طهارة القلب من الحسد
من الطهارات المعنوية الباطنية الصغرى الواجبة على الإنسان تحقيقها طهارة قلبه من الحسد
لأن الحسد يملك الشيطان من إهلاك الحاسد
فالشيطان يحدث بثنتين يقول بهما أُهلك الناس وهما لا يكذبان : الحسد والحرص ، فبالحسد لعنت وجُعلت شيطاناً رجيماً ، وبالحرص أُبيح لآدم الجنة كلها فأصبت حاجتي منه فأُخرج من الجنة
والحسد في الحقيقة نوع من معاداة الله فإنه يكره نعمة الله على عبده وقد أحبها الله , ويحب زوالها عنه والله يكره ذلك فهو مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته وكراهته
قال ابن مسعود لا تعادوا نعم الله قيل له ومن يعادي نعم الله قال الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله
فعلة داء الحسد ترجع إلى إفراط في الأنانية وحب الذات، مع ضعف في الإيمان بكمال حكمة الله في توزيع عطاياه على خلقه ، الأمر الذي يفضي إلى الاعتراض على الله في حكمته التي وزع على مقتضاها عطاءه بين خلقه ليبلوهم فيما آتاهم، فضرره من هذه الناحية يمس جانب الإيمان ويؤثر عليه
فالإنسان بعد علمه بأضرار الحسد وخطورته على نفسه وعلى من حسدهم عليه أن يطهر نفسه من الحسد بأن يعمل على حفظ نفسه من حسد الآخرين لخطورة الحسد على نفسه فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحسد يفسد في دين المرء أكثر من فساد الذئب في الغنم فقال {ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من الحرص على المال والحسد في دين المسلم وإن الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب}[60]
ولقوله صلى الله عليه وسلم { لا تحاسدوا ولا تباغضوا }[61]
فيفرغ قلبه من الحسد ليحل محله الإيمان لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
{ لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد }[62]
فيكون بذلك عنده وقاية من هذا الوباء القديم وباء الأمم السابقة بل يكون قد استثني نفسه مما أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
{دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء }[63]
وبذلك يكون فيه الخير سواء لنفسه أو للآخرين , كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا }[64]
لذا ينبغي على المسلم أن يحفظ نفسه من الحسد حتى يسلم صدره للآخرين ليكون ذلك سبباً لدخوله الجنة كهذا الرجل الذي أخبر عنه رسول الله أنه من أهل الجنة والتي فاز بها لأنه كان لا يحمل في نفسه حسداً لأحد
{عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه بيده الشمال فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو فقال إني لاحيت أبي فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت , قال نعم , قال أنس فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل إلا أنه إذا تعار تقلب على فراشه وذكر الله عز وجل وكبر حتى صلاة الفجر , قال عبد الله أني لم أسمعه يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث الليالي وكدت أن أحتقر عمله قلت يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا ثلاث مرات يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث المرات فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك فأقتدي بك فلم أرك عملت كبير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما هو إلا ما رأيت فلما وليت دعاني فقال ما هو إلا أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا حسد على خير أعطاه الله إياه فقال عبد الله هذه التي بلغت بك}
فقول عبد الله بن عمرو له هذه التي بلغت بك يشير إلى خلوه وسلامته من جميع أنواع الغش والحسد
وإن وقع له الخاطر بالحسد فعليه أن يدفعه ويجاهد نفسه في دفعه فإن فعل ذلك فقد سعى لطهارة نفسه من الحسد ولا إثم عليه , بل لعله مأجور في مدافعة نفسه
ولأنه يكون بهذا قد عمل بتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم {وإذا حسدت فلا تبغ }
ومن أراد التوسع في موضوع الحسد فليرجع موقعنا بالضغط على هذا الرابط علاج الحاسد والمحسود والعائن والمعيون
[60] الترمذي وبدل الحسد الشرف 2376وقال حسن صحيح , ضعفه الألباني في الترغيب 1726 , حسنه محققوا الترغيب 4257 وعزاه المنذري لرازين
[61] مالك 2/908 والبخاري 6064
[62] المسند 2/340 , النسائي 31009 , ابن حبان 4587 البيهقي 6609 , حسنه الألباني في الترغيب 2886
[63] البزار 2002 , البيهقي في الشعب 8747 , حسنه الألباني في الترغيب 2888
[64] الهيثمي في المجمع 8/78 رواه الطبراني ورجاله ثقات , حسنه الألباني في الترغيب 2887