طهارة النفس من الكبر
من الطهارات المعنوية الباطنية الواجبة الصغرى على الإنسان تحقيقها طهارة النفس من الكبر
فالكبر والعجب بالنفس داء من أدواء النفس الخطيرة وهما من أبرز العوامل
التي تدفع إلى الانحراف في المفاهيم الفكرية وذلك لأنه متى نفخ الكبر
والعجب بالنفس في أنف المستكبر المغرور واستوليا على عقله وإرادته
ساقاه بعنفٍ شديد وتمرد لئيم إلى غمط الحق وطمس معالمه ثم إلى انتحال
صور من الباطل يعمل على تزينها وتحسينها بالأقوال المزخرفة والحجج
المزينة وهي في الحقيقة مظاهر خداعة لا حقيقة لها
فالكبر في النفس من صفات الذين لا يرجون لقاء الله ويؤدي بصاحبه إلى
العتو {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ
عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا
فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)} [الفرقان: 21] وهي
من صفات الذين { إِذَا
قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)}
[الصافات]
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن { الكبر من بطر الحق وازدرى الناس
}([5])
وهذا تعريف بأبرز مظاهر السوء في السلوك فالبطر عندما يكون في المشي
والحركة والعمل يدل على التبختر والخيلاء والخروج عن حد الاعتدال
والاتزان
وعندما يكون في مواجهة الحق يكون بالاستعلاء عليه والاستكبار عن قبوله
والتفريط في شأنه والاستهانة به وهذا من أقبح صور الكبر لأن الحق من
أعظم النعم التي تساق للإنسان والتي يجب أن تقابل منه بالاحترام
والقبول والشكران ولذا تكمن خطورة الكبر عندما يدفع صاحبه إلى جحود
خالقه والاستكبار على طاعته الذي يؤدي به إلى الحرمان من الجنة
أما الكبر الذي يؤدي بصاحبه إلى عذاب الله ويرمي به في جهنم هو ازدراء
وغمط الناس لأنه احتقار الناس واستصغارهم وعدم مقابلة إحسانهم بالشكر
والترفع عن الثناء عليهم بفضائلهم بل محاولة حرب الناس لهدم فضائلهم
وطمس كملاتهم وتحقيرهم وتصغيرهم بالناس بالكذب والزور والبهتان بغية
احتفاظ المستكبر بالمكانة الاجتماعية لنفسه دون الآخرين هكذا تأمره
نفسه الأنانية المستكبرة
فإن كبر المغرور يجعله يشعر بالاستعلاء الذاتي على الأقران والنظراء
وعلى المكانة التي يجد المستكبر نفسه فيها داخل مجتمعه ويرغب بإشعار
الأخرين بالامتياز عليهم ولو لم يكن لهذا الامتياز وجود في الواقع فهو
انتفاخ بغير حق وتطاول بغير حق وتعال بغير حق وتصغير للآخرين أو
لحقوقهم بغير حق
فيجب على الإنسان أن يطهر نفسه من الكبر لأن صاحبه ينازغ الله في حقوقه
{ يقول الله تعالى الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا
منهما أدخلته النار } ([6])
ولأن الله تعالى يعاقب المتكبر بنقيض قصده حيث يحشره يوم
القيامة كالذر الذي هو أصغر أنواع النمل رغم أن أهل النار تعظم أحجامهم
لتتلاءم مع العذاب حتى يكون ضرس الكافر كجبل أحد إلا أن المغرور الذي
كان يكبر نفسه في الدنيا يصغر حجمه كما قال صلى الله عليه وسلم { يحشر
المتكبرون أمثال الذر يوم القيامة في صور الرجال يغشاهم الذل من كل
مكان يساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من
عصارة أهل النار طينة الخبال } ([7])
فعلى الإنسان أن يحقق طهارة نفسه من الكبر وذلك بأن يكون ملحاً على
الله بالدعاء {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ
الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ
دَاخِرِينَ (60)} [غافر]
وأن يكثر الإنسان من السجود لله الذي يدل على أنه عبد مخلوق يخاف من ربه تعالى ويطيع خالقه {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)} [النحل]
ويحقق الإنسان طهارة نفسه
من الكبر عندما يَذكر آيات الله أو يُذكر بها يسبح بحمد ربه أو يخر
ساجداً { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا
بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا
يَسْتَكْبِرُونَ (15)} [السجدة: 15]
والإنسان الذي يطهر قلبه من الكبر ويتواضع لله الله تعالى يرفعه { من
تواضع لله رفعه الله } ([8])
وفي رواية { ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله }([9])
ومما يعين الإنسان على طهارة نفسه من الكبر العلم والمعرفة بأمور الكبر
وأن الناس بفطرتها يحبون المتواضع ويألفونه ويكرهون المستكبر ويأنفون
عنه ولا يألفونه
والسر في ذلك أن المتواضع ينزل نفسه إلى مستوى جلسائه فيعيش معهم
بوداعة وانطلاق ويعيشون معه بمثل ذلك فيتم بينه وبينهم الإلف والوئام
وذلك يولد المحبة بخلاف المستكبر فإنه يرفع نفسه فوق مستوى جلسائه
فيعيش وحده في جوه النفسي المتعاظم وحين يرى جلسائه ومعاشره ذلك منه
يبتعدون عنه بنفوسهم فلا يألفونه ويرونه يضع نفسه فوقهم فيكرهونه فكلتا
الثمرتين من النتائج الطبيعية لكلا العملين
[5]
حسنه الألباني في صحيح الرغيب 2911 , رواه النسائي والترمذي
[6]
حسنه الألباني في الصحيحة 2328
[7]
صححه الألباني في صحيح الجامع 10748
[8]
حسنه الألباني لغيره في صحيح الرغيب 2921 , رواه البزار بإسناد جيد
[9]
رواه البخاري ومسلم