الثواب على ترك الزنا في الدنيا
إن في الابتعاد عن الزنا فضائل عظيمة جعلها الله لمن أمسك نفسه عن الوقوع في الزنا, لتكون دافعاً للمسلم الذي يرجوها من ربه في
علاج نفسه أمام الشهوات ومن هذه الفضائل أن ترك الزنا يفك الكُرب, تارك الزنا يغفر له, حصن الفرج يحفظ صاحبه عند الشدائد
المسلم الواعي يعلم أن الصدق مع الله فيه النجاة, فعندما يكاد الوقوع في معصية ثم يبتعد عنها خوفاً من الله, فإنه يعلم أن هذه الواقعة لو جعلها وسيلة يتقرب بها إلى الله لفك كربه لوجد الله عند ظنه كما فعل صاحب هذه القصة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى أواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم‘‘ فذكر الحديث إلى أن قال الآخر ’’اللهم كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه فتحرجت من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها, اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة ‘‘ ( [172]) فالعبد يعلم أن الندم والإقلاع ينفعه عند ربه، وينشأ عنده الخوف من معرفة قبح الجناية ويتكون في نفسه التصديق بالوعيد عليها، ويخشى أن يحرم التوبة، ويخشى أن يكون ممن لا يغفر له
وهذا يجعل العبد مشفق من ذنبه طالب من ربه أن يدخله فيمن يغفر له
ولهذا المعنى قام أحد الثلاثة أصحاب الغار بترك المرأة وما أعطاها من المال خوفاً من الله وكذا ما قام به الكفل صاحب القصة التالية
إن المؤمن قد يضعف أمام شهوة من غفلة, لكن عندما يتذكر فإن إيمانه يرجعه إلى الله وبهذا الرجوع يجد المغفرة كما في صاحب هذه القصة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم’’ كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت فقال ما يبكيك أأكرهتك قالت لا ولكنه عمل ما عملته قط وما حملني عليه إلا الحاجة فقال تفعلين أنت هذا وما فعلته اذهبي فهي لك وقال لا والله لا أعصي الله بعدها أبداً فمات من ليلته فأصبح مكتوباً على بابه إن الله قد غفر للكفل‘‘( [173])
3- حصن الفرج يحفظ صاحبه عند الشدائد
إن المسلم الذي يحفظ الله في أوامره ونواهيه يحفظه الله ويرضيه ولو يجعل له خوارق عادة
كما فعل لسارة زوجة إبراهيم عليه السلام التي أطاعت ربها بحفظ فرجها فحفظها الله في الشدة فلم يُمكن الجبار الذي أراد الاعتداء عليها من شرفها وعرضها فانصرف عنها وأخدمها هاجر في مقابل أن يدرء عن نفسه العذاب الذي تعرض له من دعائها
لما نزل إبراهيم عليه السلام أرض مصر وكان عليها في ذلك الوقت ملك طاغية بلغه أن مع إبراهيم امرأة من حسنها وجمالها لا ينبغي أن تكون إلا لهذا الملك فأتى بها
’’ فلما أُدخلت عليه قام إليها فأقبلت توضأ وتصلي وتقول: اللهم إن كنت تعلم إني آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجي إلاّ على زوجي، فلا تسلّط عليّ الكافر. فغط حتى ركض برجله. وقالت اللهمّ إنْ يمت يقال هي قتلته، فأرسل، ثم قام إليها، فقامت توضأ وتصلّي وتُقول اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلاّ على زوجي، فلا تسلّط عليّ الكافر فغطّ حتى ركض برجله
قالت اللهم إنْ يمت يقل هي قتلته فأرسل، فقال في الثالثة أو الرابعة ما أرسلتم إليَّ إلاَّ شيطاناً، أرجعوها إلى إبراهيم، وأعطوها هاجر فرجعت فقالت لإِبراهيم أشعرت أن الله ردّ كيد الكافرين وأُخْدَمُ وليدة ‘‘( [174])
فليقارن بين حال سارة هذا وهي أجمل نساء البشر والذي يراودها في جمالها من؟ أقوى ملوك الدنيا في ذلك الوقت. وهي تدعو الله أن يحفظها ويصون عرضها
وبين حال من أوتيت من حسن لا بئس به يراودها من له وجاهة ما في مجتمعه وهي تعلم أنه يخدعها ولا يريد إلا أن يقطف زهرتها ويمتص رحيقها ويرميها بدون عرض ولا شرف وهي في الأصل المخطئة لأنها لم تحفظ عرضها وفرطت في شرفها فأغضبت ربها, ثم تحقد على الرجال لما فعل بها, فشتان بين الحالان
[172]البخاري 3465 , مسلم 2743 , المراد بالسنة العام المقحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئا سواء نزل غيث أم لم ينزل ومراده أنه حصل لها احتياج وفاقة بسبب ذلك
[173] الترمذي 2496 وحسنه , والحاكم 4/254 وصححه ووافقه الذهبي , ضعفه الألباني في سنن الترمذي 2496
[174] المسند 2/403 قال الحافظ في الفتح تفرّد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط الصحيح , فغطّ حتى ركض برجله أي حدث له حالة مثل التي تحدث للمصروع , ثم أرسل أي ذهب غنه ما أصابه بدعائها