الوقاية من المخدرات
للإدمان أضرار لها تأثير بالغ الخطورة على الأصول الخمس
العقل والدين والنفس والمال والعرض وهي المعروفة بالكليات الخمس والتي جاءت الشريعة بحفظها للإنسان ([64]) نبينها حتى يتضح للمتعاطي مدى خطورة تعاطيه وهو يدمر هذه الأصول
إن الله كرم الإنسان على غيره من المخلوقات بإعطائه العقل والذي
يتمكن من خلاله معرفة الله وعبادته وحده لا شريك له , وعقل الإنسان أشرف صفاته، والخمر عدو العقل لأن الخمر ينحرف بالعقل عما خلق له من قيادة صاحبه إلى الهدى والصلاح وحفظه من التردي في مهاوي الضلال والفساد، وكل ما كان عدو الأشرف فهو أخس، فيلزم أن يكون شرب الخمر أخس الأمور
الخمر تخمر العقل الذي طبعه الطاعة والانقياد والتواضع لربه, وضده الهوى وهو ظلماني نفساني ومن طبعه التمرد والمخالفة والإباء والاستكبار عن عبادة ربه كالشيطان, فإذا خمر الخمر العقل صار مغلوباً لا يهتدي إلى الحق وطريقه, ثم يغلبه ظلمة الهوى, فتكون النفس أمارة بالسوء وتستمد من الهوى, فتتبع بالهوى جميع شهواتها النفسانية ومستلذاتها, فيظفر بها الشيطان فيوقعها في مهالك المخالفات كلها ([65])
فالمرء إذا شرب زال العقل المانع عن القبائح فأرتكبها وأكثر منها ([66])
المؤمن عندما يحافظ على أركان الدين الإسلامي يجد السعادة في الدنيا والآخرة, والخمر تجعل شاربها يخل بأركان الدين خللاً قد يؤدي بتعاسته في الدنيا والآخرة
الأضرار الدينية الناجمة من المخدرات
الإدمان يضيع أركان الإسلام بغياب العقل, فالخمار والتعاطي يسبب تضييع الصلاة التي هي عمود الدين ويسبب في ترك فريضة الصيام جزئياً ثم كلياً, ويسبب في عدم الجرأة على تأدية فريضة الحج, وربما تشجع على السفر للأماكن التي فيها الفحش والأشياء المحرمة ليرتكبها
إن شرب الخمر والسرور بها يورث الطرب واللذة الجسمانية والنفس إذا استغرقت في اللذة غفلت عن ذكر الله ([67])
يقول تعالى {وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}
وهذا مشاهد في واقع حال المدمنين فتجد الكثير منهم كان قبل الإدمان محافظ على الأذكار يقوم من النوم يأتي بالأذكار وقبل أن ينام يأتي بالأذكار , ويأتي بأذكار الصباح والمساء , ويركب سيارته يذكر الله , ويدخل بيته ويخرج منه وهو يذكر الله , ولما تعود على الإدمان انشغل بالتعاطي فألهاه ذلك عن ذكر الله، فبدلاً من أن يفكر في الإتيان بالأذكار يفكر في الإتيان بالجرعة حتى يظل في السكر لا يريد أن يصحو , وكيف يأتي بأذكار قبل النوم وهو ينكب من خماره غرقاً في النوم, وبتعاطيه هذا حقق بغية الشيطان في صده عن ذكر الله
والصدّ عن ذكر الله لِما في الخمر من غيبوبَة العقل، سواء ذكر اللسان المراد به القرآن وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم الذي فيه نفعهم وإرشادهم، لأنّه يشتمل على بيان أحكام ما يحتاجون إليه وإذا انغمسوا في شرب الخمر غابوا عن مجالس الذكر ولا يتلقّوه من أفواه سامعيه فيجهلوا شيئاً كثيراً فيه ما يجب على المكلّف معرفته, فالشيء الذي يصدّ عن هذا هو مفسدة عظيمة يستحقّ أن يحرّم تعاطيه، ويصد عن الذكر القلبي أيضاً وهو تذكّر ما أمر الله به ونهَى عنه والشيء الذي يصدّ عن تذكّر أمر الله ونهيه هو ذريعة للوقوع في مخالفة الأمر وفي اقتحام النهي
ومن المشاهد أيضاً في واقع حال المدمنين تجد الكثير منهم صُدّ {عَنْ الصَّلَاةِ} تجده قبل الإدمان كان محافظاً على الصلوات في أوقاتها ومع الجماعة فإننا في هذه الديار المسلمة نجد الأباء يأخذون الأبناء معهم إلى المساجد من الصغر فينشأ المرء محب للصلاة ومحافظاً عليها في الجماعة , فإذا وقع المرء في الإدمان تجده مع الوقت ابتعد عن المسجد وصلاة الجماعة خوفاً من الفضيحة ورائحته ومع العزلة والانشغال بالتعاطي يبدأ يجمع صلوات اليوم كله ويأتي بها دفعة واحدة , ثم يتركها في الأيام التي هو فيها في خمار فيعتاد على ترك الصلاة بالأيام ثم يهون عليه بذلك تركها مُدد طويلة أسابيع وشهور ثم يؤول به الأمر إلى تركها بالكلية سنوات ويكون بذلك حقق بغية الشيطان في الصد عن الصلاة ([68]) وتضييعه للصلاة والأذكار تضييع للدين فيضيع معه الطمأنينة والسكينة والراحة النفسية
الشريعة جاءت بالمحافظة على الأموال ومن حرصها على ذلك أوضحت للمرء أنه سيسأل يوم القيامة عن ماله أين أنفقه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن شبابه فيما أبلاه وعن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه, وفيم أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه ‘‘ ([69])
وبينت أيضاً أن أموال الآخرين محترمة فنهت عن الاعتداء عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله ‘‘([70]) والتعاطي تضيع معه الأموال سواء أموال المتعاطي أو أموال غيره عندما يغتصبها أو يسرقها أو بالاحتيال على أصحابها
كانت العلة في سؤال الصحابة عن الخمر أنها مضيعة للعقل والمال([71]) , فتجد المرء قبل التعاطي صاحب تجارة تدر عليه بالأموال العظيمة وله اسمه وكيانه في السوق أو في وظيفة مرموقة يحصل منها على دخل ثابت عظيم أو عنده أموال ورثها تعيشه هو وأولاده من بعده في خير ونعمة وينفق في أبواب الخير ويعطي المحتاجين ثم يدخل دوامة التعاطي فتضيع الأموال وتخسر التجارة ويطرد من العمل ويصبح فقيراً ولا يجد أحد يعطيه , قد يجد في البداية من يعطيه ويقف معه حتى يخرج من هذه المحنة وعندما يجدوه ينفق ما يأخذه في التعاطي ينصرفون عن مساعدته فلا يجد إلا الترويج
والتعاطي يدفع إلى التعدي على أموال الآخرين, فعن علي بن أبي طالب قال ’’ أصبت شارفا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغنم يوم بدر وأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شارفا أخرى فأنختهما يوما عند باب رجل من الأنصار وأنا أريد أن أحمل عليهما إذخراً لأبيعه ومعي صائغ من بني قينقاع فأستعين به على وليمة فاطمة, وحمزة بن عبد المطلب يشرب في ذلك البيت معه قينة تغنيه فقالت ألا يا حمز للشرف النواء فثار إليهما حمزة بالسيف فجب أسنمتهما وبقر خواصرهما ثم أخذ من أكبادهما ‘‘ ([72]) السكر جعله يقطع أسنمة البعيرين ويشقهما ويأكل من كبدهما وهذان البعيران أموال لغيره فسدت ([73])
الشريعة جاءت بالمحافظة على النفوس يقول تعالى { لاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } [النساء 29]
والمخدرات مهلكة للنفس, نهاية متعاطيها تبدأ بالمصحة ثم السجن أو الموت عليها إن لم يتوب منها
معصية الشراب من خواصها أن الإنسان كلما كان اشتغاله بها أكثر، ومواظبته عليها أتم كان الميل إليها أكثر وقوة النفس عليها أقوى. بخلاف سائر المعاصي، مثل الزاني إذا فعل مرة واحدة فترت رغبته في ذلك العمل، وكلما كان فعله لذلك العمل أكثر كان فتوره أكثر ونفرته أتم، بخلاف الشرب، فإنه كلما كان إقدامه عليه أكثر، كان نشاطه أكثر، ورغبته فيه أتم. فإذا واظب الإنسان عليه صار الإنسان غرقاً في اللذات البدنية، معرضاً عن تذكر الآخرة والمعاد، حتى يصير من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ([74])
فتجد المدمن قبل تعاطيه كان صاحب نفس طيبة يحب الآخرين ويساعدهم ويسعى لإدخال السرور عليهم فلما تعاطى تغيرت نفسه وكأنه يريد أن ينتقم من الناس فيكونوا مثله وخاصة عندما تنتهي أمواله ويقوم بترغيب الآخرين في التعاطي حتى يجد من ورائهم جرعة فيفسد من يدخله دوامة المخدرات على أمه وأبيه , على زوجته وأولاده , فتخبث نفسه بتدميره للأفراد والأسر , وتزداد هذه النفس خباثة عندما يصاب بفيروس الكبدي بأنواعه أو فيروس الإيدز
الشريعة جاءت بحفظ الأعراض, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ أعراضَكم عليكم حرام‘‘( [75]) وخاصة أعراض المحارم, وذلك محافظة منها على النسل ومنعاً لاختلاط الأنساب, والتعاطي يؤدي بصاحبه إلى التعدي على محارمه
القصص التي في العرض مؤلمة جداً ومخيفة فهذا الذي بشربه الخمر وقع على ابنته وهذا الذي وقع على أخته وضاعت عنده المحارم وهذا الذي يرهن صغيرته حتى يجد جرعة وهذه الذي يُدخل الرجال على زوجته حتى يحصل على المخدر, وليس هذا بأمرٍ عظيم فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما هو أعظم من ذلك فقال ’’الخمر أم الفواحش، وأكبر الكبائر، من شربها وقع على أمه وخالته وعمته ‘‘ ([76])
فهذه بعض أخطار الإدمان على الفرد الذي بتدميره تدمير جانب كبير من حياة أسرته
فالتعاطي يضيع الأصول الخمس التي أنزل الله لحفظها للإنسان شرائع, وبدلاً من أن يصونها الإنسان يدمرها بالتعاطي مفتاح الشر, فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عن نوع مما يتعاطاه المدمنين الآن وهو الخمر الذي ينظر أصحاب التعاطي إليه على أنه أهون المخدرات التي يجمعون منها أثناء التعاطي الكثير في وقت واحد من أوقات تعاطيهم فقال صلى الله عليه وسلم ’’ اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر‘‘ ([77])
نعم التعاطي لا يأتي فقط باستحلال المحارم لكنه يجعل صاحبه يتجرأ على الشرور كلها حتى القتل , فهذه قصة فيها رجل من أهل الصلاح لم يتعاطى قبل وتعرض لشرب مرة واحد ومع الإكراه وليس له تاريخ في الإدمان وقتل النفس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ إن ملكاً من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلا فخيره بين أن يشرب الخمر أو يقتل نفساً أو يزني أو يأكل لحم خنزير أو يقتلوه , فاختار الخمر وإنه لما شرب الخمر لم يمتنع من شيء أرادوه منه ‘‘ ([78])
فالمرء عليه وقاية نفسه من خلال العمل بما علم في اجتناب الخمر حتى يتجنبها ولا يقع فيها
وأما من تجرء عليها فعليه تركها تأسياً بالصحابة عند نزول قوله تعالى {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ(91)} تهديد وترهيب عظيم للمتجرئين على تعاطيها من أبلغ ما ينهى عنه، كأنه قيل قد تلي عليكم ما فيها من أنواع الصوارف والموانع، فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون, أم أنتم على ما كنتم عليه، كأن لم توعظوا ولم تزجروا؟([79])
فالفطن يقر كما أقر الصحابة بقولهم انتهينا لما فهموه من التشديد فيما تضمنته هذه الآية من الزواجر
فعمر رضي الله عنه لما علم أن هذا وعيد شديد زائد على معنى انتهوا قال انتهينا, ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه أن ينادي في سكك المدينة, ألا إن الخمر قد حرمت, كسرت الدنان, وأريقت الخمر حتى جرت في سكاك المدينة
عن أنس بن مالك قال ’’ ما كان لنا خمر غير فضيخكم ([80]) وإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلاناً وفلاناً إذ جاء رجل فقال حرمت الخمر فقالوا أهرق هذه القلال يا أنس قال فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل‘‘ ([81])
والشريعة بينت أن ما مر معنا ليس نهاية الخطورة من التعاطي بل هي من الأضرار خلاف العواقب الأخرى في الدنيا والآخرة والتي يأتي توضيحها في المبحث الآتي