الاحسان من الصفات التي يحبها الله تعالى ويحب من تخلق
بها من بني آدم ولهذا قال { وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)}
[المائدة] ومحبة الله للعبد عبارة عن رضاه عنه وارادة الخير به فهي مبدأ
لكل سعادة
والله تعالى المحسن الذي يحب الإحسان بين أن الناس عموماً
تنقسم قسمين منهم {مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) }
[الصافات]
القسم الأول أحسن لنفسه بإسلامه
والقسم الثاني ظلم نفسه بكفره وشركه
القسم الأول الذي أحسن لنفسه بالإسلام على أصناف ثلاثة
الصنف الأول محسن في طاعته لله وظالم للخلق
الصنف الثاني محسن للخلق وظالم لنفسه بتقصيره في حق الله
الصنف الثالث محسن في طاعته لله ومحسن للخلق
وهذ الصنف هو أفضل الناس في الإحسان لأن صاحبه حقق
الإحسان في حق الله وفي حق الأخرين
وهذا الذي نسعى جميعاً لتحقيقه طمعاً في أن نكون من
المكرمين بمحبة الله وقد قال تعالى {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ (195)} [البقرة] فالله تعالى يوجهنا للإحسان العام الذي
يشمل جميع أنواع الإحسان، لأنه لم يقيده بشيء دون شيء، فيدخل فيه الإحسان
للآخرين سواء بالمال أو الإحسان بالجاه، أو الإحسان بالشفاعات أو الإحسان
بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الإحسان بتعليم العلم النافع أو
الإحسان بقضاء حوائج الناس، من تفريج كرباتهم وإزالة شداتهم، وعيادة
مرضاهم، وتشييع جنائزهم، وإرشاد ضالهم ونحو ذلك، مما هو من الإحسان الذي
أمر الله به للآخرين
والإحسان في عبادة الله الخاصة به التي لا يأُتي بها إلا
لله كالصلاة والصيام والحج
والتوبة
ويكون هذا الإحسان على النحو الذي وضحه النبي صلى الله
عليه وسلم غاية الوضوح بقوله {الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن
تراه، فإنه يراك}
وخلق الإنسان المؤدب المحسن لوالديه عندما يرى أبوه أمامه
وقد تربى تربية حسنة تجده يقدر أباه ويوقره ويستحي أن يخطئ أمامه أو يرتكب
أمر قد نهاه عنه أو يفعل أمر قبيح في حضرته
بل إن كثير من الذين يجترفوا إثم كالدخان مثلاً يجد
المدخن نفسه في حياء أمام أبوه فيستحي أن يدخن وهو يرى أباه أمامه حتى ولو
كان يعرف أن أباه على علم بتدخينه
فما بالك بالإنسان عندما يستحضر أنه يرى ربه أمامه ولله
المثل الأعلى والأعظم إن فطرة
هذا الإنسان وهو يستحضر أن الله أمامه يجد حيائه أعظم لله وخوفه أشد منه
بخلاف صاحب الغفلة الذي لا يستحضر أنه يرى الله أمامه أو يستحضر أن الله
يراه فإنه ينحرف عن الجادة
فالإنسان الذي
يريد أن يكون من المحسنين عليه أن يستحضر في مخيلته أنه يرى ربه أمامه فعند
ذلك لا يصدر منه ما يعيبه ولو قام في عبادة لم يترك شيئا مما يقدر عليه من
الخضوع والخشوع وحسن السمت إلا اعتنى بها وأتى بها على أحسن وجه
وعندما يستحضر أيضاً مع ذلك أن الله يراه ومطلع على نجواه
سيكون عند ذلك مراعياً لحقوق الله تعالى ومراقبته ومستحضراً لعظمته وجلالته
حال كل العبادات سواء الخاصة بحق الله تعالى أو الخاصة بحقوق الآخرين التي
أوجبها الله عليه
فالإنسان الذي يريد أن يكون محسناً لنفسه في التحلي بمحبة
الله هو الذي يسلك السلوك الطيب الحسن مع خالقه ومع الآخرين
أي محققاً للإحسان الذي معناه الإتقان والجودة
في حق الله بحسن طاعته وعبادته
وفي حق المخلوقين ببذل النفع الديني والدنيوي لهم
والنبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل قد بين لنا
مراتب الدين الثلاثة وهي
مرتبة الإسلام التي هي أعمال ظاهرة أعمال الجوارح
ومرتبة الإيمان التي هي أعمال باطنة أعمال القلوب
ومرتبة الإحسان والتي هي عبادة الله كأنك تراه فإن لم تكن
تراه فإنه يراك
فبين بذلك لنا صلى الله عليه وسلم أن مرتبة الإحسان هي
أعلى هذه المراتب أي أن مرتبة الإحسان أعلى مراتب الدين وهذه المرتبة تجمع
بين الحقيقة والخيال في إحسان أنفسنا لله وللآخرين