الثواب على ترك الزنا في الآخرة
إن الأفضال في الآخرة التي يكرم الله بها العبد المسلم التارك للزنا تجعله يسعى بكل همته في علاج شهواته فلا يجعلها توقعه في حرام بل إذا عرضت
عليه بمغرياتها يستحضر عظمة الله عليه ويرجوا ثوابه ومن هذه الفضائل الكريمة أن يجعله الله في ظله يوم القيامة, لا يريه الله النار, ويدخله الجنة
1- يوم القيامة يظلهم الله
إن يوم القيامة يوم شديد الأهوال فالشمس تعطى حر عشر سنين وتكون قريبة من الناس وهم منصهرون منها غارقون في عرقهم ومع هذا الكرب الشديد تجد أن الذي يترك الزنى ولو كان بالجميلات اللاتي يدعون لأنفسهن مع حسبهم ونسبهم ويخشى الله فإن الله يظله بظله يوم القيامة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ‘‘( [175])
وذات المنصب هي ذات الحسب والنسب الشريف، وخص ذات المنصب والجمال لكثرة الرغبة فيها وعسر حصولها وهي جامعة للمنصب والجمال، لا سيما وهي داعية إلى نفسها طالبة لذلك قد أغنت عن مشاق التوصل إلى مراودة ونحوها، وقد دعته إلى الزنا بها فالصبر عنها لخوف الله تعالى من علاج النفس الذي هو من أكمل المراتب وأعظم الطاعات، الذي يجعل خوفه من الله تعالى يشغله عن لذات الدنيا وشهواتها, فرتب الله تعالى عليه أن يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ( [176])
فكم يكون الفرق بين حال هذا وبين حال من يسعى في الأسواق والطرقات يضايق نساء المسلمين دون أن تلتفت أو تنظر إليه إحداهن وهو يستغضب الله عليه لإيذائه النساء
إن المسلم الخير الذي يحب الخير للغير ويكف عنهم الشر يعلم أن من لا يتعمد إيقاع عينه على محارم الله يكافئه الله تعالى بأن يحفظ هذه العيون من رؤية النار, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ ثلاثة لا ترى أعينهم النار عين حرست في سبيل الله وعين بكت من خشية الله وعين كفت عن محارم الله ‘‘( [177])
الشريعة بينت أن المسلم الذي يحفظ فرجه من الوقوع في الزنا يكافئه الله بدخول الجنة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ يا شباب قريش احفظوا فروجكم لا تزنوا ألا من حفظ فرجه فله الجنة ‘‘( [178]) وفي رواية ’’ يا فتيان قريش لا تزنوا فإنه من سلم له شبابه دخل الجنة ‘‘ ( [179]) ولو لم يقدر الشباب على هذا الأمر ما كلفتهم الشريعة به ولا بادل النبي صلى الله عليه وسلم الألفاظ التي وجهها للشباب وهم مظنة ثوران الشهوات عن غيرهم فغيرهم ينبغي أن يكون حفظهم لفروجهم أولى
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ إذا صلت المرأة خمسها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة ‘‘( [180])
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه تضمنت له بالجنة ‘‘( [181])
بين الرجلين الفرج، وضمان المرء له بمعنى الوفاء بترك المعصية وأداء الحق الذي على فرجه من وضعه في الحلال وكفه عن الحرام يدخل الجنة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة ‘‘( [182])
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة اصدقوا إذا حدثتم وأوفوا إذا وعدتم وأدوا الأمانة إذا ائتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم ‘‘( [183])
وبمعرفة هذه الفضائل العظيمة التي جعلتها الشريعة لمن ترك الزنا وعمل على تحصيلها تجعل المسلم يعالج نفسه أمام شهواته فلا يضعف أمامها ويغضب الله فيحرم من هذه الفضائل
[175]البخاري 660 , مسلم 1031
[176]يرجع لكتاب المؤلف علاج نفسك في معرفة اليوم الآخر ص 27-29
[177] الطبراني في الكبير 1003 , وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب1905
[178]الحاكم 4/358 وصححه ووفقه الذهبي, حسنه الألباني في الترغيب 2410
[179] البيهقي في الشعب 5369 , حسنه الألباني في الترغيب 2410
[180]ابن حبان 4151 , حسنه الألباني لغيره في الترغيب 2411
[181]البخاري 6474 , الترمذي 2408 , المراد بما بين لحييه اللسان وبما بين رجليه الفرج
[182] الترمذي 2409 وحسنه , الألباني حسن صحيح في الترغيب 2413
[183] المسند 5/323 , الحاكم 4/358 وصححه ووافقه الذهبي , حسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب 1901