الطهارة من الربا
من الطهارات المعنوية الباطنية الصغرى الواجبة على الإنسان تحقيقها طهارة
نفسه من الربا لأن صاحبه ملعون قال صلى الله عليه وسلم
{
لعن الله الربا وآكله وموكله وكاتبه وشاهده
وهم يعلمون
آكل الربا آخذه وطاعمه ، وموكله معطيه ومطعمه ، وكاتبه الذي يكتب ما يتفقون عليه من ربا ككتابة العقود الربوية , وشاهده الذي يشهد عليه وفي معناه كل من تسبب في تصرفه
ولوعيد الله الشديد لصاحبه قال تعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)} [البقرة]
يخبر تعالى عن أكلة الربا وسوء مآلهم وشدة منقلبهم، أنهم لا يقومون من قبورهم ليوم نشورهم { إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } أي: يصرعه الشيطان بالجنون، فيقومون من قبورهم حيارى سكارى مضطربين، متوقعين لعظيم النكال وعسر الوبال، فكما تقلبت عقولهم و { قالوا إنما البيع مثل الربا } وهذا لا يكون إلا من جاهل عظيم جهله، أو متجاهل عظيم عناده، جازاهم الله من جنس أحوالهم فصارت أحوالهم أحوال المجانين، وجمهور المفسرين يرون أن التشبيه في الآية الكريمة على الحقيقة ، بمعنى أن الآية تشبه حال المرابي بحال المجنون الذي مسه الشيطان ، لأن الشسيطان قد يمس الإنسان فيصيبه بالصرع والجنون المراد تشبيه المرابي في حرصه وتحركه في اكتسابه في الدنيا بالمتخبط المصروع فالأية تصور حال المرابين في الدنيا والآخرة ، فهم في الدنيا في قلق مستمر ، وانزعاج دائم ، واضطراب ظاهر بسبب جشعهم وشرهم في جمع المال ، ووساوسهم التي لا تكاد تفارقهم وهم يفكرون في مصير أموالهم ومن يتتبع أحوال بعض المتعاملين بالربا يراهم أشبه بالمجانين في أقوالهم وحركاتهم . أما في الآخرة فقد توعدهم الله تعالى بالعقاب الشديد ، والعذاب الأليم
وأيضاً المعنى في قوله: { لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } أنه لما انسلبت عقولهم في طلب المكاسب الربوية خفت أحلامهم وضعفت آراؤهم، وصاروا في هيئتهم وحركاتهم يشبهون المجانين في عدم انتظامها وانسلاخ العقل الأدبي عنهم
فالآية الكريمة تصور المرابي
بتلك الصورة المرعبة المفزعة ، التي تحمل كل عاقل على الابتعاد عن كل
معاملة يشم منها رائحة الربا
قال الله تعالى رادا عليهم
ومبينا حكمته العظيمة { وأحل الله البيع } أي: لما فيه من عموم المصلحة
وشدة الحاجة وحصول الضرر بتحريمه، وهذا أصل في حل جميع أنواع التصرفات
الكسبية حتى يرد ما يدل على المنع { وحرم الربا } لما فيه من الظلم
وسوء العاقبة، والربا نوعان: ربا نسيئة كبيع الربا بما يشاركه في العلة
نسيئة، ومنه جعل ما في الذمة رأس مال، سلم، وربا فضل، وهو بيع ما يجري
فيه الربا بجنسه متفاضلا وكلاهما محرم بالكتاب والسنة، والإجماع على
ربا النسيئة، وشذ من أباح ربا الفضل وخالف النصوص المستفيضة، بل الربا
من كبائر الذنوب وموبقاتها { فمن جاءه موعظة من ربه } أي: وعظ وتذكير
وترهيب عن تعاطي الربا على يد من قيضه الله لموعظته رحمة من الله
بالموعوظ، وإقامة للحجة عليه { فانتهى } عن فعله وانزجر عن تعاطيه {
فله ما سلف } أي: ما تقدم من المعاملات التي فعلها قبل أن تبلغه
الموعظة جزاء لقبوله للنصيحة، دل مفهوم الآية أن من لم ينته جوزي
بالأول والآخر { وأمره إلى الله } في مجازاته وفيما يستقبل من أموره {
ومن عاد } إلى تعاطي الربا ولم تنفعه الموعظة، بل أصر على ذلك { فأولئك
أصحاب النار هم فيها خالدون } اختلف العلماء رحمهم الله في نصوص الوعيد
التي ظاهرها تخليد أهل الكبائر من الذنوب التي دون الشرك بالله،
والأحسن فيها أن يقال هذه الأمور التي رتب الله عليها الخلود في النار
موجبات ومقتضيات لذلك، ولكن الموجب إن لم يوجد ما يمنعه ترتب عليه
مقتضاه، وقد علم بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة أن التوحيد والإيمان
مانع من الخلود في النار، فلولا ما مع الإنسان من التوحيد لصار عمله
صالحا للخلود فيها بقطع النظر عن كفره.
ثم قال تعالى: { يمحق الله
الربا } أي: يذهبه ويذهب بركته ذاتا ووصفا، فيكون سببا لوقوع الآفات
فيه ونزع البركة عنه، وإن أنفق منه لم يؤجر عليه بل يكون زادا له إلى
النار { ويربي الصدقات } أي: ينميها وينزل البركة في المال الذي أخرجت
منه وينمي أجر صاحبها وهذا لأن الجزاء من جنس العمل، فإن المرابي قد
ظلم الناس وأخذ أموالهم على وجه غير شرعي، فجوزي بذهاب ماله، والمحسن
إليهم بأنواع الإحسان ربه أكرم منه، فيحسن عليه كما أحسن على عباده {
والله لا يحب كل كفار } لنعم الله، لا يؤدي ما أوجب عليه من الصدقات،
ولا يسلم منه ومن شره عباد الله { أثيم } أي: قد فعل ما هو سبب لإثمه
وعقوبته.
لما ذكر أكلة الربا وكان من المعلوم أنهم لو كانوا مؤمنين إيمانا ينفعهم لم يصدر منهم ما صدر ذكر حالة المؤمنين وأجرهم، وخاطبهم بالإيمان، ونهاهم عن أكل الربا إن كانوا مؤمنين، وهؤلاء هم الذين يقبلون موعظة ربهم وينقادون لأمره، وأمرهم أن يتقوه، ومن جملة تقواه أن يذروا ما بقي من الربا أي: المعاملات الحاضرة الموجودة، وأما ما سلف، فمن اتعظ عفا الله عنه ما سلف، وأما من لم ينزجر بموعظة الله ولم يقبل نصيحته فإنه مشاق لربه محارب له، وهو عاجز ضعيف ليس له يدان في محاربة العزيز الحكيم الذي يمهل للظالم ولا يهمله حتى إذا أخذه، أخذه أخذ عزيز مقتدر { فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) }
أي : فإن لم تتركوا الربا
وأخذتم منه شيئاً بعد نهيكم عن ذلك ، فكونوا على علم ويقين بحرب كائنة
من الله تعالى ورسوله ، ومن حاربه الله ورسوله لا يفلح أبدا
{ وإن تبتم }
أي : وإن تبتم عن التعامل
بالربا الذي يوجب الحرب عليكم من الله ورسوله ، فلكم رءوس أموالكم أي
أصولها بأن تأخوذها ولا تأخذوا سواها ، ولا
تكونون ظالمين لغرمائكم ولا
يكونون ظالمين لكم ، لأن من أخذ رأس ماله بدون كان مقسطاً ومتفضلا ،
ومن دفع ما عليه بدون إنقاص منه كان صادقا في معاملته
ثم أمر الله تعالى الدائنين أن يصبروا على المدينين الذين لا يجدون ما يؤدون منه ديونهم فقال تعالى :
{ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ
فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ } .
والمعنى وإن وجد مدين معسر
فأمهلوه في أداء دينه إلى الوقت الذي يتمكن فيه من سداد ما عليه من
ديون ، ولا تكونوا كأهل الجاهلية الذين كان الواحد منهم إذا كان له دين
على شخص وحل موعد الدين طالبه بشدة وقال له : إما أن تقضي وإما أن تربي
أي تدفع زيادة على أصل الدين
وهذا واجب عليه أن ينظره حتى يجد ما يوفي به { وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون } إما بإسقاط الدين عنه أو اسقاط بعضه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : " من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة " .
{ واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون }
.