نزع الإيمان , يبغضه الله , لا يقبل الله له دعوة , أحلوا بأنفسهم عذاب الله , الإثم يزاد على الزنا بالجيران
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ‘‘( [134])
قال عكرمة: ’’قلت لابن عباس كيف ينزع منه الإيمان؟ قال هكذا وشبك بين أصابعه ثم أخرجها فإذا تاب عاد إليه هكذا وشبك بين أصابعه‘‘( [135])
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم’’من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع إنسان القميص من رأسه‘‘( [136])
قال ابن عباس: ’’ينزع منه نور الإيمان في الزنا‘‘( [137]) ’’وكان ابن عباس يدعو غلمانه غلاماً غلاماً فيقول ألا أزوجك ما عبد يزني إلا نزع الله منه نور الإيمان‘‘( [138]). وقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ’’ من نزع الله نور الإيمان من قلبه فإن شاء أن يرده رده‘‘( [139])
فالمؤمن لا يوقع نفسه في الزنا لأنه يخشى ألا يرد إليه نور الإيمان فيكون ذلك خسران, نعم التوبة قد تعرض عليه، فإن تاب تاب الله عليه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” من زنى خرج منه الإيمان فإن تاب تاب الله عليه ‘‘( [140]) لكن المسلم العاقل لا يتجرأ على اجتراف هذه المعصية لأنه يخشى أن تأتيه المنية قبل أن يتوب فكيف يلاقي ربه وهو على خطيئة الزنا منزوع الإيمان, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان عليه كالظلة فإذا أقلع رجع إليه الإيمان ‘‘( [141])
والحديث الأول فيه التنبيه على جميع أنواع المعاصي والتحذير منها، فنبه بالزنا على جميع الشهوات، وبالسرقة على الرغبة في الدنيا والحرص على الحرام، وبالخمر على جميع ما يصد عن الله تعالى، ويوجب الغفلة عن حقوقه ( [142])
وكل من زنى دخل في هذا الوعيد سواء كان بكراً أو محصناً وسواء كان المزني بها أجنبية أو محرما،ولا شك أنه في حق المحرم فحش ومن المتزوج أعظم
ذمت الشريعة أصحاب الزنا وزادت ذمها لمن كبر سنه ولم تغنيه نفسه عن الزنا, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’الثلاثة الذين يبغضهم الله الشيخ الزاني والفقير المختال والغني الظلوم ‘‘( [143])
سبب بغض الله للشيخ أي الكبير في السن لكمال عقله وتمام معرفته بطول ما مر عليه من الزمان وضعف أسباب الجماع والشهوة للنساء وعنده ما يريحه من دواعي الحلال في هذا ويخلي سره منه فكيف بالزنا الحرام؟ وإنما دواعي ذلك الشباب والحرارة الغريزية وقلة المعرفة وغلبة الشهوة لضعف العقل وصغر السن ( [144])
المسلم قوي بالله غني بالله سعيد بالله لأنه يعلم أن سلاحه دعائه يسأل ربه فيعطيه الله سؤله ويعلم أن الذي لا يسأل ربه يغضب الله عليه ويكله لنفسه فيهلك, أما التي تتعايش من أجر الزنا أو من تصوير أوضاع الخليعة وكذا الذي يتعايش مما يُحصِلَه من الزنا أو تصوير أفلام الخليعة وهو يعمل عشاراً, فأحدهما إن وقع في ضائقة ودعا الله فمن أين يأتيه الفرج وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم قبول دعائه فقال ’’ تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد هل من داع فيستجاب له هل من سائل فيعطى هل من مكروب فيفرج عنه فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله عز وجل له إلا زانية تسعى بفرجها أو عشاراًً ‘‘( [145])
إن انتشار الزنا يؤدي إلى انتشار اللقطاء وهذا يتبعه عذاب الله على العباد والبلاد بالزلازل والخسف كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا فإذا فشا فيهم ولد الزنا فأوشك أن يعمهم الله بعذاب‘‘( [146]) وقوله صلى الله عليه وسلم’’ إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ‘‘( [147]) وما عهد المناطق التي كان بها قرى وشواطيء للعراة ببعيد فقد زلزل الله بهم الأرض فغارت وخسفت بأصحابها ابتلعتهم وهم في غفلة ’’ عمهم الله بعقاب‘‘( [148]) وهذا العذاب من باب العقوبة على هذا الذنب, واعتبر بعذابهم من اعتبر, قال النبي صلى الله عليه وسلم ’’ ما ظهر في قوم الزنا أو الربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله ‘‘( [149])
5- الإثم يزاد على الزنا بالجيران
إن مفسدة الزنا تتضاعف بتضاعف ما ينتهكه من الحرمة، فالزنا بالمرأة التي لها زوج أعظم إثما وعقوبة من التي لا زوج لها إذ فيه انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه، وتعليق نسب غيره عليه، وغير ذلك من أنواع أذاه، فهو أعظم إثما وجرما من الزنا بغير ذات البعل. فإن كان زوجها جارا له، أضف إلى ذلك سوء الجوار, فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال ’’ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت إن ذلك لعظيم ثم أي قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قلت ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك ‘‘( [150])
لأن الزنا بالجار غالباً ما يكون برضاها، وذلك يتضمن الزنا وإفسادها على زوجها واستمالة قلبها إلى الزاني وذلك أفحش، وهو مع امرأة الجار أشد قبحاً وأعظم جرماً، لأن الجار يتوقع من جاره الذب عنه وعن حريمه، ويأمن بوائقه ويطمئن إليه، وقد أمر بإكرامه والإحسان إليه، فإذا قابل هذا كله بالزنا بامرأته وإفسادها عليه مع تمكنه منها على وجه لا يتمكن غيره منه كان في غاية من القبح( [151]) وبهذا يتبين خطورة الزنا بحليلة الجار أنه أعظم قبحا من مطلق الزنا, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ’’ ما تقولون في الزنا قالوا حرام حرمه الله عز وجل ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره ‘‘( [152]) وإن كان الجار أخا أو قريبا من أقاربه انضم إلى ذلك قطيعة الرحم فيتضاعف الإثم، فإن كان الجار غائبا تضاعف الإثم
ولا يدخل الوعيد فيما يطلق عليه اسم الزنا من اللمس المحرم وكذا التقبيل والنظر لأنها وإن سميت في عرف الشرع زنا فلا تدخل في ذلك لأنها من الصغائر
[134] البخاري 5256 , مسلم 2/230
[135] البخاري 6809
[136] الحاكم 1/ 22 وصححه ووافقه الذهبي , صححه محققوا الترغيب 3528
[137] البخاري معلقاً كتاب الحدود باب الزنا وشرب الخمر
[138] ابن حجر في الفتح
[139] تحفة الأحوذي عزاه للطبري , وقال له شاهد من حديث أبي هريرة عند أبي داود
[140] الطبراني في الكبير 7224 , ابن حجر جود إسناده في الفتح 12/61 , وفي الآصابة 3/349 , , حسنه الألباني في صحيح الجامع 6274
[141] أبو داوود 4690, الترمذي 2627, البيهقي في الشعب 5366 , صححه الألباني في الترغيب 2394
[142] قاله النووي
[143] ابن خزيمة 2456 ورواية أربعة يبغضهم الله عند النسائي 2575 , ابن حبان 5532 , صححه الألباني في الترغيب 2397
[144] النووي عن القاضي عياض
[145] أحمد 4/22, صححه الألباني في الترغيب 2391
[146] أحمد 6/333 , أبي يعلى 7091 , صححه الألباني في الترغيب 2400
[147] الحاكم 2/37 وصححه ووافقه الذهبي , حسنه الألباني لغيره في الترغيب 2401
[148] كنز العمال 8447 , حسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 4009
[149] أبو يعلى 4981 , حسنه ابن حجر في الفتح, حسنه الألباني في الترغيب 2402
[150] البخاري 4477 , مسلم 86
[151] النووي