علاج المؤثرات النفسية بالإخلاص لرب البرية



كيف تزرع في قلبه الإخلاص

الإخلاصُ يمنَع العبدَ مِن معاصي الله، كلّما همَّ بسيّئة تذكَّر المقامَ بين يديِ الله، تذكَّر علمَ الله به واطِّلاعَه عليه وأنَّ اللهَ يسمَع كلامَه ويرى مكانَه ويعلَم سرَّه وعلانيتَه، وكلُّ أعمالِه يعلمُها ربّه قبل أن يعمَلَها،َ لا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ  [يونس:61].

 كلّما تذكّر العبدُ عِلمَ الله، كلّما قام بقَلبه الإيمانُ ، عند ذلك يقوَى الإخلاص ويتضاعَف اليقينُ ويزداد العبدُ خيرًا وهدى.

برامج علاجية تخصصية

انظر إلى نبيِّ الله يوسُف عليه السلام والمحن التي مرَّت به والمغرِيَات التي عرَضَت له كيف تخطَّاها وتجاوَزها رغمَ كثرتِها، ما السببُ في ذلك؟ السبَب واضحٌ، سبَبٌ واحد، إخلاصُه لله حماه من كلِّ سوء، كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24]. لمّا أخلَصَ للهِ توحيدَه صار هذا الإخلاصُ سببًا لاتِّقاء المحرَّمات والقيام بالواجب.

فالمخلصون مستقيمون على طاعتهم، المخلِصون مواصِلُون للأعمالِ الصالحة لا ينحرِفون عن أعمالِهم

إبراهيم عليه السلام وأهل بيته سواء هاجر أو إسماعيل أخلصوا لله في أعمالهم فجعلها الله مناسك يأتي بها الحجاج فكانت آثارُ إخلاصِهم أنّ أعمالَهم التي عملوها بقَيت لهم ذكرٌ في الدنيا والآخرة، وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ  [الشعراء:84].

الإخلاص يجعل الله به قوة تحرك للمرء الصخور

عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: ’’ بينما ثلاثة نفر يماشون أخذهم المطر ، فمالوا إلى غار في الجبل ، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل ، فأطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها لله صالحة ، فادعوا الله بها لعله يفرجها . فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ، ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم ، فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي ، وإنه قد نأى بي الشجر ، فما أتيت حتى أمسيت ، فوجدتهما قد ناما ، فحلبت كما كنت أحلب ، فجئت بالحلاب ، فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما ، وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ، فافرج لنا فرجة نرى منها السماء ، ففرج الله لهم حتى يرون السماء .

قال الثاني: اللهم إنه كان لي بنت عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء ، فطلبت إليها نفسها ، فأبت حتى آتيها بمائة دينار ، فلقيتها بها ، فلما قعدت بين رجليها . قالت: يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم ، فقمت عنها . اللهم فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ، فافرج لنا منها ، ففرج لهم فرجة .

وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفرق أرز ، فلما قضى عمله قال: أعطني حقي . فعرضت عليه حقه فتركه ورغب عنه ، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا وراعيها ، فجاءني فقال: اتق الله ولا تظلمني وأعطني حقي . فقلت: اذهب إلى ذلك البقر وراعيها ، فقال: اتق الله ولا تهزأ بي . فقلت: إني لا أهزأ بك فخذ ذلك البقر وراعيها ، فأخذ فانطلق بها . فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج ما بقي ففرج الله عنهم ‘‘( [1] ).

اللهم فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك هذا هو الإخلاص

يتضح من هذا الحديث أن هؤلاء الرجال المؤمنين الثلاثة حينما اشتد بهم الكرب . وضاق بهم الأمر ، ويئسوا من أن يأتيهم الفرج من كل طريق إلا طريق الله تبارك وتعالى وحده ، فلجئوا إليه ، ودعوه بإخلاص واستذكروا أعمالا لهم صالحة ، كانوا تعرفوا فيها إلى الله في أوقات الرخاء ، راجين أن يتعرف إليهم ربهم مقابلها في أوقات الشدة ، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي فيه:

 ( . . . تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ) ( 2 ) .  فتوسلوا إليه سبحانه بتلك الأعمال

كم ينفَع الإخلاصُ أهلَه، وكم ينجيهِم من المضائِق والهموم، انظر إلى الثلاثةِ الذين انطبَقَت عليهم الصخرةُ في الغار، فأصبَحوا لا يقدِرون على أن يخرُجوا، لا يُسمَع لهم صوتٌ، ولا حولَ ولا قوّةَ لهم، ففكَّروا فالتجئوا إلى الله، وسألوا الله بما قام بقلوبهم من إخلاصهم لله، البارُّ بوالديه قال: اللّهمّ إن كنت تعلَم أني فعلتُ ذلك ابتغاء وجهِك فأفرج عنّا، فانفَرج عنهم شيءٌ، المترفِّع عن المعاصي بعد القدرةِ عليها قال: يا ربّ، إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك فأفرج عنّا، فانفرَج عنهم شيء، المؤدِّي للأمانة قال: إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهِك فأفرج عنّا، فانفَرَجت الصخرةُ وخرَجوا يمشون


[1] متفق عليه