ترغيب الإسلام بسماحة النفس وتنفيره من نكدها
إن أصحاب خلق سماحة النفس الهينين اللينين قد دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم الله تعالى أن يرحمهم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{ رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وسمحا إذا اشترى، وسمحا إذا قضى وسمحا
إذا اقتضى}
وهذا فيه الحضُ على السماحة وتقديم حسن المعاملة، واستعمال معالي
الأخلاق ومكارمها، وترك المشاحة في البيع، وذلك سبب إلى وجود البركة
فيه وإلى وقوع صاحبه في رحمة الله
سمحا إذا قضى أي إذا قضى ما عليه وسمحا إذا اقتضى ما له أي طلب قضاء
حقه وهذا للحث على المسامحة في المعاملة والتخلق بمكارم الأخلاق
وقد بين النبي
صلى
الله عليه وسلم أن أصحاب خلق السماحة الهينين اللينين قد وعدهم الله
بالنجاة من النار فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ({ ألا أخبركم
بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار على كل هين لين قريب سهل}
أي تحرم على كل سهل حليم لين الجانب , قريب من الناس بمجالستهم في
محافل الطاعة وملاطفتهم قدر الطاعة , سهل في قضاء حوائجهم ومعناه أنه
سمح القضاء سمح الاقتضاء سمح البيع سمح الشراء
وشبه النبي صلى الله عليه وسلم السمحاء في ليونتهم وسهولتهم بالأرض
الصالحة السهلة لكل ما أريد منها وشبه العسير الصعب في شدته بالأرض
البور التي لا ينتفع منها بشيء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من
جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض جاء منهم الأحمر والأبيض
والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب }
والمقصود بالسهل الرفق واللين، وبالحزن الخرق والعنف، وبالطيب الذي
يعني به الأرض العذبة المؤمن الذي هو نفع كله
فالنفس السمحة كالأرض الطيبة الهينة المستوية، فهي لكل ما يراد منها من خير صالحة، إن أردت عبورها هانت، وإن أردت حرثها وزراعتها لانت، وإن أردت البناء فيها سهلت، وإن شئت النوم عليها تمهدت
وبالخبيث الصعب يراد به الأرض السبخة البور التي لا تصلح لشيء ولا يستفاد منها في شيء
وشبه النبي صلى الله عليه وسلم السمحاء الهينين السهلين في ليونتهم بالجمل المطيع
فعن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً أنه قال { المؤمنون هينون لينون
كالجمل الأنف، إن قيد انقاد، وإن أنيخَ على صخرةٍ، استناخ }
والمراد بالهين سهولته في أمر دنياه ومهمات نفسه
واللين لين الجانب وسهولة الانقياد إلى الخير والمسامحة في المعاملة
كالجمل الأنف الذي هو مطيع لصاحبه ولا يعصيه ولا يحوجه إلى الزجر
( أتى الله بعبد من عباده آتاه الله مالا فقال له ماذا عملت فى الدنيا
قال يا رب آتيتني مالك فكنت أبايع الناس وكان من خلقي الجواز فكنت
أتيسر على الموسر وأنظر المعسر فقال الله أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن
عبدي )
والتجاوز معناه المسامحة في الاقتضاء والاستيفاء وقبول ما فيه نقص يسير
وجاء التحذير لأصحاب النكد وترهيبهم من هذا الخلق العسير بفظاظته وغلظته من الحرمان من الجنة
قال صلى الله عليه وسلم { لا يدخل الجنة الجواظ الجعظري } الجواظ الجعظري أي الفظ الغليظ
هذه الفظاظة والغلظة التي نفى الله تعالى أن تكون في نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال له { وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } [آل عمران: 159]