الصفحة الرئيسية السلوك الإيمان الإدمان وعلاجه  
علاج السلوك والمخاوف عند المدمنين

علاج السلوك والمخاوف عند المدمنين

 

قبول المجتمع للإنسان

نظرة المجتمع للأصحاب المعاصي

قصة زاذان

قصة القعنبي

قصة الفضيل بن عياض

 

 

  قصة الفضيل بن عياض    

يُعرفه أهل العلم فيقولون : فضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي اليربوعي , أبو علي الزاهد ، أحد صلحاء الدنيا وعبادها

ولد بسمرقند ونشأ بأبيورد مدينة بخراسان ، سكن بمكة ومات بها

كان الفضيل بن عياض شاطراً يقطع الطريق بين ابيورد وسرخس , وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تاليا يتلو{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ(1)}الحديد

 فلما سمعها قال بلى يا رب قد آن , فرجع فآواه الليل إلى خربة فإذا فيها سابلة , فقال بعضهم نرتحل وقال بعضهم حتى نصبح فإن فضيل على الطريق يقطع علينا , قال ففكرت قلت أنا أسعى بالليل في المعاصي وقوم من المسلمين يخافونني هاهنا وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع , اللهم إني قد تُبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام

وقدم الكوفة وهو كبير فسمع الحديث ثم تعبد وانتقل إلى مكة فنزلها إلى أن مات بها في أول سنة سبع وثمانين ومائة وكان ثقة نبيلاً فاضلا ًعابداً ورعا كثير الحديث

قال عنه العلماء :

أورع الناس فضيل بن عياض

ما بقي على ظهر الأرض أفضل من فضيل

ما رأينا في العلماء أهيب من مالك ولا أورع من الفضيل

لم يزل لكل قوم حجة في زمانهم وأن فضيل بن عياض حجة لأهل زمانه

عشرة كانوا يأكلون الحلال لا يدخل بطونهم غيره ولو استفوا التراب فذكره فيهم

الفضيل صدق الله فأجرى الله الحكمة على لسانه فالفضيل ممن نفعه علمه

ما بقي في الحجاز أحد من الأبدال إلا فضيل بن عياض

وقال خادم الفضيل ما رأيت أحداً كان الله في صدره أعظم من الفضيل كان إذا ذكر الله عنده أو سمع القرآن ظهر به من الخوف والحزن وفاضت عيناه فبكى حتى يرحمه من بحضرته

 ما رأينا أحدا كان أخوف على نفسه ولا أرجى للناس من الفضيل

وكان صدوق اللسان شديد الهيبة للحديث إذا حدث

يوم مات الفضيل بن عياض قيل ذهب الحزن اليوم من الأرض

أقام بالبيت الحرام مجاوراً مع الجهد الشديد والورع الدائم والخوف

الوافر والبكاء الكثير والتخلي بالوحدة ورفض الناس والدنيا إلى أن مات [18]

بماذا عَرَّف العلماء الفضيل ؟ بالزاهد . مَن الذي يطلق عليه زاهد ؟ العلماء . وشهدوا له أنه أحد علماء الدنيا , شهادة من أهل العلم بأنه أحد علماء الدنيا , لفظه لا تطلق بسهولة , وليس أحد علماء عصره فقط . بل أحد علماء الدنيا وماذا ؟ وعبادها . لما ترك المعاصي وصدق مع الله , مجتمع أهل العلم سموه أحد علماء الدنيا وعبادها

كان يقطع الطريق بين أهل المشرق والجزيرة وكان من شره الناس تخشاه من قبل الشروع في السفر مع أنهم لم يكونوا في سيرهم أفراد , لا . يمشون قوافل ، ليس قافلة حتى يشعروا أنهم قادرين على حماية أنفسهم منه , لكن كان صيته وسمعته في الدنيا كلها

ومع شره هذا كله وهو يصعد لعشيقته على الجدران فيوافق مسامعه آية يتلوها قارئ أثرت فيه مباشرة قال نعم قد آن , نعم قد آن أن يخشع لله

لم يكن الفضيل كحال الكثير ممن يقعون في الإدمان يسمعون القرآن ويسمعون خطب ومواعظ ولا يتأثرون ولا يتفاعلون مع ما يسمعون بل آية واحدة تفاعل معها وكانت سبب هدايته بعدما وجدت هذه الآية مكانة في قلبه

وهو راجع إلى خربته التي كان يأوي إليها يسمع في الطريق أصوات ناس يقولون نتم المسير في الصباح ألا تعلمون أن الفضيل على الطريق , فيقول أنا أسعى بالليل في المعاصي وقوم مسلمون يخافوني ؟ مع أن قطاع الطرق لا يعيشون بين الناس إلا بهذه السمعة المخيفة حتى يخافهم الناس , لكن لما تفاعل مع الآية بصدق تغير تعبيره لِلأمور مباشرة , قال قوم من المسلمين يخافوني , على أن هذا لا ينبغي أن يكون ، وردد في نفسه أن ذلك لا يكون من الله إلا زجراً له , وارتدع بالفعل , وعزم لله على التوبة ومجاورة البيت الحرام وأخذ يتعبد لله ثم طلب العلم الشرعي حتى يرضي الله أكثر وأكثر حتى عُرِفَ بعلمه , وعُد من العلماء المعروفين حتى درّس العلوم الشرعية في الحرم المكي وازداد صيته , فطلبه أهل المدينة أن يعطي لحرم المدينة نصيب من علمه , فأخذ يُدرّس العلوم الشرعية نصف العام بمكة ونصف العام الباقي يدرسه بالمدينة حتى لقب بإمام الحرمين , وقل أن تكون مسألة شرعية إلا وله فيها باع , إننا في علومنا الشرعية نأخذها من الأئمة المتبوعين ، أحمد الشافعي مالك أبو حنيفة أما هم من أين أخذوا علومهم ؟ أخذوه من أمثال الفضيل بن عياض ، إمام كالإمام أحمد بن حنبل على قدره في العلم كان إذا ذكره لم يقول قال إمام الحرمين بل كان يقول سيدنا

وسيد سيدنا ، نعم سيدنا في العلم لأنه من كبار الأئمة

ويكفي كلام الأئمة فيه , بعدما كان قاطع طريق

فالعبد العائد إلى الله في زماننا هذا مع ما ارتكبه من شر في معاصيه صعلوك على شر الفضيل قبل توبته , لكن الفضيل صدق مع الله فأصلح الله له مجتمع زمانه والقرون بعده حتى عصرنا ونحن ننتفع بعلمه الذي بلّغهُ ونقتاد بزهده وورعه وخوفه من الله , وبعد قرابة مائتان وخمسون عاماً وألف أو أكثر نذكر ماضيه ليس للإساءة به ولكن لنقتاد به , نأتي به ليكون المثل الأعلى لكل من وقع في معاصي , ونقول له أيها العبد العائد إلى الله لا تخاف من نظرة المجتمع ولكن أقبل على الله وأحسن الظن في أن الله سوف يصلح لك المجتمع مادمت صادق مع الله , وابذل ما في وسعك لتعلُم العلوم الشرعية فهي ترفع من قدر الناس , الفضيل كان يجهل قدر الله عليه فعصاه , ولما علم قدر الله وأطاعه كان يأتيه في بيته من ؟ خليفة المسلمين هارون الرشيد , لماذا ؟ يقول له ذكرني بالله

هذا هو هدي الشريعة الإسلامية

فَلْيُنْظَر إلى التغيير الذي فعله الدين في مثل هذه الشخصيات التي كانت على قدر عالي جداً من العداء للمجتمع ، وأي عداء للمجتمع أكثر ممن يهجم على القوافل فيغتصب أموالهم أو يقتلهم إن منعوه من ذلك , أو يقود الأحداث لقهر الناس بالسلاح كما يريد هو , وبالالتزام بهذا الدين تغيرت هذه النفوس لتصبح من أكثر الناس لتوصيل الهداية للبشر وتصبح أتقى وأرق القلوب في خشية الله , من قيل عنه أصلح وأعبد أهل الدنيا

أسأل بالله أي منهج آخر غيّر في نفوس بشر وحولها من شخصيات عدائية للمجتمع إلى شخصيات من أعظم من فادت البشرية بهدي الشريعة الإسلامية

هذا التغير لعله يلفت نظر من يقول أن قاطع الطريق لا ينظر له المجتمع بأنه عدائي ، لأن في المجتمع من ينبهر به ويتمنوا أن يكونوا مثله

فَلْيُعْلَم أن الحسن هو ما أستحسنه الشرع ولو كرهه كثير من الناس والقبيح ما أستقبحه الشرع ولو أستحسنه كثير من الناس وإن تتبع أكثر من في الأرض يضلونك عن سبيل الله

لكن إن شاء الله بعد قراءة هذه الرسالة يتضح أنه لا يوجد شيء مهما سمي من مسميات في العلوم الدنيوية التي وضعها البشر , يغير نفوس البشر إلى ما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة إلا الشريعة الإسلامية لأنها من عند الله الذي خلق النفس ويعلم صلاحها

وهذه بعض حكم الفضيل

من ساء خُلقه شان دينه وحسبه ومروءته

أكذب الناس العائد في ذنبه وأعلم الناس بالله أخوفهم

 لن يكمل عبد حتى يؤثر دينه على شهوته ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه

ترك العمل من أجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله عنهما

إن أصحاب هذه القصص وغيرهم ممن تابوا وصلحت توبتهم وأتبعوها بالأعمال الصالحة جعل الله لهم مكانة في قلوب الناس

يقول الله تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدًّا (9)}مريم

يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات ، وهي الأعمال التي ترضي الله عز وجل لمتابعتها الشريعة المحمدية ، يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبة ومودة ، وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه

وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة والصريحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [19]

قال صلى الله عليه وسلم :

{إذا أحب الله عبداً نادى جبريل : إني قد أحببت فلاناً فأحبه ، فينادي في السماء ، ثم ينزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قول الله عز وجل:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدًّا (96)}مريم } [20]

يوضع له المحبة وميل قلوب الناس إليه لكونه مطيعا لله محبا له , ومحبة العباد له اعتقادهم فيه الخير وإرادتهم دفع الشر عنه ما أمكن

ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم

قال ابن عباس : الود من المسلمين في الدنيا ومن الله الرزق الحسن واللسان الصادق 

فهؤلاء أصحاب القصص التي ذكرناها عندما تابوا توبة نصوحة وأتبعوها بأعمال صالحة وصدقوا مع الله وأخلصوا له , رزقهم الله أفضل الأرزاق ميراث الأنبياء العلم الشرعي , الحكمة , ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً فمنحهم الله اللسان الصادق ليعلموها للناس

قال عثمان بن عفان : ما من عبد يعمل خيراً أو شراً إلا كساه الله عزوجل رداء عمله

وهذا تبشير للمتقين أي المستجيبين لله ، وإنذار للفجار المعوجين عن الحق المائلين إلى الباطل الذين لا يستقيمون , ألم يقل الله تعالى :

{ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا(97)} مريم

وفي ذلك تبشير للعبد إذا صلحت أحواله وصلح له المجتمع فقد صلحت دنياه , ويجد نفسه بعيد عن المعاصي ويقوى قلبه بالإيمان لأنه سوف يشعر بطعم الإيمان وحلاوته لأن غايته نيل محبة الله , ويكون الله ورسوله أحب إليه من كل شيء , وحبه لغيره يكون حب في الله ,  ويكره العودة إلى المعصية كما يكره أن يرمى به في النار

وكيف لا تنصلح دنياه والله تعالى حاميه منها لأنه يحبه , ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : 

{ إن الله عزوجل ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه ، كما تحمون مريضكم } [21]

ومن حماية الله للعبد إبعاده عن أهل السوء وتقريبه بأهل الصلاح وجعل علاقاته بهم محبة في الله , هذه العلاقات التي توجب له أيضاً محبة الله ، أي ينال محبة الله بعلاقاته الاجتماعية مع الآخرين مثل الجلسات والمحبات والزيارات والعطاءات والتناصح والصحبة والتناصر والتواصل , لأن هذه العلاقات إذا بُنِيت على معصية فأصحابها على أثم وإن بُنِيت على مصالح دنيوية فليس لأصحابها شيء أما إذا بُنِيت على محبة الله أي ابتغاء وجه الله وتقربا ًلله , استحق أهلها محبة الله

يقول صلى الله عليه وسلم : عن ربه تبارك وتعالى:

{حقت محبتي على المتحابين في ،وحقت محبتي للمتجالسين في ، وحقت محبتي على المتزاورين في ، وحقت محبتي على المتباذلين في} [22]


 


[18] تهذيب الكمال 15/105 ، تهذيب التهذيب 8 / 266 

[19] ابن كثير3/147

[20] الأحوذي 3372 وقال الترمذي حسن صحيح , الألباني في السلسلة الضعيفة2208  قال ورد من طرق صحيحة وصححه  في سنن الترمذي 3161 

[21] المسند 6/594 , الحاكم 4/208 وصححه و وافقه الذهبي  , صححه الألباني في صحيح ا الترغيب 3179

[22] مالك 2 / 953 , صححه الألباني في الشكاة 5011