استقبال القبلة من
شروط الصلاة استقبال القبلة لقوله تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ
وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ )
فاستقبال القبلة شرط لصحة الصلاة ن ومن صلى إلى غير
القبلة فصلاته باطلة غير صحيحة ، ولا مبرئة لذمته إلا في أحوال أربع :
الحال الأولى : إذا كان عاجزاً عن استقبال القبلة ، مثل أن يكون مريضاً
ووجهه إلى غير القبلة ، ولا يتمكن من الانصراف إلى القبلة فإن صلاته تصح
على أي جهة كان لقول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) .
وهذا الرجل لا يستطيع أن يتحول إلى القبلة لا بنفسه ولا بغيره . الحال
الثانية : إذا كان خائفاً من عدو وكان هارباً واتجاهه إلى غير القبلة ففي
هذه الحال يسقط عنه استقبال القبلة لقوله تعالى : ( فَإِنْ خِفْتُمْ
فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) . ومعلوم أن الخائف قد يكون اتجاهه إلى القبلة
، وقد يكون اتجاهه إلى غير القبلة فإذا رخص الله له في الصلاة راجلاً أو
راكباً فمقتضى ذلك أن يرخص له في الاتجاه إلى غير القبلة إذا يخاف على نفسه
إذا أتجه للقبلة . الحال الثالثة : إذا كان في سفر أراد أن يصل النافلة
فإنه يصلي حيث كانت جهة سفره ، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
كان يصلي في السفر على راحلته حيث كان وجهه ، إلا أنه لا يصلي عليها
المكتوبة ، ففي النافلة يصلي المسافر حيث كان وجهه بخلاف الفريضة ، فإن
الفريضة يجب عليه أن يستقبل القبلة فيها في السفر كما يجب عليه ذلك في
الحضر . الحال الرابعة : إذا كان قد اشتبهت عليه القبلة فلا يدري أي
الجهات تكون القبلة ، ففي هذه الحال يتحرى بقدر ما يستطيع ويتجه حيث غلب
على ظنه أن تلك الجهة ه القبلة ولا إعادة عليه لو تبين له فيما بعد أنه مصل
إلى غير القبلة . وقد يقول قائل : إن هذه الحال لا وجه لاستثنائها لأننا
نلزمه أن يصلي إلى الجهة التي يغلب على ظنه أنها القبلة ولا يضره إذا لم
يوافق القبلة ، لأن هذا منتهى قدرته واستطاعته وقد قال الله تعالى : ( لا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) . وقال تعالى (فَاتَّقُوا
اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم ) . وعلى كل حال فإننا سواء جعلناها مما
يستثنى ، أن مما لا يستثنى فإن الإنسان فيها يجب عليه أن يتقي الله ما
استطاع وأن يتحرى الصواب ويعمل به . ولكن هاهنا مسألة وهي : إنه يجب أن
نعرف أن استقبال القبلة يكون إما إلى عين القبلة وهي الكعبة ، وإما إلى
جهتها ، فإن كان الإنسان قريباً من الكعبة يمكنه مشاهدتها ففرضه أن يستقبل
عن الكعبة لأنها هي الأصل ، وأما إذا كان بعيداً لا يمكنه مشاهدة الكعبة ،
فإن الواجب عليه أن يستقبل الجهة وكلما بعد الإنسان عن مكة كانت الجهة في
حقه أوسع ، لأن الدائرة كلما تباعدت اتسعت ولهذا قال النبي صلى الله عليه
وسلم في أهل المدينة : (( ما بين المشرق والمغرب قبلة )) . وذكر أهل العلم
أن الانحراف اليسير في الجهة لا يضر ، والجهات معروف أنها أربع : الشمال ،
والجنوب ، والشرق ، والغرب ، فإذا كان الإنسان عن الكعبة شرقاً أو غرباً
كانت القبلة في حقه ما بين الشمال والجنوب ، وإذا كان عن الكعبة شمالاً أو
جنوباً صارت القبلة في حقه ما بين الشرق والغرب ، لأن الواجب استقبال الجهة
، فلو فرض أن الإنسان كان شرقاً من مكة واستقبل الشمال فإن ذلك لا يصح ،
لأنه جعل القبلة عن يمينه ، وكذلك لو كان من أهل الشمال واستقبل الغرب فإن
صلاته لا تصح ، لنه جعل القبلة عن يساره ، ولو استقبل الشرق فإن ذلك لا يصح
، لأنه جعل القبلة عن يمينه . وقد يسر الله لعباده في هذا الوقت وسائل
تبين القبلة بدقه ومجربة فينبغي للإنسان أن يصطحب هذه الوسائل معه في السفر
لأنها تدله على القبلة إذا كان في حال لا يتمكن فيها من معرفة القبلة ،
وكذلك ينبغي لمن أراد إنشاء مسجد أن يتبع ما تقتضيه هذه الوسائل المجرية
والتي عرف صوابها