رمضان والقرآن والهداية
يقول تعالىيقول تعالى
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى
مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} سورة البقرة
{ شَهْرُ رَمَضَانَ }
هو الشهر التاسع من شهور السنة القمرية ، ولفظ الشهر مأخوذ من الشهرة فسمي الشهر شهراً لشهرة أمره
ورمضان اسم لهذا الشهر الذي فرض علينا صيامه ، وهو مأخوذ من رمض الصائم إذا حر جوفه من شدة العطش والرمضاء شدة الحر والعرب لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها ، فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر فسمى بذلك وإنما سمى رمضان لأنه يرمض الذنوب ، أي يحرقها بالأعمال الصالحة
وشهرَ الصيام مدحه الله تعالى من بين سائر الشهور، فهذه آية فضله حيث اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم فيه وهو الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء ([1])
{أُنزِلَ فِيهِ القرآن }
القرآن هو كلام الله المعجز المنزل على محمد المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته .
سمي القرآن قرآنا لأنه يجمع السور والآي والحروف وجمع فيه القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد.
وفي معنى إنزال القرآن في شهر رمضان وجهان :
الأول : أنه أنزل القرآن في شهر رمضان جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا ([2]) في ليلة القدر منه { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر (1)} سورة القدر تلك الليلة المباركة { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ (3) } سورة الدخان
والثاني : أنه ابتدئ نزول القرآن من بيت العزة بالسماء الدنيا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ثم استمر نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم ما يقرب من ثلاثة وعشرين سنة نجماً بعد نجم ، أي الآية والآيتين في أوقات مختلفة بحسب الوقائع ينزل به جبريل كلما أمره الله تعالى بذلك
{ هُدًى لّلنَّاسِ }
هادياً للناس إلى ما فيه كمالهم وسعادتهم في الدارين
{ وبينات مِّنَ الهدى }
البينات جمع بينة , والهدى الإرشاد
والمراد أن القرآن نزل هادياً للناس ومبيناً لهم سبيل الهدى موضحاً لهم طريق الفوز والنجاة لأنه في الهداية الأعم الأتم الأكمل الشامل لكافة الخلق في كل شؤون الحياة
{ والفرقان }
المفرق بين الحق والباطل المخرج من الشبهات
وهذا مدح للقرآن الذي أنزله الله هدى لقلوب العباد ممن آمن به وصدقه واتبعه لما فيه من دلائل وحُجَج بينة واضحة جلية لمن فهمها وتدبَّرها دالة على صحة ما جاء به من الهدى المنافي للضلال، والرشد المخالف للغي، ومفرقًا بين الحلال والحرام ([3])
{ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }
شهد بمعنى علم أي من بلغه الإِعلان عن دخول شهر رمضان بانتهاء شعبان أو برؤية الهلال ولم يكن مريضاً ولا مسافراً فليصم الشهر مدام أنه مكلف غير مجنون ولا مغمى عليه لأن صيامه ركن من أركان الدين
ونَسَخت هذه الآية الإباحة المتقدمة لمن كان صحيحًا مقيما أن يفطر ويفدي بإطعام مسكين عن كل يوم، كما تقدم بيانه
[1]{ أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان } المسند 4/ 107 , صححه الألباني في السلسة صحيحة 1575
[2] ابن كثير في تفسيره 1 / 499 نقل عن القرطبي أنه حكى الإجماع على ذلك
[3] تفسير ابن كثير 1 / 500
[3] تفسير ابن كثير 1 /