إحسان خيالي كأنه يرى الله في عبادته
الإحسان الذي يعالج النفس لله بالخيال الإيجابي المبني
على العلم والمعرفة يؤدي بالنفس إلى النجاة من عذاب الله والفوز بالجنة
بخلاف الخيال السلبي المبني على الجهل والوهم الذي يؤدي بصاحبه إلى استغضاب
الله والوقوع في عذابه
والإحسان التخيلي الإيجابي منه إحسان تخيلي ترغيبي عندما
يستحضر المحسن ويتصور في مخيلته نعيم الأخرة
فسيدفع به هذا التخيل إلى الإسراع بالعمل الصالح الذي
يتقرب به إلى الله
ومنه ما هو إحسان تخيلي ترهيبي عندما يستحضر المحسن عذاب
الله الشديد يوم القيامة ونار الجحيم التي فيها العذاب الأليم فيدفع به هذا
الترهيب لوقاية نفسه من النار
ويكون تحقيق ذلك على النحو التالي
إحسان تخيلي ترهيبي من التقصير في عبادة الله
الإنسان الذي يريد تحقيق الإحسان عندما يعلم أن العبد
سيلاقي ربه تعالى يوم القيامة فيقول له {أَلَمْ أُكْرِمْكَ أَلَمْ
أُسَوِّدْكَ} { أَلَمْ أُسخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ؟ أَلَمْ
أَذَرْكَ تَرْأَسُ وتَرْبَع:؟ أَلَمْ أُزَوِّجك فُلَانَةَ ـ خَطَبَها
الخُطَّاب فَمَنَعْتُهُمْ وزَوَّجْتُكَ ـ)؟ أفكنت تظن أنك ملاق يومك هذا ؟
فيقول لا فيقال اليوم أنساك كما نسيتني } أي اليوم أتركك في العذاب أنساك
في العذاب كما نسيتني
إن الإنسان الذي يريد تحقيق الإحسان عندما يعلم بهذا تجده
يخشى أن ينساه الله ويخسر أخراه وسيكون في هذه الدنيا في ذكراه ولا يَبعد
من خياله أنه يلقاه وسائله في أعماله وعن مقاصده ومبتغاه
{دخل شفيا الأصبحي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس فقال من هذا قالوا أبو هريرة قال فدنوت
منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس فلما سكت وخلا قلت له أسألك بحق وبحق
لما حدثتني حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقلته وعلمته
فقال أبو هريرة أفعل لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
عقلته وعلمته ثم نشغ أبو هريرة نشغة ( إي جرع جرعةً أغمي عليه فيها )
فمكثنا قليلا ثم أفاق فقال لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره ثم نشغ أبو هريرة نشغة
أخرى ثم أفاق ومسح عن وجهه فقال أفعل لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره ثم نشغ أبو
هريرة نشغة شديدة ثم مال خارا على وجهه فأسندته طويلا ثم أفاق فقال حدثني
رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى
العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية فأول من يدعى به رجل جمع القرآن ورجل قتل
في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول الله عز وجل للقارئ ألم أعلمك ما أنزلت
على رسولي قال بلى يا رب قال فما عملت فيما علمت قال كنت أقوم به آناء
الليل وآناء النهار فيقول الله عز وجل له كذبت وتقول له الملائكة كذبت
ويقول الله تبارك وتعالى بل أردت أن يقال فلان قارئ وقد قيل ذلك
ويؤتى بصاحب المال فيقول الله عز وجل ألم أوسع عليك حتى
لم أدعك تحتاج إلى أحد قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما آتيتك قال كنت
أصل الرحم وأتصدق فيقول الله له كذبت وتقول الملائكة كذبت ويقول الله تبارك
وتعالى بل أردت أن يقال فلان جواد وقد قيل ذلك
ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له في ماذا قتلت
فيقول أي رب أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول الله له كذبت
وتقول الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذلك ثم
ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال يا أبا هريرة أولئك
الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة
ودخل شفيا على معاوية فأخبره بهذا عن أبي هريرة فقال
معاوية قد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس ثم بكى معاوية بكاء شديدا
حتى ظننا أنه هالك وقلنا قد جاء هذا الرجل بشر ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه
وقال صدق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ
فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي
الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ (16) } [هود]
أبو هريرة وهو يستحضر ما أخبره به النبي صلى الله عليه
وسلم من عظم هذا الأمر يغشى عليه من هول الأمر وهو يستحضره
إن الإنسان الذي تعلم القرآن وجوده وحسُن به صوته ويسعده
أن يتحدث الناس عن حسن صوته وجماله ويسمع بحديث أبو هريرة هذا وحالة
الأغماء التي كانت تصيب أبا هريرة عند استحضاره لهذا الأمر العظيم عند
الإخبار به
وعندما يستحضر هذا القارئ للقرآن ويدور في مُخيلته تصوير
لهذه المحكمة الربانية يرى فيها الله تعالى وهو يقول له كذبت فقد تعلمته
ليقال عنك قارئ وقد قيل
عند استحضار القارئ لهذا الأمر كما استحضره أبا هريرة لا
يستطيع أن يكون هو الذي يرى الله العظيم يوبخه ويهينه وتكرر عليه الملائكة
التوبيخ والإهانة ويستحضر في خياله أنه يرى الله تعالى يأمر الملائكة أن
يسحبوه على وجهه ليروموا به في جهنم لتسعر به النار
عند ذلك لا يتحمل القارئ أن يتخيل أنه يكون هو الذي ينال
هذا العذاب المهين لكونه في الدنيا أُعجب وانبهر بسمعته عند الناس
وسيجدد نيته بتحسين صوته لله ولا ينتظر سمعة وعجب له عند
الناس
فيكون تخيُلُه الترهيبي هنا المبني على العلم والمعرفة
وهو يستحضر أنه يرى الله تعالى يسأله فيما تعلم القرآن سبباً في إحسانه
وإخلاصه لله الذي يحميه من الهول وسيحسن الطاعة لله في كل عمل وسيقصد بكل
أعماله وجه الله فقط
إن الإنسان الذي يخرج للجهاد في سبيل الله ويريد أجر
الشهادة ويستحضر في ذهنه أنه سيقف بين يدي الله تعالى يسأله فيمن قاتل هل
هذا الإنسان سيسمح لنفسه أن يبتغي مع الشهادة المكانة عند الناس وذكره
بالشجاعة أو المقدام لا بل يكون حريصاً كل الحرص أن يقصد بجهاده وشهادته
وجه الله دون سواه لأنه يعلم { أن الله لا يقبل من العمل إلا ما ابتغي به
وجه } ولعلمه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل { عن الرجل يقاتل شجاعة
ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله قال من قاتل لتكون كلمة الله
هي العليا فهو في سبيل الله }
وفي رواية { قاتل ليذكر ويقاتل ليغنم ويقاتل ليرى مكانه
فمن في سبيل الله قال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله
عز وجل }
فالإنسان عندما يتخيل أنه يرى الله تعالى سيسأله وسيجزيه
على فعله سيبذل كل جهده للنجاة من هذا الأمر المخيف وسيكون تخيله الإيجابي
هنا المبني على العلم والمعرفة يرهبه من عواقب إفساد النيات في المقاصد
بالأعمال فيؤدي به هذا إلى الإحسان في الإخلاص لله
وإن الإنسان الذي عنده مال عندما يستحضر في مخيلته أنه
يرى الله العظيم وهو يسأله ماذا عمل بالمال الذي غناه الله به عن الاحتياج
إلى أحد ويستحضر أنه هو الذي في مكانة هذا الرجل الذي أخبر به أبا هريرة
ويستحضر في خياله أنه يرى الله وهو يقول له كذبت وتقول الملائكة كذبت ويقول
الله تبارك وتعالى بل أردت أن يقال فلان جواد وقد قيل ذلك ثم يأمر الله
الملائكة أن يسحبه على وجهه لعذاب الجحيم
إن الإنسان عندما يستحضر هذا في مخيلته يكون تخيله هذا
إيجابي ترهيبي يدفع به لحفظ نفسه من التوبيخ والعذاب المخيف وعند ذلك ينفق
في كل أبواب الخير الموصولة لله
إن الإنسان الذي يريد تحقيق الإحسان في عبادة الله إنسان
صادق مستحضر الله ويخشاه ويخاف من النفاق وعقباه ولا يقربه ويعلم أن
المنافق وإن استطاع أن يخدع الناس لكنه لا يخدع الله المطلع على قلبه وقصده
وسُينطق عليه بدنه بما عمل
إن الإنسان عندما يستحضر في مخيلته مشهد من مشاهد يوم
القيامة عندما يلاقي العبد ربه الذي خلقه فَيعرفه الله بنعمه عليه ويقول له
{ فَمَاذَا أعددتَ لِي؟ فَيَقُولُ: آمنتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرَسُولِكَ
وصدَّقْتُ وصليت وصُمْتُ فيقول: فههنا إِذًا ثُمَّ يَقُولُ: أَلَا نَبْعَثُ
عَلَيْكَ قَالَ: فيُفَكِّرُ فِي نَفْسِهِ مَنْ هَذَا الَّذِي يَشْهَدُ
عَلَيَّ ؟ : وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ الَّذِي يَغْضَبُ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ فيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ ويُقال
لِفَخِذِهِ: انْطِقِي فتنطِقُ فَخِذُهُ وَعِظَامُهُ وَعَصَبُهُ بِمَا كَانَ
يَعْمَلُ }