يسعى في حصول المعصية بجهده ثم عجز عنها فإن هذا يعتبر عمل
2- إن كان شوقه في نفسه لا يتحدث به فإن الكلام من العمل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{إن الله يتجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل}[14]
{إن الله يتجاوز لأمتي ما وسوسة به صدورها , ما لم تعمل به أو تتكلم}[15]
فالله تعالى تجاوز وعفا عن الأفكار والهواجس التي تطرأ على النفس فيحدث الإنسان بها نفسه وتمر على خاطره . ذلك أن الخواطر النفسية والهواجس القلبية ليست من عمل الإنسان وإرادته , وإنما هي أمور ترد وتخطر على قلبه بدون قصد وتعمد لها , فلهذا عفا الله عنها وتجاوز لعباده عنها , فلا تلحقهم تبعاتها
فصاحب الشوق على ما سبق مأجور بمراودة هذه الأفكار وتشوقه إليها وتركه العمل بها لله
فإن هجوم الأفكار مما لا طاقة للعبد بمنعه ولهذا لا مؤاخذة عليه به
عن بن عباس قال لما نزلت هذه الآية { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ(284)} البقرة دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم قبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله تعالى { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ }
قالوا {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا (286)} البقرة
قال قد فعلت , قالوا { وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا (286)} البقرة قال قد فعلت , قالوا { رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ (286)} البقرة قال قد فعلت }[16]
فبينت الآية أن ما لا طاقة لهم به لا مؤاخذة لهم به
وكذلك من شرع في معصية ولما تمكن منها تركها لله فإن تركه في هذه الحالة عظيم كما في قصة الثلاثة أصحاب الغار , الرجل الذي ترك المعصية لله بالرغم من أنه قد تمكن من ابنة عمه لكن عندما قالت له لا أحل لك الخاتم إلا بحقه قال في نفسه إلى هذا الحد تخافين الله وأنا أيضاً أخاف الله وتركها ولم يأتي بالمعصية لله
{ بينما ثلاثة نفر يتمشون أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله فادعوا الله تعالى بها لعل الله يفرجها عنكم فقال أحدهم اللهم أنه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء وطلبت إليها فامتنعت منى حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار فلما وقعت بين رجليها قالت يا عبد الله اتق الله لا تفتح الخاتم إلا بحقه فقمت عنها فإن كنت تعلم أنى فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة ففرج لهم}[17]
فكان تركه للمعصية هذا من أعظم القرب التي توسل بها لله لحدوث
الفرج وقبل الله هذا التوسل
فإن الذي يثاب على ترك المعصية هو الذي يقصد بتركها رضا الله
فالأعمال لا ينظر إليها الله إلا من خلال النيات وبحسب هذه النيات يجري الحساب والجزاء على الأعمال عند الله
[12] البخاري 6491
[13] مسلم 128
[14] المسند 2/293 , أبو داوود 2209 , صححه الألباني في إرواء الغليل2062
[15] البخاري 2528, 5265 , 6664 , النسائي 3434
[16] تحفة الأحوذي 3177 , صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2992
[17] البخاري 3465