صبر أيوب عليه السلام
أيوب هو نبي الله بن موص بن رازح بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم([1])، وهو رجل من الروم من ولد عيصو
وكانت أمه بنت لوط عليه السلام ، وكانت زوجته التي أمر أن يضربها بالضغث رحمة بنت إفراييم بن يوسف بن يعقوب ([2])، وكان دينه التوحيد والإصلاح بين الناس، وإذا أراد حاجة سجد ثم طلبها ([3]).
كان أيوب أعبد أهل زمانه، ولم يكن في زمانه أكثر بكاء منه خوفا من الله تعالى، وكان أكثرهم مالا فقد اقتضدت مشيئة الله أعطائه النعم اختباراً من الله تعالى له فكان أيوب رجلاً كثير المال من سائر صنوفه وأنواعه, من الأنعام والعبيد والمواشي، والأراضي المتسعة بأرض البثنية من أرض حوران وهي البثنية جميعها من أعمال دمشق بما فيها, فإنها كلها كانت له.
وكان له أولاد وأهلون كثير
فوجه هذه النعم كلها لطاعة الله فكان براً تقياً رحيماً بالمساكين، فكان لا يشبع حتى يشبع الجائع، ولا يكتسي حتى يكسي العاري، يكفل الأيتام، ويكرم الضيف، ويبلغ ابن السبيل، وكان يعطي الأرامل ويكسوهم جاهدا ناصحا لله. فكان شاكراً لأنعم الله تعالى فنجح في اختبار الله له في هذه النعم, وكان إبليس قد أعياه أمر أيوب لقوته فلا يقدر عليه
ووجد الله تعالى أيوب عبداً شكوراً’’من يرد الله به خيرا يصب منه‘‘ ([4]) فشاءت إرادة الله أن يبتلي أيوب بالنقم ليثيبه على ذلك ([5])
فسلب منه النعم كلها المال والأهل والولد، وكلما سلبت منه نعمة حمد الله ورضي بما إذن به الله فلم يبق له شيء امتـحانا من الله له فنجح في هذا الإختبـار فقد أحسن الذكر والحمد لله. فقال: أحمدك ربي الذي أحسنت إلي قد أعطيتني المال والولد وكان ينشغل بهم قلبي شفقة عليهم، فأخذت ذلك كله مني ففرغ قلبي لذكرك ، فليس يحول بيني وبينك شيء ولا يعلم عدوي إبليس الذي وصفت إلا حسدني
ثم شاءت إرادة الله ابتلاء أيوب في بدنه و’’من يرد الله به خيرا أوصل إليه مصيبة ليطهره بها من الذنوب ولرفع درجته‘‘، فابتلي أيوب في جسده بأنواع من الأمراض المضجرة فلم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر الله عز وجل بهما. حتى لم يبق في جسده مغرز إبرة سليماً، ولم يبق له من الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه وهو في ذلك كله صابر محتسب، ذاكر لله عز وجل في ليله ونهاره وصباحه ومسائه.
وطال مرضه حتى عافه الجليس، وأوحش منه الأنيس، وأُخرج من بلده وألقي على مزبلة خارجها وهي كُناسة بني إسرائيل، فكانت تختلف الدواب في جسده. وكان أيوب عليه السلام أول من أصابه الجدري وخرج في جميع جسده ثآليل كأليات الغنم، ووقعت به حكة لا يملكها، فحك بأظفاره فأنتن جسمه وتقطع وتساقط لحمه حتى لم يبق إلا العظم والعصب
ولم يزد هذا كله أيوب عليه السلام إلا صبراً واحتساباً وحمداً وشكراً حتى أن المثل ليضرب بصبره عليه السلام ويضرب المثل أيضاً بما حصل له من أنواع البلايا ونجح في الاختبار في بلائه بصبره ورضاه عن الله واستسلامه لقضاء الله وقدره. وقال إبليس: ما أصبت من أيوب شيئا قط أفرح به، إلا أني كنت إذا سمعت أنينه علمت أني أوجعته.
وانقطع الناس عن أيوب، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، حفظت وده لإيمانها بالله تعالى ورسوله وتخدمه، فكانت تأتيه بالرماد تفرشه تحته([6])، وكانت تراعي له حقه، وتعرف قديم إحسانه إليها وشفقته عليها. فكانت تتردد إليه فتصلح من شأنه، وتعينه على قضاء حاجته. وتقوم بمصلحته. وضعف حالها وقل مالها حتى كانت تخدم الناس بالأجر؛ لتطعمه وتقوم بأوده، رضي الله عنها وأرضاها، وهي صابرة معه على ما حل بهما من فراق المال والولد، وما يختص بها من المصيبة بالزوج، وضيق ذات اليد وخدمة الناس، بعد السعادة والنعمة والخدمة والحرمة. فإنا لله وإنا إليه راجعون([7])
وكانت تخدم الناس بالأجر وتطعم أيوب عليه السلام. ولما كان قد مكث في بلواه سبع سنين وأشهراً فقط ([8]) وقد طال عليها ذلك فقالت: يا أيوب, لو دعوت ربك لفرج عنك، فقال: قد عشت سبعين سنة صحيحاً، فهل قليل لله أن أصبر له سبعين سنة؟ فجزعت من هذا الكلام.
ومع أن الله شرع لعباده أن يسألوه أن يرفع ما نزل بهم من ألم ووجع إلا أن أيوب لم يسأل الله رضاً بما أذن به واستسلاماً لقضائه واستحياءً من أن يسأل الله شيء غير الذي أذن به وما في ذلك من تفويض أمره لله
ثم إن الناس تركوا استخدام امرأة أيوب، خوفاً أن ينالهم من بلائه أو تعديهم بمخالطته، فلما لم تجد أحداً يستخدمها، عمدت فباعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها بطعام طيب كثير، فأتت به أيوب، فقال من أين لك هذا؟ وأنكره، فقالت: خدمت به أناساً. فلما كان الغد لم تجد أحداً فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به، فأنكره أيضاً، وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام؟ فكشفت عن رأسها خمارها
وخدمته نحواً من ثماني عشرة سنة وهو بلائه([9]) مُلقى على مزبلة البلدة هذه المدة بكمالها وكانت رضي الله عنها لا تفارقه صباحاً ولا مساء إلا بسبب خدمة الناس ثم تعود إليه قريباً
وكان نبي الله أيوب قد رفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه له؛ كانا يغدوان إليه ويروحان، فجاء يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه، فقاما من بعيد، فقال أحدهما لصاحبه: لو كان الله علم من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا وقال أحدهما الأخر لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين. قال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه ربه فيكشف ما به، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع مثله من شيء قط، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب: لا أدري ما تقول: غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما، كراهية أن يذكر الله إلا في حق.
وقال أيوب: اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعانا وأنا أعلم مكان جائع فصدقني. فصدق من السماء وهما يسمعان. ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصان قط وأنا أعلم مكان عار فصدقني. فصدق من السماء وهما يسمعان.
وكان يخرج في حاجته، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يرجع، فلما كان ذلك اليوم أبطأت عليه، وكان قد طال المطال، واشتد الحال، وانتهى القدر المقدور وتم الأجل المقدر تضرع إلى رب العالمين وإله المرسلين وخر ساجداً، فقال: اللهم بعزتك لا أرفع رأسي أبداً حتى تكشف عني، وكان قد رأى من قبل رأس امرأته محلوقاً فقال في دعائه {أَنّى مَسَّنِىَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } (الأنبياء: 83) ([10]).وكان قبل ذلك لا يدعو و{نَادَىٰ رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَـٰنُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } ([11]) نادى ربه مستغيثا به، أنـي مسنـي الشيطان ببلاء فـي جسدي، وعذاب بذهاب مالـي وولدي ،وكان الضرّ الذي أصابه والبلاء الذي نزل به، امتـحانا من الله له واختبـارا فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين ،فأوحى الله إلى أيوب في مكانه: أن {ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42)} (ص: 42) فما رفع رأسه حتى كشف عنه. قيل له اضرب الأرض برجلك، فامتثل ما أمر به. فأنبع الله له عين ماء ([12])، وأمر أن يغتسل فيها ويشرب منها،وأخبره بأن هذا الماء فيه شفاءه، ففعل ما أمر به فضرب الأرض برجله ، فنبعت له عين ماء فاغتسل منها فزال كل ما بظاهر بدنه من الضر، وشرب منها فزال كل ما بباطنه فأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى، والسقم والمرض، الذي كان في جسده ظاهراً وباطناً، وأبدله الله بعد ذلك كله صحة وتكاملت العافية ظاهرة وباطنة، وجمالاً تاماً وأمر أن يقرب عن صحابته قرباناً، وأن يستغفر لهما فإنهما قد عصو الله فيه, وقد أخبره الله أنه رد عليه أهله وماله ومثلهم معه
وألبسه الله حلة من الجنة
فتنحى أيوب وجلس في ناحية، فجاءت امرأته فتلقته تنظر فلم تعرفه، فقالت: يا عبد الله: أين ذهب هذا المبتلى الذي كان هاهنا؟ لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب، وجعلت تكلمه ساعة، وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء، وهو على أحسن ما كان، فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى؟ فو الله القدير على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً. فقال: ويحك أنا أيوب قالت: أتسخر مني يا عبد الله؟ فقال ويحك أنا أيوب إني أنا هو قد رد الله علي جسدي
وكان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض ([13])
ورد الله عليه ماله وولده بأعيانهم، ومثلهم معهم.
فعن رد ماله {لما عافى الله أيوب عليه السلام أمطر عليه جراداً من ذهب، فجعل يأخذ منه بيده ويجعل في ثوبه، فقيل له: يا أيوب أما تشبع؟ قال: يا رب ومن يشبع من رحمتك؟}([14])
قيل يا أيوب: ألم يكفك ما أعطيناك؟ قال: أي رب ومن يستغني عن فضلك
«بينما أيوب يغتسل عرياناً خر عليه رجل جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثو في ثوبه. فناداه ربه عز وجل: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك»([15])
وأخلف الله له أهله، أحياهم الله بعد أن أماتهم، ثم زاده {وَءاتَيْنَـٰهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } فكانوا مثلي ما كانوا من قبل ابتلائه ([16])، قال تعالى: {رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا } (الأنبياء: 84) ([17]) أي وهبناهم له لأجل رحمتنا إياه ورفعنا عنه شدته، وكشفنا ما به من ضر، رحمة منا به ورأفة وإحسانا على صبره وثباته وإنابته وتواضعه واستكانته ، { وَذِكْرَىٰ لاِوْلِى ٱلاْلْبَـٰبِ } ليتذكروا بحاله فيصبروا على الشدائد كما صبر،{وَذِكْرَىٰ لِلْعَـٰبِدِينَ } (الأنبياء: 84) أي تذكرة لمن ابتلي في جسده أو ماله أو ولده، فله أسوة بنبي الله أيوب؛ حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه. فهو تذكيراً للعباد؛ لأنهم إذا ذكروا بلاء أيوب وصبره عليه ومحنته وهو أفضل أهل زمانه وطنوا أنفسهم على الصبر على شدائد الدنيا نحو ما فعل أيوب، فيكون هذا تنبيهاً لهم على إدامة العبادة، واحتمال الضرر
وقد رد الله إلى زوجته شبابها وزادها حتى ولدت له ستة وعشرين ولداً ذكراً.
ورخصة من الله تعالى لعبده ورسوله أيوب عليه السلام، فيما كان من حلفه ليضربن امرأته مائة سوط. لبيعها ضفائرها ([18])،.وقد شفاه الله عز وجل وعافاه فما كان جزاء زوجته مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب لذا قال له تعالى{خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بّهِ وَلاَ تَحْنَثْ} (ص: 44) أفتاه الله أن يأخذ قبضة ملء الكفّ كحزمة صغيرة من أعواد القش أو الحشيش مختلط رطبها بيابسها ، مجموعها مائة عود ويضربها بهم ضربة واحدة خفيفة رقيقة، ويكون هذا منزلاً منزلة الضرب بمائة سوط فيخرج بذلك من يمينه ويبر ولا يحنث.وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأطاعه، ولا سيما في حق امرأته الصابرة المحتسبة، المكابدة الصديقة البارة الراشدة، رضي الله عنها.
ولهذا عقب الله الرخصة وعللها بقوله: {إِنَّا وَجَدْنَـٰهُ صَابِراً نّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } (ص: 44). فدل على كمال صبره وقد عظم له الأجر وأحسن الثناء عليه ومدحه بأنه رجاع منيب
وعاش أيوب بعد ذلك بأرض الروم سبعين سنة على دين الحنيفية، ثم مات, ولما توفي أيوب عليه السلام غيروا بعده دين إبراهيم ([19])
وكان أيوب قد أوصى إلى ولده حومل، وقام بالأمر من بعده ولده بشر بن أيوب، وهو الذي يزعم كثير من الناس أنه ذو الكفل فالله أعلم . ومات ابنه هذا وكان نبياً فيما يزعمون، وكان عمره من السنين خمساً وسبعين
وفي خاتمة قصة أيوب عليه السلام {ذِكْرَىٰ لاِوْلِى ٱلاْلْبَـٰبِ } أي لذوي العقول ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج والمخرج والراحة.
[1] فهو من ذرية إبراهيم قال تعالى {وَمِن ذُرّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَـٰنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ } (الأنعام: 84)والصحيح أن الضمير عائد على إبراهيم دون نوح عليهما السلام
[2] وقيل هي ليا ابنة يعقوب بن إسحاق والذي تبين ليَ أن ابنة يعقوب اسمها دينا وأمها هي التي اسمها ليا زوجة يعقوب
[3] في سورة النساء في قوله تعالى: {إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإْسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلاْسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ } (النساء: 163)
قال الله تعالى: { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ (83) فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ وَءاتَيْنَـٰهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَـٰبِدِينَ (84) } (الأنبياء: 83، 84) وقال تعالى في سورة ص {وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ ٱلشَّيْطَـٰنُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مّنَّا وَذِكْرَىٰ لاِوْلِى ٱلاْلْبَـٰبِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَـٰهُ صَابِراً نّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) } (ص:41، 44).
[4] مالك , البخاري , يصب منه أي يوجه إليه مصيبة ويصيبه ببلاء
[5] ووفي كيفية بلائه أخرج ابن جرير عن الحسن قال: إن أيوب آتاه الله تعالى مالا وولدا وأوسع عليه، فله من الشياه والبقر والغنم والإبل. وإن عدو الله إبليس قيل له: هل تقدر أن تفتن أيوب؟ قال: رب، إن أيوب أصبح في دنيا من مال وولد فلا يستطيع إلا شكرك، فسلطني على ماله وولده فسترى كيف يطيعني ويعصيك. فسلط على ماله وولده فكان يأتي الماشية من ماله من الغنم فيحرقها بالنيران، ثم يأتي أيوب وهو يصلي متشبها براعي الغنم فيقول: يا أيوب، تصلي لرب؟ ما ترك الله لك من ماشيتك شيئا من الغنم إلا أحرقها بالنيران. وكنت ناحية فجئت لأخبرك. فيقول أيوب: اللهم أنت أعطيت وأنت أخذت، مهما يبق شيء أحمدك على حسن بلائك. فلا يقدر منه على شيء مما يريد، ثم يأتي ماشيته من البقر فيحرقها بالنيران. ثم يأتي أيوب فيقول له ذلك، ويرد عليه أيوب مثل ذلك. وكذلك فعل بالإبل حتى ما ترك له ماشية حتى هدم البيت على ولده، فقال: يا أيوب، أرسل الله على ولدك من هدم عليهم البيوت حتى يهلكواٰ فيقول أيوب مثل ذلك. وقال: رب هذا حين أحسنت إلي الإحسان كله قد كنت قبل اليوم يشغلني حب المال بالنهار ويشغلني حب الولد بالليل شفقة عليهم، فالآن أفرغ سمعي لك وبصري وليلي ونهاري بالذكر والحمد والتقديس والتهليل. فينصرف عدو الله من عنده ولم يصب منه شيئا مما يريد.
ثم إن الله تعالى قال: كيف رأيت أيوب؟ قال إبليس: إن أيوب قد علم أنك سترد عليه ماله وولده، ولكن سلطني على جسده فإن أصابه الضر فيه أطاعني وعصاك. فسلط على جسده، فأتاه فنفخ فيه نفخة أقرح من لدن قرنه إلى قدمه، فأصابه البلاء بعد البلاء حتى حمل فوضع على مزبلة كناسة لبني إسرائيل، فلم يبق له مال ولا ولد ولا صديق ولا أحد يقربه غير رحمة صبرت عليه، تصدق عليه وتأتيه بطعام وتحمد الله معه إذا حمده، وأيوب على ذلك لا يفر من ذكر الله والتحميد والثناء على الله والصبر على ما ابتلاه الله.
فصرخ إبليس صرخة جمع فيها جنوده من أقطار الأرضين جزعا من صبر أيوب، فاجتمعوا إليه وقالوا له: اجتمعنا إليك، ما أحزنك؟ٰ ما أعياك؟ قال: أعياني هذا العبد الذي سألت ربي أن يسلطني على ماله وولده، فلم أدع له مالا ولا ولدا فلم يزدد بذلك إلا صبرا وثناء على الله تعالى وتحميدا له، ثم سلطت على جسده فتركته قرحة ملقاة على كناسة بني إسرائيل لا تقربه إلا امرأته، فقد أفتضحت بربي فاستعنت بكم لتعينوني عليه. فقالوا له: أين مكرك؟ أين علمك الذي أهلكت به من مضى؟ قال: بطل ذلك كله في أيوب، فأشيروا علي.قالوا: نشير عليك، أرأيت آدم حين أخرجته من الجنة؟ من أين أتيته؟ قال: من قبل امرأته. قالوا: فشأنك بأيوب من قبل امرأته، فإنه لا يستطيع أن يعصيها وليس أحد يقربه غيرها.
قال: أصبتم. فانطلق حتى أتى امرأته وهي تصدق، فتمثل لها في صورة رجل فقال: أين بعلك يا أمة الله؟ قالت: ها هو ذاك يحك قروحه ويتردد الدود في جسده. فلما سمعها طمع أن تكون كلمة جزع، فوضع في صدرها فوسوس إليها فذكرها ما كانت فيه من النعم والمال والدواب، وذكرها جمال أيوب وشبابه وما هو فيه من الضر، وأن ذلك لا ينقطع عنهم أبدا. فصرخت، فلما صرخت علم أن قد جزعت فأتاه بسخلة فقال: ليذبح هذا إلى أيوب ويبرأ.
فجاءت تصرخ: يا أيوب، يا أيوب.... حتى متى يعذبك ربك؟ ألا يرحمك؟ أين المال؟ أين الشباب؟ أين الولد؟ أين الصديق؟ أين لونك الحسن الذي بلي وتلدد فيه الدواب..؟ اذبح هذه السخلة واسترح.
قال: أيوب: أتاك عدو الله فنفخ فيك فوجد فيك رفقا فأجبته، ويلك أرأيت ما تبكين عليه مما تذكرين مما كنا فيه من المال والولد والصحة والشباب من أعطانيه؟قالت: الله.. قال: فكم متعنا؟قالت: ثمانين سنة. قال: فمنذ كم ابتلانا الله بهذا البلاء الذي ابتلانا به؟ قالت: سبع سنين وأشهرا.
قال: ويلك... والله ما عدلت ولا أنصفت ربك، ألا صبرت حتى نكون في هذا البلاء الذي ابتلانا ربنا ثمانين سنة كما كنا في الرخاء ثمانين سنةٰ والله لئن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة حيت أمرتني أن أذبح لغير الله. طعامك وشرابك الذي أتيتني به علي حرام أن أذوق شيئا مما تأتي به بعد إذ قلت لي هذا، فاغربي عني فلا أراك. فطردت فذهبت، فقال الشيطان: هذا قد وطن نفسه ثمانين سنة على هذا البلاء الذي هو فيه، فباء بالغلبة ورفضه. ونظر إلى أيوب قد طرد امرأته وليس عنده طعام ولا شراب ولا صديق، ومر به رجلان وهو على تلك الحال ولا والله، ما على ظهر الأرض يومئذ أكرم على الله من أيوب فقال أحد الرجلين لصاحبه: لو كان لله في هذا حاجة ما بلغ به هذا.
فلم يسمع أيوب شيئا كان أشد عليه من هذه الكلمة فقال: رب، {مَسَّنِىَ ٱلضُّرُّ }[الأنبياء:38] ثم رد ذلك إلى الله فقال: {وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرحِمِينَ }[الأعراف:151] فقيل له: {ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ}[ص:24] (ص، آية 42) فركض برجله فنبعت عين ماء فاغتسل
[6] لم يكن بأيوب الأكلة، إنما يخرج منه مثل ثدي النساء ثم يتفقأ
[7] وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله قال: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل» وقال «يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه».
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله قال: «أشد الناس بلاء أيوب حتى أن المثل ليضرب بصبره عليه السلام، ويضرب المثل أيضاً بما حصل له من أنواع البلايا.
[8] حتى فرج الله عنه وأعظم له الأجر وأحسن الثناء عليه
[9] قيل في مدة لبثه في البلاء أربعة أقوال. أحدها: ثماني عشرة سنة، رواه انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم. والثاني: سبع سنين، قاله ابن عباس، وكعب، ويحيى بن أبي كثير. والثالث: سبع سنين وأشهر، قاله الحسن. والرابع: ثلاث سنين، قاله وهب وأصح من هذا والله أعلم ثماني عشرة سنة فقد رواه ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم
[10] جاء في سبب سؤاله العافية علاوة على ماذكرناه أقوال كثيرة
أحدها: أنه اشتهى إداما، فلم تصبه امرأته حتى باعت قرناً من شعرها، فلما علم ذلك، قال: مسني الضر، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثاني: أن الله تعالى أنساه الدعاء مع كثرة ذكره الله، فلما انتهى أجل البلاء، يسر له الدعاء، فاستجاب له، رواه العوفي عن ابن عباس. والثالث: أن إبليس جاء إلى زوجته بسخلة، فقال: ليذبح أيوب هذه لي وقد برأ، فجاءت فأخبرته، فقال: إن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة، أمرتني أن أذبح لغير الله؟ٰ ثم طردها عنه، فذهبت، فلما رأى أنه لا طعام له ولا شراب ولا صديق، خر ساجدا وقال: مسني الضر، قاله الحسن. والرابع: أن الله تعالى أوحى اليه وهو في عنفوان شبابه: إني مبتليك، قال: يا رب، وأين يكون قلبي؟ قال: عندي، فصب عليه من البلاء ما سمعتم حتى إذا بلغ البلاء منتهاه، أوحى إليه أني معافيك، قال: يا رب، وأين يكون قلبي؟ قال: عندك، قال: مسني الضر، قاله إبراهيم بن شيبان.
والخامس: أن الوحي انقطع عنه أربعين يوماً، فخاف هجران ربه، فقال: مسني الضر، ذكره الماوردي.
والسادس أنه وثب ليصلي فلم يقدر على النهوض فقال: {مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ} إخباراً عن حاله، لا شكوى لبلائه؛ رواه أنس مرفوعاً. والسابع: أنه سبحانه أجراه على لسانه ليكون حجة لأهل البلاء بعده في الإفصاح بما ينزل بهم. والثامن: أنه أجراه على لسانه إلزاماً له في صفة الآدمي في الضعف عن تحمل البلاء. التاسع: أن الدود كان يتناول بدنه فصبر حتى تناولت دودة قلبه وأخرى لسانه، فقال: «مسَّنِي الضُّرُّ» لاشتغاله عن ذكر الله. قال ابن العربي: وما أحسن هذا لو كان له سند العاشر أن ضره قول إبليس لزوجه اسجدي لي فخاف ذهاب الإيمان عنها فتهلك ويبقى بغير كافل. الحادي عشر: لما ظهر به البلاء قال قومه: قد أضر بنا كونه معنا وقذره فليخرج عنا، فأخرجته امرأته إلى ظاهر البلد؛ فكانوا إذا خرجوا رأوه وتطيروا به وتشاءموا برؤيته، فقالوا: ليبعد بحيث لا نراه. فخرج إلى بعدٍ من القرية، فكانت امرأته تقوم عليه وتحمل قوته إليه. فقالوا: إنها تتناوله وتخالطنا فيعود بسببه ضره إلينا. فأرادوا قطعها عنه؛ فقال: «مَسَّنِيَ الضُّرُّ».وغير ذلك مما قيل أنه سبب سؤاله العافية , وإن قيل: أين الصبر، وهذا لفظ الشكوى؟
فالجواب: أن الشكوى الى الله لا تنافي الصبر، وإنما المذموم الشكوى إلى الخلق، ألم تسمع قول يعقوب {إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى ٱللَّهِ } [يوسف: 86] قال سفيان بن عيينه: وكذلك من شكا إلى الناس، وهو في شكواه راض بقضاء الله، لم يكن ذلك جزعاً، ألم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل في مرضه: أجدني مغموماً وأجدني مكروباً، وقوله: بل أنا وارأساه.
فإن ما صدر من أيوب دعاء وإظهار فقر وحاجة إلى ربه، ليس هذا شكاية ولا جزع. لأن الله تعالى قال{إِنَّا وَجَدْنَـٰهُ صَابِراً}، ثم إن الدعاء لا ينافي الرضا
[11]وفي موضع أخر قال: {أَنِّى مَسَّنِىَ ٱلشَّيْطَـٰنُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}والنصب معناه التعب والمشقة، والعذاب الألم
قال الشنقيطي رحمه الله في تفسيره أضواء البيان عند شرح الآية 41 من سورة ص : وفي نسبة ما أصابه من المشقة والألم إلى الشيطان في سورة «صۤ» هذه إشكال قوي معروف. لأن الله ذكر في آيات من كتابه: أن الشيطان ليس له سلطان على مثل أيوب من الأنبياء الكرام. كقوله: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَـٰنُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} ، وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَـٰنٍ} ، وقوله تعالى مقرراً له: {وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَـٰنٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى} ، وقوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ} . وللعلماء عن هذا الإشكال أجوبة. منها ما ذكره الزمخشري قال: فإن قلت: لم نسبه إلى الشيطان، ولا يجوز أن يسلطه على أنبيائه ليقضي إلى إتعابهم وتعذيبهم وطره، ولو قدر على ذلك لم يدع صالحاً إلا وقد نكبه وأهلكه، وقد تكرر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة فحسب؟ قلت: لما كانت وسوسته إليه، وطاعته له فيما وسوس سبباً فيما مسه الله به من النصب والعذاب نسبه إليه، وقد راعى الأدب في ذلك حيث لم ينسبه إلى الله في دعائه، مع أنه فاعله ولا يقدر عليه إلا هو.
وقيل: أراد ما كان يوسوس به إليه في مرضه من تعظيم ما نزل به من البلاء، ويغريه على الكراهة والجزع، فالتجأ إلى الله تعالى في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء، أو بالتوفيق في دفعه ورده بالصبر الجميل
وروي أنه كان يعوده ثلاثة من المؤمنين. فارتد أحدهم فسأل عنه، فقيل: ألقى إليه الشيطان أن الله لا يبتلي الأنبياء الصالحين. وذكر في سبب بلائه: أن رجلاً استغاثه على ظالم فلم يغثه. وقيل: كانت مواشيه في ناحية ملك كافر فداهنه ولم يغزه. وقيل. أعجب بكثرة ماله ـ انتهى منه
ومنها ما ذكره جماعة من المفسرين: أن الله سلط الشيطان على ماله وأهله ابتلاء لأيوب. فأهلك الشيطان ماله وولده، ثم سلطه على بدنه ابتلاء له فنفخ في جسده نفخة اشتعل منها، فصار في جلده ثآليل، فحكها بأظافره حتى دميت، ثم بالفخار حتى تساقط لحمه، وعصم الله قلبه ولسانه. (وغالب ذلك من الإسرائيليات) وتسليطه للابتلاء على جسده، وماله وأهله ممكن، وهو أقرب من تسليطه عليه بحمله على أن يفعل ما لا ينبغي. كمداهنة الملك المذكور، وعدم إغاثة الملهوف، إلى غير ذلك من الأشياء التي يذكرها المفسرون. وقد ذكروا هنا قصة طويلة تتضمن البلاء الذي وقع فيه، وقدر مدته (وكل ذلك من الإسرائيليات) وقد ذكرنا هنا قليلاً
وغاية ما دل عليه القرآن: أن الله ابتلى نبيه أيوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وأنه ناداه فاستجاب له وكشف عنه كل ضر، ووهبه أهله ومثلهم معهم، وأن أيوب نسب ذلك في «صۤ» إلى الشيطان. ويمكن أن يكون سلطه الله على جسده وماله وأهله. ابتلاء ليظهر صبره الجميل، وتكون له العافية الحميدة في الدنيا والآخرة، ويرجع له كل ما أصيب فيه، والعلم عند الله تعالى وهذا لا ينافي أن الشيطان لا سلطان له على مثل أيوب، لأن التسليط على الأهل والمال والجسد من جنس الأسباب التي تنشأ عنها الأعراض البشرية كالمرض، وذلك يقع للأنبياء، فإنهم يصيبهم المرض، وموت الأهل، وهلاك المال لأسباب متنوعة. ولا مانع من أن يكون جملة تلك الأسباب تسليط الشيطان على ذلك للابتلاء وقد أوضحنا جواز وقوع الأمراض والتأثيرات البشرية على الأنبياء
[12] قال الشوكاني عند شرح الآية هما عينان بأرض الشام في أرض يقال لها: الجابية،وذكره ابن جرير عن قتادة فاغتسل من إحداهما، فأذهب الله ظاهر دائه،وشرب من الأخرى فأذهب الله باطن دائه
[13] «إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من اخوانه كانا من أخص إخوانه له؛ كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين. قال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه ربه فيكشف ما به، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب: لا أدري ما تقول: غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما، كراهية أن يذكر الله إلا في حق.
وكان يخرج في حاجته، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يرجع، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه: أن {ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) } (ص: 42) فاستبطأته فتلقته تنظر، وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء، وهو على أحسن ما كان، فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى؟ فوالله القدير على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً. قال: فإني أنا هو قال: وكان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض» السلسلة الصحيحة الألباني 17 من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابن جرير، ابن حبان
[14]{لما عافى الله أيوب عليه السلام أمطر عليه جراداً من ذهب، فجعل يأخذ منه بيده ويجعل في ثوبه، قال: فقيل له: يا أيوب أما تشبع؟ قال: يا رب ومن يشبع من رحمتك؟} ابن حبان في «صحيحه» قال ابن كثير وهو على شرط الصحيح
[15] قال رسول الله : «بينما أيوب يغتسل عرياناً خر عليه رجل جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثو في ثوبه. فناداه ربه عز وجل: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك»لبخاري
[16] وقيل آجره فيمن سلف، وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة. وقال مجاهد وعكرمة قيل لأيوب صلى الله عليه وسلم: قد آتيناك أهلك في الجنة فإن شئت تركناهم لك في الجنة وإن شئت آتيناكهم في الدنيا. قال مجاهد: فتركهم الله عز وجل له في الجنة وأعطاه مثلهم في الدنيا. قال النحاس: والإسناد عنهما بذلك صحيح. وحكاه المهدوي عن ابن عباس. وقال الضحاك: قال عبد الله بن مسعود كان أهل أيوب قد ماتوا إلا امرأته فأحياهم الله عز وجل في أقل من طرف البصر، وآتاه مثلهم معهم. وعن ابن عباس أيضاً: كان بنوه قد ماتوا فأحيوا له وولد له مثلهم معهم. وقاله قتادة وكعب الأحبار والكلبي وغيرهم. قال ابن مسعود: مات أولاده وهم سبعة من الذكور وسبعة من الإناث فلما عوفي نشروا له، وولدت له امرأته سبعة بنين وسبع بنات. قال الثعلبي: وهذا القول أشبه بظاهر الآية.
[17] وفي الخبر: إن الله بعث إليه جبريل عليه السلام حين ركض برجله على الأرض ركضة فظهرت عين ماء ، وأخذ بيده ونفضه نفضة فتناثرت عنه الديدان، وغَاص في الماء غوصة فنبت لحمه وعاد إلى منزله، ورد الله عليه أهله ومثلهم معهم، ونشأت سحابة على قدر قواعد داره فأمطرت ثلاثة أيام بلياليها جراداً من ذهب. فقال له جبريل: أشبعت؟ فقال: ومن يشبع من فضل اللهٰ فأوحى الله إليه: قد أثنيت عليك بالصبر قبل وقوعك في البلاء وبعده، ولولا أني وضعت تحت كل شعرة منك صبراً ما صبرت. {رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا} أي فعلنا ذلك به رحمة من عندنا
[18] وقيل لأنه عارضها الشيطان في صورة طبيب يصف لها دواء لأيوب فأتته فأخبرته فعرف أنه الشيطان، فحلف ليضربنها مائة سوط
[19] قيل أن الله يحتج يوم القيامة بسليمان عليه السلام على الأغنياء، وبيوسف عليه السلام على الأرقاء، وبأيوب عليه السلام على أهل البلاء