من
شروط الصلاة الطهارة وهي نوعان
طهارة من الحدث ، وطهارة من النجس . والحدث
نوعان:حدث أكبر وهو ما يوجب الغسل ، وحدث أصغر: وهو ما يوجب
الوضوء
ومن
المهم هنا أن نبين أن الطهارة من الحدث شرط ، وهو من باب الأوامر التي يطلب
فعلها ، لا التي يطلب اجتنابها والقاعدة المعروفة عند أهل العلم (( أن ترك
المأمور لا يعذر فيه بالنسيان والجهل )) . وبناء على ذلك لو أن أحداً من
الناس صلى بغير وضوء ناسياً فإنه يجب عليه أن يعيد صلاته بعد أن يتوضاً ،
لأنه أخل بشرط إيجابي مأمور بفعله ، وصلاته بغير وضوء ناسياً ليس فهيا إثم
لقوله تعالى:(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )
لكنها صلاة غير صحيحة فلا تبرأ بها الذمة ، فيكون مطالباً بها ، ولا فرق في
هذا بين أن يكون الإنسان منفرداً ، أو مأموماً ، أو إماماً فكل من صلى بغير
وضوء ، أو بغير غسل من حدث أكبر ناسياً فإنه يجب عليه إعادة الصلاة بعد
الطهارة متى ذكر ، حتى وإن كان إماماً ، إلا أنه إذا كان إماماً وذكر في
أثناء الصلاة فإنه ينصرف ويأمر من خلفه أن يتموا الصلاة ، فيقول لأحدهم :
تقدم أتم الصلاة بهم ، فإن لم يفعل أي لم يعين من يتم الصلاة بهم ، قدموا
واحداً منهم يتم بهم ، فإن لم يفعلوا أتم كل واحد لنفسه ، ولا يلزمهم أن
يستأنفوا الصلاة من جديد ، ولا أن يعيدوا الصلاة لو لم يعلموا إلا بعد ذلك
، لأنهم معذورون ، حيث إنهم لا يعلمون حال إمامهم ، وكذلك لو صلى بغير وضوء
جاهلاً فلو قدم إليه طعام فيه لحم إبل ، وأكل من لحم الإبل وهو لا يدري أنه
لحم إبل ، ثم قام فصلى ثم علم بعد ذلك أنه لحم إبل فإنه يجب عليه أن يتوضأ
ويعيد صلاته ، ولا إثم عليه حين صلى وقد انتفض وضوءه وهو لا يدري بانتقاضه
لقوله تعالى : (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )
. ولا يخفى أيضاً أننا إذا قلنا أنه صلى بغير وضوء ، أو بغير غسل من
الجنابة أنه كان معذوراً لا يتمكن من استعمال الماء فإنه يتيمم بدلاً عنه ،
فالتيمم عند تعذر استعمال الماء يقوم مقام الماء ، فإذا قدر أن هذا الرجل
لم يجد الماء وتيمم وصلى فصلاته صحيحة ولو بقي أشهراً لي عنده ماء ، أن بقي
أشهراً مريضاً لا يستطيع أن يستعمل الماء فإن صلاته بالتيمم صحيحة ،
فالتيمم يقوم مقام الماء عند تعذر استعماله ، وإذا قلنا : إنه يقوم مقامه
عند تعذر استعماله ، فإنه إذا تطهر بالتيمم بقي على طهارته حتى تنتقض
الطهارة ، حتى لو خرج الوقت وهو على تيممه فإنه لا يلزمه إعادة التيمم
للصلاة الثانية ، لأن التيمم مطهر كما قال الله تعالى في سورة المائدة لما
ذكر التيمم قال : ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ
وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ).وقال
النبي عليه الصلاة والسلام:(جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )) . أما
النوع الثاني من الطهارة : فهو الطهارة من النجاسة ومواضعها ثلاثة : البدن
، والثوب ، والبقعة . فلابد أن يتنزه الإنسان عن النجاسة في بدنه ، وثوبه ،
وبقعته ، ودليل ذلك في البدن : أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال
:(( إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير ن إما أحدهما فكان لا يستتر من
البول )) . وأما الثوب فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الحائض إذا أصاب
الحيض ثوبها أن تغسله ثم تصلي فيه ، ففيه دليل على وجوب تطهير الثوب من
النجاسة ، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أتى بصبي لم يأكل
الطعام فوضعه في حجره فبال عليه فدعا بماء فأتبعه إياه ، وأما البقعة ففي
حديث أنس – رضى الله عنه - قال : جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره
الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله
عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه . إذن لابد أن يتجنب الإنسان
النجاسة في بدنه ، وثوبه ، وبقعته التي يصلى عليها ، فإن صلى وبدنه نجس أي
قد أصابته نجاسة لم يغسلها أو ثوبه نجس ، أن بقعته نجسه فصلاته غير صحيحة
عند جمهور العلماء لكن لو لم يعلم بهذه النجاسة ، أن علم بها ثم نسي أن
يغسلها حتى تمت صلاته فإن صلاته صحيحة ولا يلزمه أن يعيد ، ودليل ذلك أن
النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ذاب يوم فخلع نعليه ، فخلع الناس
نعالهم ، فما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم سألهم لماذا خلعوا نعالهم
قالوا : رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا ، فقال : (( إن جبريل أتاني
فأخبرني أن فيهما خبثاً )) . ولو كانت الصلاة تبطل باستصحاب النجاسة حال
الجهل لا ستأنف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة . إذن اجتناب النجاسة
في البدن ، والثوب ، والبقعة شرط لصحة الصلاة ، لكن إذا لم يتجنب الإنسان
النجاسة جاهلاً ، أو ناسياً فإن صلاته صحيحه سواء علم بها قبل الصلاة ثم
نسي أن يغلسها ، أو لم يعلم بها إلا بعد الصلاة فإن قلت : ما الفرق بين
هذا وبين ما إذا صلى بغير وضوء ناسياً أن جاهلاً ، حيث أمرنا من صلى بغير
وضوء ناسياً أو جاهلاً بالإعادة ، ولم نأمر الذي صلى بالنجاسة ناسياً أو
جاهلاً بالإعادة ؟ قلنا : الفرق بينهما أن الوضوء أو الغسل من باب فعل
المأمور ، واجتناب النجاسة من باب ترك المحظور ، وترك المأمور لا يعذر فيه
بالجهل والنسيان بخلاف فعل المحظور