الصفحة الرئيسية السلوك الإيمان الإدمان وعلاجه  
سلوك الناصح

ألا أخبركم بأمر إذا فعلتموه أدركتم من فاتكم وفتم من بعدكم

 

ألا أخبرك

ألا أخبر برأس الأمر وعموده وذروة سنامه وملاك ذلك كله

ألا أخبركم بأمر إذا فعلتموه أدركتم من قبلكم وفتم من بعدكم

{ ألا أخبركم بأمر إذا فعلتموه أدركتم من قبلكم وفتم من بعدكم ؟ تحمدون الله في دبر كل صلاة وتسبحونه وتكبرونه ثلاثا وثلاثين وثلاثا وثلاثين وأربعا وثلاثين }([1])      

هذا الخبر الذي نحبر به يتضمن عدة حقائق

الحقيقة الأولى أن هناك صدقات غير مالية

الحقيقة الثانية أن الصدقات الغير مالية تفوق الصدقات المالية في الأجر

الحقيقة الثالثة أن الصدقات الغير مالية نوعان

أخدهما ما كان نفع الصدقات الغير مالية فيها قاصرة على فاعلها

والثانية ما كان من الصدقات الغير مالية نفعها متعدي الإحسان فيها للآخرين

الحقيقة الرابعة أن الصدقات الغير مالية القاصر نفعها على صاحبها أن أتيا بها بصفة معينة وفي توقيت معين يكون قد أتى من الأعمال ما يلحق به من سبقوه ولا يلحق به من بعده إلا من عمل مثله أو زاد عليه وهي سبحان الله ثلاثا وثلاثين والحمد لله ثلاثا وثلاثين والله أكبر أربعا وثلاثين وذلك بعد انتهاء الصلاة 

عن أبي ذر قال قلت { يا رسول الله سبقنا أصحاب الأموال والدثور سبقا بينا ، يصلون ويصومون كما نصلي ونصوم وعندهم أموال يتصدقون بها وليست عندنا أموال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أخبرك بأمر إذا فعلتموه أدركتم من قبلكم وفتم من بعدكم , تسبح خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمد ثلاثا وثلاثين وتكبر أربعا وثلاثين }

تُسَبِّحُونَ دُبُر كُلّ صَلَاة أي بَعْد السَّلَام

عن أبي هريرة قال جاء الفقراء ( فقراء المهاجرين وهم أهل الصفة ) إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا { ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ولهم فضلٌ من أموال يحجون بها ويعتمرون ، ويجاهدون ويتصدقون ، قال { ألا أحدثكم بما إن أخذتم به أدركتم من سبقكم ، ولم يدركم أحدٌ بعدكم ، وكنتم خير ممن أنتم بين ظهرانيهم ، إلا من عمل مثله ، تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة }

نسبح ثلاثاً وثلاثين ، ونحمد ثلاثاً وثلاثين ، ونكبر أربعاً وثلاثين

{ أهل الدثور }

الدثور جمع دَثر ، وهو المال الكثير

وفي الحديث دليل على قوة رغبة الصحابة رضي الله عنهم في الأعمال الصالحة الموجبة للدرجات العلى والنعيم المقيم ، فكانوا يحزنون على العجز عن شيءٍ مما يقدر عليه غيرهم

فكان الفقراء يَحزَنُونَ على فواتِ الصَّدقة بالأموال التي يَقدِرُ عليها الأغنياء، ويحزنون على التخلُّف عن الخروجِ في الجهاد , لعدم القدرة على آلاته

فلذلك كان الفقراء إذا رأوا أصحاب الأموال يحجون ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون وينفقون حزنوا على عجزهم عن ذلك ، وتأسفوا على امتناعهم من مشاركتهم فيه ، وشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فدلهم النبي صلى الله عليه وسلم على عمل ، إن أخذوا به أدركوا من سبقهم ، ولم يدركهم أحدٌ بعدهم ، وكانوا خير من هم بين ظهرانيهم ، إلا من عمل مثله ، وهو التسبيح والتحميد والتكبير خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ثلاثاً وثلاثين وأربعاًً وثلاثين.

وهذه الأذكار من الصدقات العير مالية

لأنَّ الفقراء ظنُّوا أنْ لا صدقةَ إلاَّ بالمال ، وهم عاجزون عن ذلك ، فأخبرهُم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ جميعَ أنواع فعلِ المعروف والإحسّان صدقة

يُؤَيِّد الْمَعْنَى ما جاء عن أبي ذر رضي الله عنه { أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم. قال: أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون: إن لكم بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بُضع أحدكم صدقة. قالوا يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر } ([2])

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أنه قَالَ { لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ أَهْل الْأَمْوَال بِالْأَجْرِ ، ، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ فِيك صَدَقَةً كَثِيرَةً فَذَكَرَ فَضْل سَمْعِك وَفَضْلَ بَصَرِك قَالَ وَفِي مُبَاضَعَتِك أَهْلَك صَدَقَةٌ ، فَقَالَ أَبُو ذَرّ أَيُؤْجَرُ أَحَدُنَا فِي شَهْوَتِهِ ؟ قَالَ أَرَأَيْت لَوْ وَضَعْته فِي غَيْر حِلٍّ أَكَانَ عَلَيْك وِزْرٌ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ أَفَتَحْتَسِبُونَ بِالشَّرِّ وَلَا تَحْتَسِبُونَ بِالْخَيْرِ }

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ { قُلْت يَا رَسُول اللَّه ذَهَبَ الْأَغْنِيَاء بِالْأَجْرِ يُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ وَيَحُجُّونَ ، قَالَ وَأَنْتُمْ تُصَلُّونَ وَتَصُومُونَ وَتَحُجُّونَ ، قُلْت يَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ ، قَالَ وَأَنْتَ فِيك صَدَقَةٌ رَفْعُك الْعَظْمَ عَنْ الطَّرِيق صَدَقَةٌ وَهِدَايَتُك الطَّرِيقَ صَدَقَةٌ ، وَعَوْنُك الضَّعِيفَ بِفَضْلِ قُوتِك صَدَقَةٌ ، وَبَيَانُك عَنْ الْأَرْتَم [ هُوَ الَّذِي لَا يُفْصِح الْكَلَامَ وَلَا يُبَيِّنُهُ ] صَدَقَةٌ ، وَمُبَاضَعَتُك اِمْرَأَتَك صَدَقَةٌ }

وفي هذا الحديث فضيلة التسبيح وسائر الأذكار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وقوله وأمر بالمعروف صدقة ونهي المنكر صدقة

إشارة إلى ثبوت حكم الصدقة في كل فرد من أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وأما قوله في بضع أحدكم صدقة

البضع يطلق على الجماع وعلى الفرج نفسه وكلاهما يصح إرادته ها هنا، فالجماع يكون عبادة إذا نوى به الإنسان قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف أو طلب ولد صالح أو إعفاف نفسه أو زوجته أو غير ذلك من المقاصد الصالحة.

ومما سبق يتضح أن الصدقة بغير المال نوعان :

أحدهما : ما فيه تعدية الإحسّان إلى الخلق

وثانيهما ما كان نفعه قاصر على فاعله

النوع الأول الصدقات الغير مالية المتعدية الإحسّان إلى الخلق ، وهي ما كانت صدقةً عليهم ، وربما كانت أفضلَ من الصدقة بالمال ، وهذا كالأمر بالمعروف ، والنَّهي عن المنكر ، فإنَّه دُعاءٌ إلى طاعة الله ، وكفٌّ عن معاصيه ، وذلك خيرٌ من النَّفع بالمال

وكذلك تعليمُ العلم النافع ، وإقراءُ القرآن ، وإزالةُ الأذى عن الطريق ، والسعيُ في جلب النفع للناس ، ودفعُ الأذى عنهم ، وكذلك الدُّعاءُ للمسلمين والاستغفارُ لهم

ومن أنواع الصدقة  كفُّ الأذى عن النَّاسِ ، فعن أبي ذرٍّ قال قلت يا رسول الله ، أرأيتَ إنْ ضَعُفْتُ عن بعض العمل ؟ قالَ { تكفُّ شرَّك عَن النَّاس ، فإنَّها صدقةٌ }

وقد رُوِيَ في حديث أبي ذرٍّ زياداتٌ أخرى عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ { تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقةٌ، وأمرُك بالمعروف، ونهيُك عن المنكر صدقةٌ ، وإرشادُك الرَّجُلَ في أرض الضَّلال لك صدقةٌ ، وإماطتُك الحجرَ والشَّوكَ والعظمَ عن الطَّريق لك صدقةٌ ، وإفراغُكَ من دلوِكَ في دلوِ أخيكَ لك صدقة }

وعن أبي ذرٍّ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لَيْسَ من نفسِ ابنِ آدم إلاَّ عليها صدقةٌ في كلِّ يوم طلعت فيه الشَّمسُ } قيل يا رسول الله ، ومن أين لنا صدقة نتصدَّقُ بها ؟ قالَ { إنَّ أبواب الخير لكثيرةٌ : التسبيحُ ، والتكبير ، والتحميد ، والتهليل ، والأمر بالمعروف ، والنَّهيُ عن المنكرِ ، وتميطُ الأذى عن الطَّريقِ ، وتُسمعُ الأصمَّ ، وتهدي الأعمى ، وتدُلُّ المستَدِلَّ على حاجته ، وتسعى بشدَّةِ ساقيكَ مع اللَّهفان المستغيثِ ، وتحمِلُ بشدّةِ ذراعيكَ مع الضَّعيف ، فهذا كُلُّه صدقةٌ منكَ على نفسك }

حتَّى اللُّقمة ترفعُها إلى في امرأتك صدقة وبِكُلِّ خُطوةٍ تَمشيها إلى الصَّلاةِ صَدَقةٌ

تَعدِلُ بَينَ الاثنينِ صدَقَةٌ ، وتُعينُ الرَّجُلَ في دابَّتِهِ، فتحمِلُهُ عليها ، أو تَرْفَعُ لهُ عليها متاعَهُ صَدَقةٌ ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقةٌ 

وقال صلى الله عليه وسلم { ما مِنْ مسلمٍ يَغرسُ غَرْساً، أو يزرعُ زرعاً ، فيأكلُ منه إنسانٌ ، أو طيرٌ ، أو دابَّةٌ، إلا كان له صدقةٌ }

وقال صلى الله عليه وسلم { ما من مسلمٍ يغرسُ غَرْساً إلا كان ما أكلَ منه له صدقة ، وما سُرِقَ منه له صدقة ، وما أَكَلَ السَّبعُ منه فهو له صدقة ، وما أكلتِ الطَّير فهو له صدقةٌ ، ولا يرزؤُه أحدٌ إلا كان له صدقة }. وفي روايةٍ قال صلى الله عليه وسلم { فيأكل منه إنسانٌ ، ولا دابةٌ ، ولا طائرٌ إلاَّ كان له صدقة إلى يوم القيامة } ([3])

وظاهر هذه الأحاديث كلّها يدلُّ على أنَّ هذه الأشياء تكونُ صدقة يُثاب عليها الزارعُ والغارسُ ونحوهما من غير قصدٍ ولا نيةٍ

والله عز وجل قال { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }

والنَّوع الثاني من الصدقة التي ليست مالية ما نفعُه قاصرٌ على فاعله أي ما كان الإحسّان فيه قاصر على نفسه

، كأنواع الذِّكر من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والحوقلة والاستغفار

وقد تكاثرتِ النُّصوصُ بتفضيل الذكر على الصدقة بالمال وغيرها من الأعمال ، كما في حديث أبي الدرداء ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال  { ألا أنبِّئُكُم بخيرِ أعمالكم ، وأزكاها عند مليكِكُم ، وأرفعِها في درجاتكم ، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والفضة ، وخيرٍ لكم منْ أنْ تَلْقَوا عدوَّكم ، فتضربوا أعناقهم ، ويضربوا أعناقكم ؟ } قالوا بلى يا رسول الله ، قالَ { ذكرُ اللهِ عز وجل }([4])

فهذا يدل على أن الذكر أفضل الأعمال ، وأنه أفضل من الجهاد والصدقة والعتق وغير ذلك

كما جاء صريح في قوله صلى الله عليه وسلم

ولا يعارض هذا حديث الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما يعدل الجهاد ، فقال { هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم ولا تفطر ، وتقوم فلا تفتر } الحديث المشهور ، لأن هذا السائل سأل عن عمل يعمله في مدة جهاد المجاهد من حين خروجه من بيته إلى قدومه . فليس يعدل ذلك شيء غير ما ذكره ، والفقراءُ دلهم النبي صلى الله عليه وسلم على عمل يستصحبونه في مدة عمرهم ، وهو ذكر الله الكثير في أدبار الصلوات ، وهذا أفضل من جهاد يقع في بعض الأحيان ، ينفق صاحبه فيه ماله .

فالناس منقسمون ثلاثة أقسام

أهل ذكر يدومون عليه إلى انقضاء أجلهم

وأهل جهادٍ يجاهدون وليس لهم مثل ذلك الذكر فالأولون أفضل من هؤلاء

وقومٌ يجمعون بين الذكر والجهاد ، فهؤلاء أفضل الناس .

ولهذا لما سمع الأغنياء الذين كانوا يحجون ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون بما علم النبي صلى الله عليه وسلم الفقراء من ذلك عملوا به ، فصاروا أفضل من الفقراء حينئذ ؛ ولهذا لما عاد الفقراء يخبرون النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أن الأغنياء يأتوا بما علمه الفقراء من ذكر بعد الصلاة ، قال { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء}

وقد دَّل الحديث على فضل التسبيح والتحميد والتكبير خلف كل صلاة

وعن أبي الدَّرداء قال لأن أقولَ الله أكبرُ مئة مرة ، أحبُّ إلىَّ من أنْ أتصدَّق بمئة دينار

قال سلمان الفارسي وغيرُه من الصَّحابة والتابعين إنَّ الذِّكرَ أفضلُ من الصَّدقة بعددِه من المال

وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله

عن أمِّ هانئ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لها { سَبِّحي الله مئة تسبيحة ، فإنَّها تَعدِلُ مئة رقبة من ولد إسماعيل ، واحمدي الله مئة تحميدة ، فإنَّها تَعدِلُ لكِ مئة فرس مُلجَمة مُسرَجة تحملين عليهنَّ في سبيل الله ، وكبِّري الله مئة تكبيرة ، فإنَّها تعدِلُ لك مئة بَدَنة مقلَّدة مُتُقبَّلة ، وهلِّلي الله مئة تهليلة لا أحسبه إلا قال تملأ ما بَيْنَ السماء والأرض ، ولا يُرفَع يومئذٍ لأحدٍ مثلُ عملك إلاَّ أنْ يأتيَ بمثل ما أتيت } وفي رواية { وقولي  لا إله إلا الله مئة مرة ، لا تذر ذنباً ، ولا يسبقها العمل }

وعن ابن عباس مرفوعاً قال { ما صَدقةٌ أفضلَ من ذكرِ الله عز وجل }


 

[1]  صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1125

[2]  رواه مسلم

[3]  صحيح مسلم

[4]  صححه الألباني في صحيح ابن ماجة 2790