الله تعالى العزيز الحكيم كلف وليَ الأمر بإيقاع عقوبات على الزناة لأن البشر منهم من لا ينزجر بالقرآن ولكنه ينزجر بسيف السلطان, فجعل للسلطان
قال تعالى: { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ } أي في حكم الله، أي لا يرأف بالزناة والزواني ولا رحمة بهما في شرع الله
ويقول تعالى: { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ }أمر بإقامة الحدود على من زنى، والتشديد عليه ليرتدع من يصنع مثله بذلك
فلينتبه من دخول أفكار أهل الدياثة الواردة علينا من غير المسلمين من الترحم على حاله لأنه بعيد عن زوجته أو لأن المرأة هي التي عرضت نفسها عليه دون معاكسة منه
4- إقامة الحد على الزناة علانية بحضرة المسلمين
وتنكيلاًً بالزاني والزانية أمر الله أن يكون الجلد أو الرجم علانية بحضرة الناس قال تعالى: { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ منَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } فإن ذلك يكون أبلغ في زجرهما وأنجع في ردعهما، وفي ذلك تقريعاً وتوبيخاً وفضيحة إذا كان الناس حضوراً, ليكون ذلك موعظة وعبرة ونكالاً
والناس يشاهدون الزاني وهو يرجم، بل ويعينوا في التنكيل به، فيحمل كل واحد معه أحجاراً ويرمي بها ذلك الزاني في الحفرة، وفيهم من يضرب رأسه ومنهم من يضرب عينيه التي أبصرت الحرام، ومنهم من يضرب أنفه الذي شم عطر الزانية، ومنهم من يضرب شفتيه التي قبلت شريكته، والأغلب يضربون بدنه الذي تلذذ وحضن يضربون بلا شفقة أو رحمة
إن من زنى بذات محرمه فعليه الحد ومعلوم أن المحارم كل من يحرم على الرجل الزواج منها حرمة أبدية لا يحللها شيء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ من وقع على ذات محرم فاقتلوه ‘‘( [157]) فمن أتى ذات محرم وهو يعلم فحده القتل وقال الإمام أحمد من تزوج أمه قتل, فليحذر مما يسموه بعقدة أُديب وعقدة الكتيرا
ومن تزوج امرأة أبيه قتل فعن أبو بردة بن نيار قال ’’ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه بعده وأمرني أن أقتله‘‘ ( [158]) وفي رواية ’’ أن أضرب عنقه وأصفي ماله ‘‘( [159]) وفي رواية ’’ أن آتيه برأسه ‘‘ ( [160])
فالمرء المسلم الذي يضحك عليه الشيطان ويحرك فيه شهواته ويزين له أمر محارمه هو إنسان عنده جهل بهذه الأحكام, لكن عندما يتبصر ويعلم أن من يأتي محارمه فهذا شرع الله فيه, فإنه يخاف الله لأنه مؤمن والمؤمن كما قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم’’ المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم‘‘( [161]) أما الفاجر الذي ينتهك المحارم فهو على ما يجده من هذه العقوبات التي ينالها الله منه وكان له حسنات يجعلها له هباء, فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ’’ لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله عز وجل هباء منثوراً قال ثوبان يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم قال أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ‘‘( [162])
فالفاجر الذي ينتهك محارمه له مع كل هذه العقوبات عقوبات أخرى في الآخرة كما هو آتي تفصيلها
[153] البخاري 6827, 6828
[154] هذا الحكم معنى حديث البخاري 6833
[155]أبو داود 4353, صححه الألباني في الترغيب 2389
[156]مسلم 11/192
[157] المسند 1/300 , الترمذي 1462 , ابن ماجة 2564 , الطبراني في الكبير 11/225 , البيهقي في الكبرى 8/237 , الحاكم وصححه وحسن إسناده أحمد شاكر 2727
[158] الترمذي 1362 وحسنه , ابن ماجة 2607 , الطبراني في الكبير 3/277 , البيهقي في الكبرى 3/307 , الحاكم وصححه
[159] ابن ماجة 2608 , الطبراني في الكبير 3/277 , البيهقي في الكبرى 4/296 , الحاكم وصححه , الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2608 قال حسن صحيح
[160] الترمذي 1362 وحسنه , ابن ماجة 2608 , الطبراني في الكبير22/195 , البيهقي في الكبرى 8/237 , الحاكم وصححه
[161] الترمذي 1964 , حسنه الألباني في صحيح سنن أبو داوود 4790
[162] ابن ماجة 4245 , وصحح إسناده البصيري في الزوائد , الطبراني في الأوسط 4632 , صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 4245