|
الذكر نوعان النوع الأول: ذكر أسماء الرب وصفاته والثناء عليه، وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به |
|
|
والنوع الثاني من الذكر: ذكر أمره ونهيه وأحكامه
النوع الأول من الذكر ذكر أسماء الرب وصفاته والثناء عليه، وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به ينقسم إلى قسمين
القسم الأول الذكر فيه هو إنشاء الثناء من الذاكر بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وهو المذكور في الحديث نحو سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، وسبحان الله وبحمده، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ونحو ذلك، فأفضل هذا القسم أجمعه للثناء وأعمه نحو: سبحان الله عدد خلقه، فهذا أفضل من مجرد سبحان الله، وقول: الحمد لله عدد ما خلق في السماء، وعدد ما خلق في الأرض، وعدد ما خلق بينهما، وعدد ما هو خالق، أفضل من مجرد قولك: الحمد لله، وهذا في حديث جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ عليها وهي في مصلاها باكرًا تسبح وتذكر الله، فمضى لحاجته، فرجع إليها بعد ما ارتفع النهار، وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا قالت: نعم. فقال لها:"لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم، لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته". وحديث سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة بين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال: "أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل؟" فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك".
دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَأَنَّ قَائِلَهَا يُدْرِكُ فَضِيلَةَ تَكْرَارِ الْقَوْلِ بِالْعَدَدِ الْمَذْكُورِ وهَذَا بَابٌ مَنَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِبَادِ اللَّهِ وَأَرْشَدَهُمْ وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ تَخْفِيفًا لَهُمْ وَتَكْثِيرًا لِأُجُورِهِمْ مِنْ دُونِ تَعَبٍ وَلَا نَصَبٍ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ
والقسم الثاني: من الذكر ذكر أسماء الرب وصفاته والثناء عليه، وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به
يكون الذكر بالخبر عن الرب تبارك وتعالى بأحكام أسمائه وصفاته فيكون الذكر في قول الذاكر إن الله عز وجل، يسمع أصوات عباده، ويرى حركاتهم، ولا يخفى عليه خافية من أعمالهم، وهو أرحم من آبائهم وأمهاتهم، وهو على كل شيء قدير، وهو أفرح بتوبة عبده من الفاقد الواجد ونحو ذلك. وأفضل هذا القسم الثناء عليه بما أثنى به على نفسه، وبما أثنى عليه رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل كما قال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11))، وهذا القسم يشمل حمد، وثناء، ومجد.
فالحمد: الإخبار عنه بصفات كماله
فإن كرر المحامد شيئا بعد شيء، كانت ثناء
وإن مدح الله بصفات الجلال والعظمة والكبرياء والملك كان مجدا
وقد جمع الله تعالى لعبده ذكر الحمد والثناء والمجد أول سورة الفاتحة، فإذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرحمن الرحيم) قال: أثنى عَلَيَّ عبدي. وإذا قال: (مالك يوم الدين) قال: مجدني عبدي.
عرفنا النوع الأول من الذكر بأقسامه ومشتملاته
ونتحدث عن
النوع الثاني من الذكر: ذكر أمره ونهيه وأحكامه، وهو ينقسم قسمين
القسم الأول: ذكره بالإخبار عن أمره ونهيه وعن حبه وسخطه
كأن يقول إن الله أمر ببر الوالدين ونهى عن قطيعة الأرحام وأنه يحب عباده الصالحين وأن يبغض المتكبرين
والقسم الثاني: ذكره عند أمره فيبادر إليه، وعند نهيه فيهرب منه
ذكره عند أمره فتبادر إليه مثلاً الله أمرك بالصلاة في وقتها فأنت عندما تسمع النداء إلى الصلاة وأنت تعلم إذا سمعت النداء فلبي فبادرة بالذهاب إلى المسجد فأنت تكون عندما سمعت أو استحضرت أمر الله وتفاعلت معه أنت ذاكر لله عند أمره
وذكر الله عند نهيه فيهرب منه مثلاً إنسان رأى خمر أو لحم خنزير أو أمرأة تدعوه وهو يعلم أن الله نهاه عن ذلك فتجنبها فهو ذاكر لله عند نهيه فانتهى
فذكر أمره ونهيه شيء، وذكره عند أمره ونهيه شيء آخر
فأنت عندما تقول أن الله أمر بكذا ونهى عن كذا فأنت ذاكر لله بذكر أمره ونهيه
وأما أن تعلم أو تستحضر أن الله أمر بكذا فتفعل ما أمرك به تكون بذلك ذاكراً لله عند أمره
وعندما تعلم أو تستحضر أن الله نهى عن شيء فتتجنبه تكون بذلك ذاكراً لله عند نهيه فنتهيت
فإذا اجتمعت هذه الأنواع للذاكر، فذكره أفضل الذكر وأجله وأعظمه.
وذكره هو الفقه الأكبر
ومن ذكره تعالى ذكر آلائه وإنعامه وإحسانه وأياديه ومواقع فضله على عبيده، وهذا من أجل أنواع الذكر
والذكر يكون بالقلب واللسان
الذكر باللسان المجرد صاحبه ذاكر لله فمثلاً مصلي بعد انتهاء الصلاة يسبح ولو شارد الذهن أو لاهي ببصره وأخر انتهت الصلاة وقام وخرج دون أن يجلس ليختم الصلاة بالتسبيح فهل يتساوى الاثنين الذاكر بلسانه ذكراً الله
لكن إذا ذكر الله بلسانه وقلبه كان أفضل لأنه ذكر الله بلسانه وهو مستحضر بقلبه أنه يذكر الله غير لاهي ولا شارد الذهن
وإذا ذكر الله بلسانه وهو مستحضر بقلبه ومستحضر لمعنى الذكر كان أكمل
كأن يقول بلسانه سبحان الله وهو مستحضر بقلبه ومستحضر المعنى أنه ينزه الله من كل صفات النقص
كأن يقول بلسانه الحمد لله وهو مستحضر بقلبه ومستحضر المعنى أنه يثبت لله كل صفات الكمال
كأن يقول بلسانه الله أكبر وهو مستحضر بقلبه ومستحضر المعنى أن الله أكبر من كل شيء
كأن يقول بلسانه لا إله إلا الله وهو مستحضر بقلبه ومستحضر المعنى أنه ينفي ويثبت ينفي أن يكون هناك إله يستحق العبادة ويثبتها لله أن الله وحده الذي يستحق العبادة
كأن يقول بلسانه لا حولة ولا قوة إلا بالله وهو مستحضر بقلبه ومستحضر المعنى أنه ليس له حول ول قوة في استجلاب نفع أو دفع ضر إلا بعون الله جالب الخير ودافع الضر
وإن ذكر الله بلسانه وقلبه ومستحضراً للمعنى وأتى به في عبادة كان أكمل وأكمل كأن يكون في عبادة مثل الصيام أو في الصلاة وهو يقول بلسانه ومستحضر بقلبه وهو مستحضر للمعنى أن يقول سبحان ربي العظيم في ركوع وسبحان ربي الأعلى في سجود
وذكر القلب يثمر المعرفة، ويصح المحبة، ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويردع عن التقصير في الطاعة والتهاون في المعاصي والسيئات