المنقادون المهجعون المستغفرون المعطون المحتاجون
من صفات المتقين أنهم منقادون لربهم يقضوا ليلهم قانتون مستغفرون بالأسحار مخصصين من مالهم نصيباً للمحتاجين
وبذلك هم محسنين مع تقواهم قال تعالى {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) } [الذاريات]
أن هؤلاء المتقين المحسنين الممدوحين من الله تعالى هذا المدح العظيم ، لأنهم عرفوا حق الله عليهم فأدوه بإحسان وإخلاص وعرفوا حق الناس عليهم فقدموه بكرم وسخاء على النحو التالي
منقادون لربهم
المتقين في الدنيا هم الآخذون ما آتاهم الله من الأوامر والنواهي
1- يتلقوها بالرحب وانشراح الصدر
2- منقادين لما أمر الله به وممتثلين لأوامره على أكمل الوجوه منقادين لما نهى الله عنه
فإنهم يروا أن الأوامر والنواهي هي نعمة من الله وأنها أفضل العطايا التي أعطاها الله للعباد والتي تستحق أن تُتلقى بالشكر لله عليها
فالذي يريد أن يكون من المتقين عليه أن يعمل بما بلغه من شرع الله
محسنين لله وعباده
المتقون لمحققون التقوى هنا هم تقواهم محسنون في الدنيا وإحسانهم يشمل
1- إحسان بعبادة ربهم وإحسان إلى عباد الله ببذل النفع لهم كأنهم يروا الله أمامهم يحضر كل معاملة يأتوا بها سواء في فيما يخص الله أو فيما يخص الآخرين
2- إحسان إلى الله بالطاعة وإلى عباده ببذل النفع لهم
وهم مستحضرين أن الله العليم الخبير يراهم ويبصر تصرفاتهم فهم في منزلة عظيمة تجمع بي التقوى والإحسان فهم المتقين الذين يحسنون للخلق والخالق وهم يخشون الله كأنهم يرونه فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم
فالذي يريد أن يكون من المتقين أصحاب الإحسان عليه أن يستحضر اطلاع الله عليه في كل عباداته
يهجعون بالليل
المتقون المحسنون في عبادة الخالق يحيون ليلهم بالقيام بين يدي رب العالمين بصلاة الليل الدالة على الإخلاص وتواطؤ القلب واللسان فنومهم بالليل قليل لأن أكثر ليلهم هم فيه قانتون لربهم، ما بين صلاة، وقراءة، وذكر، ودعاء، وتضرع.
فالمتقون المحسنون يكابدون الليل بالعبادة في أوقات الراحة وسكون النفس ولا يستريحون من مشاق النهار إلا قليلاً
فالذي يريد أن يكون من المتقين عليه أن يعطي لنفسه المجال للعبادة بالليل
مستغفرون بالأسحار
إنهم مع قلة هجوعهم وكثرة تهجدهم يداومون على الاستغفار في الأسحار كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم ولم يتفرغوا فيه للعبادة
إن المتقين المحسنين في وقت السحر وهو الجزء الأخير من الليل قبيل الفجر هم فيه يستغفرون الله تعالى، يمدوا صلاتهم إلى السحر، ثم يجلسوا في خاتمة قيامهم بالليل، يرفعون أكف الضراعة إلى الله تعالى يستغفرونه يشعرون أنهم مقصرون في حق الله من العبادة
أنهم يتهجدون ويجتهدون, يريدون أن يكون عملهم أكثر من ذلك ، وأخلص منه ، ويستغفرون من التقصير ، وهذه سيرة الكريم يأتي بأبلغ وجوه الكرم ويستقله ، ويعتذر من التقصير ، إنهم ليسوا ممن يأتي بالقليل ويستكثره بل إنهم يستغفرون مما فرط منهم من ذنوب استغفار المذنب لذنبه، ويلتمسون منه تعالى قبول توبتهم وغسل حوبتهم
وللاستغفار بالأسحار، فضيلة ليست لغيره، كما قال تعالى في وصف أهل الإيمان والطاعة وهو يمدحهم {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ }
فمدحهم بالهجوع ولم يمدحهم بكثرة السهر مع أنه سهر لله تعالى لأن الهجوع يورثهم الاشتغال بالاستغفار في الأسحار ويمنعهم من الإعجاب بأنفسهم ومن الاستكبار وفيه المزيد لخشيتهم وعدم اغترارهم بعبادتهم
فالذي يريد أن يكون من المتقين عليه أن يعطي لنفسه حظ ونصيب للاستغفار بالأسحار
يعطون المال للمحتاجين
المتقون المحسنون يوجبون على أنفسهم في أموالهم حقا للسائل والمحروم تقربا إلى الله سبحانه بمقتضى ما جبلوا عليه من كرم وسخاء
فيروا أن في مالهم حق واجب ومستحب للمحتاجين الذين يطلبون من الناس وهم السائلين والذين لا يطلبون منهم وهم المتعففون عن السؤال رغم حاجتهم الذين يحسبهم الناس أغنياء
فالذي يريد أن يكون من المتقين عليه أن يعطي المال لسائلين والمتعففين المحتاجين الذين لا يلحوا في السؤال
فمن حقق صفات المتقون المذكورون في هذا القسم كان من المتقين المحسنين كما وصفهم الله رب العالمين