طهارة النفس من الشرك
تطهير النفس بحفظها من الوقوع في الشرك الأكبر هي طهارة واجبة على كل
إنسان أن يأتي بها لتبيين الله تعالى أن الشرك نجس وأهله أنجاس قال
تعالى
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ
فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28]
{ إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ }
النجس مصدر بمعنى النجاسة وصفوا بالمصدر مبالغة كأنهم عين النجاسة
وسمى المشرك نجسا لان الشرك يجرى مجرى القذر في انه يجب تجنبه كما يجب
تجنب النجاسات
فحكم الله عليهم بانهم نجس بمعنى ذوى نجاسة في باطنهم حيث تنجسوا
بالشرك والاعتقاد الباطل يجب الاجتناب عنهم والتبري منهم وقطع مودتهم
فبين تعالى أن المشركون باللّه الذين عبدوا معه غيره نَجَسٌ أي خبثاء
في عقائدهم وأعمالهم، وأي نجاسة أبلغ ممن يعبد مع اللّه آلهة لا تنفع
ولا تضر، ولا تغني عنه شيئا؟
وأعمالهم ما بين محاربة للّه، وصد عن سبيل اللّه ونصر للباطل، ورد
للحق، وعمل بالفساد في الأرض لا في الصلاح
وليس المراد هنا، نجاسة البدن، فإن الكافر كغيره طاهر البدن، بدليل أن
اللّه تعالى أباح وطء الكتابية ومباشرتها، ولم يأمر بغسل ما أصاب منها
والمسلمون ما زالوا يباشرون أبدان الكفار، ولم ينقل عنهم أنهم تقذروا
منها، تَقَذُّرَهْم من النجاسات، وإنما المراد نجاستهم المعنوية،
بالشرك، فكما أن التوحيد والإيمان، طهارة، فالشرك نجاسة والمتطهر هو
الذي لا يفعله تنزهاً عنه، لأن الذنب نجاسة روحانية والشرك أعظم
النجاسات وتركه والبراءة منه طهارة روحانية
وكما أن الإنسان عليه أن يطهر نفسه بحفظها واجتنابها من نجس المشركين
وشركهم الأكبر عليه أيضاً أن يطهر نفسه باجتناب كل ما يفسد أنواع
القربات ويكدر صفاء المعاملات فيتوقى كل ما يحذر منه بتدقيق النظر في
طهارة الإخلاص من شائبة الشرك الخفي بحفظها من الوقوع في الشرك الأصغر
كالرياء وغيره من أنواع الشرك الأصغر قال صلى الله عليه وسلم { إن أخوف
ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله قال
الرياء يقول الله عز وجل إذا جزى الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم
تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء }([1])
فالإنسان عليه إن يحفظ نفسه من أنواع الشرك الأصغر لأنه خفي قد يقع فيه
إنسان وهو لا يرى لله تعالى فيه شريكا
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول { ألا أخبركم بما هو أخوف
عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ فقالوا
بلى يا رسول الله فقال الشرك الخفي أن يقوم الرجل فيصلي فيزين
صلاته لما يرى من نظر رجل } ([2])
وقال صلى الله عليه وسلم { الشرك الخفي أن يعمل الرجل لمكان الرجل }
هذا هو الرجل الذي يعمل الطاعة لأجل أن يراه إنسان فيحسن إليه أو يبلغ
عنه حسن عبادته سمى النبي صلى الله عليه وسلم هذا القصد شركا لأنه كما
يجب إفراد الله بالألوهية يجب إفراده بالعبودية
ويخبر النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أن الرجل قد يقصد بتيزين صلاته
بشر مثله فكيف يكون حال مثل هذا الرجل في أعمال غير الصلاة والتي يقصد
فيها الرياء الصريح الذي هو من الشرك الخفي في النيات والمقاصد ومثله
إرادة الإنسان بعمله الدنيا, إن
قصد هذا من عدم طمأنينة النفس بربها
فمتى اطمأنت النفس بما تستند إليه من غير الله ردت عبادتها لما اطمأنت
إليه وكان عبد الرياء والمراء، وهذا هو الذي أحبط عمل العاملين من حيث
لا يشعرون وما المرء إلا عبد ربه
فليعلم الإنسان أن سبيل النجاة في أن يخلص عمله ويجرد إرادته لله
وليعلم أن القلوب والنواصي بيده سبحانه وتعالى فهو يميل إليه القلوب
ويجمع له النفوس ويشحن من حبه الصدور فينال من ذلك ما لا يناله بجهده
وقصده وإن لم يفعل وقصد رضا المخلوق دون الله تعالى صرف الله عنه
القلوب ونفر منه النفوس وأسخط عليه الخلق فيكون من الخاسرين
فعلى الإنسان أن يطهر نفسه بأن يتبرأ من الشرك الخفي ويحفظها من الوقوع
فيه وإن وقع في شيء منه من جهل أو خطأ أو نسيان أو حتى عمد فعليه أن
يتبرأ منه كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله { الشرك فيكم
أخفى من دبيب النمل وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك
وكباره تقول اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا
أعلم } ([3])
[1]
صححه الألباني في صحيح الجامع 1782,
2663
[2]
حسنه الألباني في ظلال الجنة 319
[3]
صححه الألباني لغيره
في صحيح الرغيب 2911