طهارة النفس من الخيلاء
من الطهارات المعنوية الباطنية الصغرى الواجبة على الإنسان تحقيقها طهارة نفسه من الخيلاء
فالإنسان يجب عليه أن يمنع نفسه من مهالك العجب والعظمة لقوله صلى الله
عليه وسلم { لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر منه العجب } ([10])
عليه أيضاً أن يطهر نفسه من الخيلاء سواء كان الاختيال في المشي أو
الملبس ومن لم يطهر نفسه من ذلك يعاقب عواقب وخيمة قال صلى الله عليه
وسلم { بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل رأسه يختال في مشيته إذ
خسف الله به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة } ([11])
قال صلى الله عليه وسلم {من تعظم في نفسه أو اختال في مشيته لقي الله
تبارك وتعالى وهو عليه غضبان } ([12])
وقال صلى الله عليه وسلم {من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم
القيامة فقال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا
أن أتعاهده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لست ممن يفعله
خيلاء } ([13])
وقال صلى الله عليه وسلم { لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره
بطرا } ([14])
وقال صلى الله عليه وسلم { إياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن
الله لا يحب المخيلة } ([15])
فبين النبي صلى الله عليه وسلم الفرق بين من يلبس ملابس عجب وخيلاء
وتعالي ويتعاظم في نفسه ويزدري بها الناس وبين الذي يلبس ملابس حسنة
ليكون مظهره حسن أو يحب الأناقة في مظهره ولبسه فقد { جَاءَ رَجُلٌ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي حُبِّبَ إِلَيَّ الْجَمَالُ، فَمَا أُحِبُّ
أَنْ يَفُوقَنِي أَحَدٌ فِيهِ بِشِرَاكٍ, أَفَمِنَ الْكِبْرِ هُوَ؟
قَالَ لَا إِنَّمَا الكِبْرُ مَنْ سَفِهَ الحق، وغَمَصَ الناس} ([16])
والفرق بين من أسبل ثوبه تحت الكعبين دون أن يقصد التفاخر والتعالي
والمخيلة فإن هذا لا يقع في الوعود الشديدة التي جاءت في حق أصحاب
الكبر والخيلاء لكنه يعرض نفسه لحرق جزء من رجله الذي يغطى بالثوب من
دون الكعبين في النار قال صلى الله عليه وسلم{ما أسفل من الكعبين في
النار } ([17])
{ إن كنت عبد الله فارفع إزارك } وفي هذا دلالة ظاهرة على أنه يجب على
المسلم أن لا يطيل إزاره إلى ما دون الكعبين ، بل يرفعه إلى ما فوقهما،
وإن كان لا يقصد الخيلاء، فعليه اتباع أمر رسول الله صلى الله { إزرة
المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه ما بينه وبين الكعبين وما أسفل من
الكعبين في النار ويقول ثلاثا لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا } ([18])
فينبغي للرجل إن يطهر نفسه من إطالة الثوب إلى ما تحت الكعبين حتى لا
يعرض نفسه للعذاب الذي قد يزداد إذا اقترن مع الإطالة قصد الخيلاء
لاشتد الإثم
وما ينطبق على الثوب ينطبق على البنطلون أو الإزار
أما المرأة فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للنساء أن يرخين ذيولهن
وأن يزدن شبرا لكي لا تنكشف أقدامهن بريح أو غيرها
والذي يريد أن يطهر نفسه من العجب والخيلاء والبطر والإسبال في ملابسه
عليه أن يعرف الفرق بين لباس المتواضعين في أناقتهم وحسن منظرهم وبين
ما استحدثته الحضارة والجري وراء الموضات من أزياء كثيرة دالة على
الخيلاء والتفاخر والتي هي أكثر خطراً وضرراً من إطالة الثياب وإسبالها
كأشكال الثياب وأصنافها وأنواعها وما يبذل في الحصول عليها من أموال
كثيرة إسرافاً وتبذيراً بقصد التفاخر والتعاظم والخيلاء للنساء والرجال
وأن كثر عند النساء
فإن الذي لا يفرق بين لباس يظهر حسن مظهره وبين لباس يوقعه آثام الفخر
والاختيال يجد نفسه تجري وراء التسابق العنيف في ميدان ما استحدثته
الموضة من أشكال وأنواع وأصناف لا تلبث قليلاً حتى تمسي قديمة ملغاة
غير صالحة للظهور بها في الحفلات والمجتمعات وربما نجد الفقيرة منهن
تملك في خزانتها من الثياب ما يكفيها سنوات عديدة وتحاول جهدها وبأية
وسيلة أن تسابق في ميدان التفاخر والتكاثر لتساير أحدث المبتكرات
وتتفاخر بامتلاك شيء منها وتجاري جاراتها وصديقاتها وثريات بيئتها
وتحمل ولي أمرها عنتاً
شديداً لترضي غرورها ونزوعها إلى التفاخر على صواحبها وهذه من الأمور
التي قد تدفع الرجال إلى اكتساب الأموال من غير الطرق التي أذن الله
بها والسبب في ذلك كله دافع الكبر وحب الاستعلاء ولذا نهى الإسلام عن
التفاخر على أي وجه كما قال صلى الله عليه وسلم { إن الله أوحى إلي أن
تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد } ([19])
وقال تعالى {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي
الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
(18) } [لقمان]
تصعير الخد للناس هو إمالة الوجه عنهم على سبيل الإعراض عن استكبار
وأصل الصعر ميل في الوجه إلى أحد الشقين وفي كلام العرب صعر فلان خده
إذا أماله من الكبر
ويدخل في ظاهرة تصعير الخد كل إعراض عن الناس على سبيل الكبر سواء كان
ذلك في الخد أو في الوجه كله أو في الجسم كله لأن المعنى في كل ذلك
واحد منهياً عنه
وأما المشي في الأرض على وجه المرح والاختيال استكباراً على
الناس وافتخاراً وتعالياً عليهم فهو عمل يبغضه الله
فإن الله لا يحب كل فخور على الناس مستكبر عليهم بمشيته بينهم أو
بإعراضه عنهم ولا يحب كل فخور على الناس بنفسه أو بما أتاه الله من قوة
أو مال أو نسب أو جاه أو ذكاء قلب أو جمال وجه وحسن طاعة
{وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ
مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) } [الحديد]
فعلى الإنسان أن يطهر نفسه من الخيلاء والتصعير للناس بل يطلق لهم وجهه
ويقبل عليهم بالابتسامة وحسن اللقاء ويكون في مشيه وخاصة للناس هوناً
ليدل على تحليه بأعظم الصفات صفات العبودية لله {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ
الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا } [الفرقان]
[10]
صححه الألباني في صحيح الرغيب 2918
[11]
رواه البخاري ومسلم
[12]
رواه البخاري ومسلم
[13]
الألباني في الصحيحة
1109 رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح
[14]
صححه الألباني في
الصحيحة 1626 في تعليقه على صحيح ابن حبان
[15]
البخاري
[16]
صححه الألباني في
المشكاة 4331
[17]
صححه الألباني في
الصحيحة 570
[18]
رواه مسلم
[19]
صححه الألباني
في الترغيب 2230 رواه الطبراني ولا بأس بإسناده في
المتابعات