الحسد طبيعة في الإنسان ولو كان من أهل الفضل
- الحسد طبيعة في الإنسان لا يسلم منها أحد والمطلوب تقويمها
الناس يذمون الحاسد ويبالغون ويقولون لا يَحْسِدُ إلا شرير يعادي نعمة الله ، ولا يرضى بقضائه ، و يبخل على أخيه المسلم
وينبغي أن يعلم مع هذا الكلام ، أن الإنسان لا يحب أن يرتفع عليه أحد ، فإذا رأى صديقه قد علا عليه تأثر هو ولم يحب أن يرتفع عليه ، وود لو لم ينل صديقه ما ينال ، أو أن ينال هو ما نال ذاك لئلا يرتفع عليه وقد لا يلام على ذلك , إنما اللوم أن يعمل بمقتضاه من قول أو فعل , ليس من ولد آدم إلا وقد خلق معه الحسد [51]
فمن لم يجاوز ذلك بقول ولا بفعل لم يتبعه شيء قال صلى الله عليه وسلم
{ثلاث لا يعجزهن ابن آدم : الطيرة ، وسوء الظن ، والحسد ، قال : فينجيك من الطيرة ألا تعمل بها ، وينجيك من سوء الظن ألا تتكلم به ، وينجيك من الحسد ألا تبкي أخاك سوءا }
وبلفظ آخر {ثلاث لا يسلم منها أحد: الطيرة والظن والحسد، قيل فما
المخرج منها يا رسول الله ؟ قال: إذا تطيرت فلا ترجع ، وإذا ظننت فلا تحقق ، وإذا حسدت فلا تبغ }[52]
{كل ابن آدم حسود ولا يضر حاسداً حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد }[53]
فالأحاديث بينت أنه ما من آدمي إلا وفيه الحسد ، فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شيء , إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد نُزِعَ الحسد من قلبه تمهيداً لرسالته
2- الحسد بالفطرة في قلب كل إنسان إلا رسول الله فقد أخرجه جبريل منه كهيئة العلقة
روي عن أبي هريرة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء فقال { يا رسول الله ، ما أول ما رأيت في أمر النبوة ؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً وقال : لقد سألت أبا هريرة إني لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر ، وإذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل أهو هو ؟ قال : نعم . فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط وأرواح لم أجدها من خلق قط ، وثياب لم أرها على أحد قط ، فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي ، وأني لأجد أحدهما يقول لصاحبه أضجعه ، فأضجعاني بلا قصر ولا هصر وقال أحدهما لصاحبه افلق صدره ، فهوى أحدهما إلى صدري ففلقها فيما أرى بلا دم ولا وجع فقال له أخرج الغل والحسد ، فأخرج شيئاً كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها . فقال له أدخل الرأفة والرحمة ، فإذا مثل الذي أخرج يشبه الفضة ، ثم هز إبهام رجلي اليمنى فقال أغدو أسلم فرجعت بها أغدو رقة على الصغير ، ورحمة للكبير }[54]
فَليُعلم أن من الأمر الموضوع في النفوس الحسد على النعم ، أو الغبطة وحب الرفعة ، فإذا رآك من يعتقدك مثلاً له وقد ارتقيت عليه فلا بد أن يتأثر وربما حسد
ويحدث هذا حتى مع أولي الفضل
3 - الحسد قد يحدث من أهل الفضل كما يحدث للضرائر وإن كانوا أموات
فهذه عائشة أم المؤمنين عندما وجدت رسول الله يثني على ضرتها خديجة بتوضيح منزلتها بالرغم من أنها ماتت قبل أن يتزوج رسول الله عائشة
قالت عائشة
{ما حسدت أحداً ما حسدت خديجة وما تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد ما ماتت وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب} [55]
فالعمل عندما يجد الإنسان في نفسه شيء على نعمة لأخيه أن يستحضر قوله صلى الله عليه وسلم
{ إياكم والحسد } أي يحذر الحسد في مال أو جاه دنيوي فإنه مذموم {فإن الحسد يأكل الحسنات} يفنى ويذهب بطاعات الحاسد
{كما تأكل النار الحطب} [56]
لأن الحسد يُفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود ونحوه فيذهب حسناته في عرض ذلك المحسود فيزيد المحسود نعمة على نعمة والحاسد حسرة على حسرة , ويُخشىَ عليه أن يكون دخل في قوله تعالى :{ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ (11) } الحج
[51] من كلام الحسن البصري
[52] مصنف عبدالرزاق 19504 ,10 / 403, شعب الايمان 117 , 2 / 62 , الألباني في السلسلة الصحيحة 3942 قال الحديث ثابت
[53] كشف الخفاء 2/529 عزاه لأبو نعيم وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير4222
[54] المسند 5/139 , المجمع 8/223 قال رواه عبد الله ورجاله ثقات وثقهم ابن حبان وللحديث شواهد في الصحيحة 1545(ولا هصر أي ثناه إلى الأرض)
[55] حسنه الترمذي 3876 , صححه الألباني في سنن الترمذي 3876 , من قصب يعني به قصب اللؤلؤ
[56] سبق تخريجه في المقدمة