طهارة القلب من الكذب
من الطهارات المعنوية الباطنية الصغرى الواجبة على الإنسان تحقيقها طهارة قلبه من الكذب
قال النبي صلى الله عليه وسلم { أنا زعيم
ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا
لأن الكذب من الأمراض المعنوية الباطنية في حياة الإنسان , والتي تعتبر بالنسبة للمسلم ذنوباً , يجب التخلص منها مهما كلفه ذلك من جهد ومشقة , حيث إن آثارها الضارة مزدوجة , بمعنى أنها تضر المريض بها وتضر غيره من أفراد المجتمع , فهي ذنوب وأمراض معدية , وهي أشبه بالميكروب الذي يعدي وينتقل من إنسان إلى آخر ليفتك به , ولذلك يحتاج عناية أكبر ومجهوداً مضاعفاً للقضاء عليه
الكذب يقلب الموازين , ويمسخ الحقائق , ويشوه وجه الجمال في كل شئ يداخله
ولن تجد جريمة تجرجر ذيولها وتستشري بين الناس إلا وهي مطلية بطلاء من الكذب و الزور، حتى توحي لمن يراها أنها الفضيلة ولا شئ سواها , ولو تكلم الكذب لقال أنا سلاح الجبابرة ، ودرع المنافقة ، وزاد الفاشلين ، وسلوى المرائين ، وشبكة المخادعين ، وملجأ المجرمين ، ومنطق الأكثرية ممن يستغلون صفاء ووفاء وحسن إخلاص الناس [3]
الكذب مفسدة فابتعد عنها
إياك والكذب فإنه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه ويفسد عليك تصويرها للناس ، فإن الكاذب يصور المعدوم موجوداً ، والموجود معدوماً ، والحق باطلاً والباطل حقاً ، والخير شراً والشر خيراً , فَيُفسَد عليه تصوره وعلمه , ويكون فساد علمه وتصوره عقوبة له من الله , ثم يصور كذبه هذا في نفس المخاطب المغتر به , الراكن إليه , فَيفسِد عليه تصوره وعلمه
والمرء أفعاله الإرادية التي تصدر منه ,تتوقف على تصوراته وعلمه للأمور , فإذا فُسدت عليه قوة تصوره وعلمه , والتي هي مبدأ كل فعل إرادي , فسدت عليه تلك الأفعال , و حكم عليها بالكذب , فصارت أفعاله تصدر عن علم وتصور كاذب , كصدور الكلام الكاذب عن اللسان الكاذب , فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله , ولهذا كان الكذب أساس الفجور
فأول ما يسري من الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده ، ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها , كما أفسد على اللسان أقواله ، فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله فيستحكم عليه الفساد, ويترامى به داؤه إلى الهلكة , إن لم يتداركه الله بدواء الصدق يقلع تلك المادة من أصلها[4]
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
{ لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاحة والمراء وإن كان صادقاً }[43]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{لا يبلغ العبد صريح الإيمان حتى يدع المزاح والكذب ويدع المِراء وإن كان محقاً }[44]
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن من فعل ذلك يضمن له الجنة , فقال صلى الله عليه وسلم
{ أنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً } [45]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة } [46]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر وهما في الجنة }[47]
البر كلمة جامعة تدل على كل وجوه الخير ومختلف الأعمال الصالحة مما هو زائد على فعل الواجبات وترك المحرمات الأمور التي تقتضيها مرتبة التقوى فأصله التوسع في فعل الخير , فالبر اسم جامع للخيرات كلها , ويطلق على العمل الخالص الدائم ومن كانت هذه أعماله كانت مثواه الجنة , فقوله وإن البر يهدي إلى الجنة , مصداقه في كتاب الله تعالى {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ(13)}الانفطار
{إذا صدق العبد بر ، وإذا بر آمن ، وإذا آمن دخل الجنة }[48]
إن الرجل ليصدق وفي رواية ويتحرى الصدق حتى يكون صديقا وفي رواية حتى يكتب عند الله صديقاً , المراد أنه يتكرر منه الصدق حتى يستحق اسم المبالغة في الصدق
وفي هذا الحديث حث على تحري الصدق وهو قصده والاعتناء به
وفي هذه إشارة إلى أن من توقى الكذب بالقصد الصحيح إلى الصدق صار له الصدق سجية , حتى يستحق الوصف به
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{ إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً }
{ عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً }[49] ومن أراد التوسع في موضوع الكذب فليرجع موقعنا بالضغط على هذا الرابط علاج الكذب بتحري الصدق
[3]حسن أيوب 141 مع تصريف
[4] ابن القيم في الفوائد 1/152 مع تصريف
[43] أحمد 2/352 , صححه الألباني لغيره في الترغيب 2939
[44] أبي يعلى , صححه الألباني لغيره في الترغيب 2940
[45] أبو داود 4800 , حسنه الألباني في الصحيحة 273
[46] ابن ماجة 4184 , ابن حبان 5704 , صححه الألباني في الترغيب2933
[47] الطبراني في الكبير , صححه الألباني لغيره في الترغيب 2934
[48] المسند 2/176 , صحح إسناده أحمد شاكر 6641 , ضعفه الألباني في الترغيب1746
[49] البخاري 6094 , مسلم 2607