الوقاية من المخدرات
يقول تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ }[ المائدة 91 ] ([35])
الخمر له ثلاث معاني في اللغة
أحدها التغطية والستر ومنه خمار المرأة وهو غطاء رأسها وساتر لوجها
الثاني المخالطة خالطه بمعنى مازجه
الثالث الإدراك خمَّرت العجين تركته حتى أدرك
من هذه المعاني الثلاثة أخذ اسم الخمر لأنها تغطي وتستر العقل وتخالطه ولأنها تترك حتى تدرك وتستوي ([36])
تعريفها شرعاً
هي اسم لكل ما خامر العقل وخالطه وغطاه من أي نوع من الأشربة لحديث
{كل مسكر خمر وكل خمر حرام } ([37])
{كل مسكر خمر وكل مسكر حرام } ([38])
دل هذا على وجهين أحدهما أن الخمر اسم لكل ما وجد منه السكر من الأشربة كلها، والوجه الآخر أن المسكر معناه أنه كالخمر في الحرمة وذلك لأن قوله المسكر خمر فحقيقة هذا اللفظ يفيد كونه في نفسه خمراً([39])
السكر اختلاط العقل([40])
فالخمر: الذي هو ماء العنب الذي غلى أو طبخ , وما خامر العقل من غيره فهو في حكمه ([41]), وقياس كل ما عمل عملها أن يقال له خمر وأن يكون في التحريم بمنزلتها
فالخمر كما قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه كل ما خامر العقل, فكل ما كان كالخمر فهو بمنزلتها , والأمة على أن ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فمحرم قليله وكثيره لحديث { ما أسكر كثيره فقليله حرام } ([42]), والحد في ذلك واجب, فقد استدل بمطلق قوله { كل مسكر حرام } على تحريم ما يسكر ولو لم يكن شرابا، فيدخل في ذلك
النبات الذي يسكر وليس فيه شدة مطربة فأنه يحرم أكله([43]) والنبات الذي فيه شدة مطربة يجب فيه الحد ([44]) كالحشيشة ([45])، فإن من العلماء من قد جزم بأنها مسكرة، لأنها تحدث بالمشاهدة ما يُحدث الخمر من الطرب والمداومة عليها والانهماك فيها، وقالوا الحشيشة نجسة وضررها أعظم من ضرر الخمر ([46]) وجزم آخرون بأنها مخدرة ([47])
والنبي صلى الله عليه وسلم {نهى عن كل مسكر ومفتر} ([48]) وكل شراب أسكر فهو خمراً من أي شيء كان من الأشربة, والمفتر كل شراب يورث الفتور والخدر في الأعضاء
والعلماء في مختلف المذاهب الإسلامية على حرمة تناول القدر المؤثر على العقل من المواد والعقاقير المخدرة ([49]), فيحرم تعاطيها بأي وجه من الوجوه سواء بطريق الأكل أو الشرب أو التدخين أو الحقن بعد إذابتها أو بأي طريقة كانت واعتبر العلماء ذلك كبيرة من كبائر الذنوب يستحق مرتكبها المعاقبة في الدنيا والآخرة ([50])
ولأن هذه الأشياء تدخل في حكم الخمر بالنص لأنها من عموم المسكرات أو بالقياس على الخمر لاتحادهم في علة واحدة وهي الإسكار ولما لها من تأثير ضار في النهاية على العقل أو البدن وسواء سميت مخدرات أو منشطات أو منبهات أو مهدئات أو منومات مادامت تنتهي بإضرار العقل والبدن فهي حرام ([51])
وبيّن تعالى أن الخمر {رِجْسٌ} ([52])
أي سخط وقد يقال للنتن والعذرة والأقذار والعذاب وهو إثم وشر
فالرجس الخبث المستقذر والمكروه من الأمور الظاهرة، ويطلق على المذمّات الباطنة كما في قوله {وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ }[التوبة 125]، وقوله {إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ }[الأحزاب 33] والمراد به هنا الخبيث في النفوس واعتبارِ الشريعة ([53])
وبيّن تعالى أنه {مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}
لأنه هو الداعي إليه وهو الذي يرغب فيه ويحسنه ويزينه ويدفع إليه, وهو أول من عمل هذا الأمر بنفسه حتى اقتديَّ به فيه ([54])
وكونها من عمل الشيطان أن تعاطيَها لأجله من تسويله للناس تعاطيها، فكأنّ الشيطان هو الذي عملها وتعاطاها، وفي ذلك تنفير لمتعاطيها بأنّه يعمل عمل الشيطان، فهو شيطان، وذلك ممّا تأباه النفوس ([55]) فكل ما أضيف إلى الشيطان فالمراد من تلك الإضافة المبالغة في كمال قبحه([56])